Site icon IMLebanon

الأردن يتحدّى إرهاب «داعش» بالسياحة… واكتشاف كنائس أثريّة

«الأردن دولة آمنة»… رسالة واضحة تسعى المملكة لإيصالها إلى مختلف دول العالم بوسائل وأساليب شتى. رسالة تُريد من خلالها دعوة أكبر عدد ممكن من السيّاح العرب والأجانب إلى زيارتها. فالسياحة هي نفط الأردن والرئة التي تتنفّس منها. ولأنّ لهذا القطاع أهمية «مقدسة» في استراتيجية المملكة، فإنها توليه اهتماماً ووقتاً ومتابعة، توازياً مع قدرتها على إرساء استقرار لافت وسط محيط ملتهب.

لم تمنع الحروب والمواجهات الدائرة في الشرق الأوسط، الأردن، من التركيز على تعزيز القطاع السياحي، على رغم أنّ حدودها مفتوحة على شتى المخاطر وتقع في مرمى تنظيم «داعش»، لكنّ حبّ الأردنيّين للحياة والثقافة يبقى أقوى من كل المظاهر الإرهابية التي تُهدّد العالم العربي، وهذا ما أظهروه بعد إعدام «داعش» الطيّار معاذ الكساسبة بطريقة وحشية منذ نحو عام ونصف العام، وعادوا وثبّتوه في الأمس القريب بعد الهجوم الذي نفذه التنظيم على حرس الحدود الأردني.

لم تُثنِ المخاطر الأمنية، الأردن، عن إحياء مهرجانات جرش للثقافة والفنون على عادتها ككلّ عام، هذه المهرجانات التاريخية الذي يشارك فيه أهمّ النجوم العرب وتحديداً اللبنانيين منهم. ولأنّ أي خطأ أمني قد يكون قاتلاً بالنسبة إلى القطاع السياحي أولاً وعلى مستوى المملكة عموماً، فإنّ الإجراءات والتدابير الأمنية الوقائية التي واكبت المهرجان كانت على مستوى دقة المرحلة وخطورتها.

إنتشار كثيف للجيش وعناصر الأمن على الطرقات المؤدية إلى جرش وفي محيط المهرجان، حواجز منتشرة على مراحل عدة تُخضع الداخلين لتفتيش دقيق، والهدف الأساس إشعار المشاركين، عرباً وأجانب، بأنهم في أمان وبأن هناك عيناً ساهرة على حمايتهم ترصد أي خطر قد يُهدّدهم.

السياحة نفط الأردن

وعلى رغم الاستقطاب الجماهيري الذي تُحقّقه مهرجانات جرش كل عام من مختلف الأقطار العربية والعالم، يبقى تركيز الأردن على السياحة وتعزيز هذا القطاع، وهي مهمّة أوكِلت بها هيئة تنشيط السياحة الأردنية التي تعنى بترويج المنتج السياحي الأردني في الخارج، في تجربة فريدة في العالم العربي لجهة التعاون المشترك بين القطاعين العام والخاص.

وما يؤكّد أهمية دور الهيئة أنّ معدل الدخل القومي من السياحة كان يُقدّر ما قبل العام 1998، أي قبل تأسيس الهيئة، بـ2 إلى 3 في المئة، ليبلغ 21 في المئة نهاية العام 2014.

«نتوجّه الى كل الأسواق»، هذا ما يؤكّده ممثل هيئة تنشيط السياحة الأردنية في لبنان وفلسطين خالد الكيلاني. لكنّه في المقابل لا يُنكر أنّ عدد السياح العرب والأجانب تأثر منذ بداية أحداث «الربيع العربي» بسبب الأوضاع التي تمر بها المملكة، «وتحديداً على مستوى السائح الأجنبي لأنه يعتبر الأردن جزءاً من بعض الدول المجاورة التي تواجه مشاكل مثل سوريا والعراق، ومصر آنفاً، وهو ينظر إلى الأردن كجزء من وجهة سياحية كاملة».

هذا الوضع، بالإضافة إلى تراجع دخل القطاع السياحي، دفع الهيئة إلى إطلاق «الخطة التسويقية الخاصة للطوارئ» لمدة خمس سنوات بهدف إيصال رسالة واضحة إلى المستهلك في الخارج بأنّ الأردن دولة آمنة، وهي تنتظر حصد النتائج خلال السنة المقبلة.

وفي السياق يقول الكيلاني أمام وفد إعلامي لبناني فلسطيني زار الأردن: «أوصلنا هذه الرسالة الى كل شعوب العالم بأنّ الأردن تمتاز بالأمن والأمان وهذا الأمر لم يكن سهلاً، وفتحنا أسواقاً سياحية أخرى بدلاً من الأسواق التي تأثرت مثل الأسواق الأوروبية، وركزنا على السياحة الإسلامية واستهدفنا أسواقاً جديدة مثل أندونيسيا وماليزيا وتايلند، أي سوق شرق آسيا، فيما نروّج اليوم في مصر وهو سوق عربي واعد، كما نظّمنا حملات تسويقية في دول مجلس التعاون الخليجي».

بين لبنان والأردن

فتحت زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر الى الأردن عام 2009 الأبواب أمام السائح اللبناني ليدخل المملكة، خصوصاً بعد نجاح الحملة التسويقية للسياحة الدينية المسيحية ومعها الحملة العامة للسياحة، فقرّر مجلس إدارة هيئة تنشيط السياحة فتح مكتب تمثيلي في لبنان منذ العام 2009.

ويوضح الكيلاني: «الاستراتيجية المعتمدة مع لبنان تتمثل في أنّ المواطن اللبناني لا يحتاج الى تأشيرة دخول الى المملكة، وهو يعامل معاملة السائح العربي، وعندما يزور المواقع السياحية يدفع الرسوم نفسها التي يدفعها المواطن الأردني».

تُركّز الهيئة على الحملات التسويقية للوصول الى المستهلك عبر تنظيم حملات إعلانية وترويجية على مدار العام ودورات تدريبية لوكلاء السياحة والسفر لتعريفهم الى تطورات المنتج السياحي الأردني من فنادق وخدمات وآليات عمل وقوانين جديدة.

ويلفت الكيلاني إلى وجود «5 الى 6 طائرات يومياً تتنقّل بين البلدين، وهي مقسمة بين شركة طيران الشرق الأوسط الناقل الرسمي للحكومة اللبنانية وشركة الملكية الأردنية الناقل الرسمي باسم الحكومة الأردنية، ما يعني وجود طلب من رجال الأعمال والأقارب والأهالي لزيارة الأردن وقد يكون الهدف علاجياً وسياحياً متبادلاً بين البلدين».

تتضمّن استراتيجية الهيئة التسويقية في لبنان المشاركة في المهرجانات اللبنانية من خلال «ستاند» خاص لترويج المنتج السياحي الأردني، وقد شاركت هذه السنة في مهرجانات إهدن وجبيل وبيت الدين حيث وزّع مندوبوها النشرات السياحية والماء المقدس ومنتجات البحر الميت لتعريف المشاركين الى الأردن. ويكشف الكيلاني عن إطلاق «حملات تسويقية في بعض المجمعات التجارية تحضيراً لعطلة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة».

يتميّز الأردن بسياحة دينية وبيئية وعلاجية وطبية… ويضم ما لا يقل عن 17 محمية طبيعية، الأمر الذي يُميّزه عن بقية دول المنطقة. وعلى رغم أنّ المستوى السياحي المطلوب لا يزال دون الطموحات، يؤكّد الكيلاني «أننا سنتجاوز الصعوبات بالتعاون بين القطاعين العام والخاص».

ويحرص الكيلاني على الإضاءة على الامتيازات التي يحصل عليها السائح اللبناني في الأردن ولا يجدها في أي بلد عربي آخر، لجهة «الأمن والأمان، الطعام الجيد، والنظافة، وهذه من أهمّ عوامل نجاح أي منتج سياحي، بالإضافة إلى أنّ المواطن اللبناني يعامل عند زيارته أي موقع أثري في الأردن معاملة المواطن الأردني لناحية الرسوم التي يدفعها».

«المثلث الذهبي»

«الأردن ليست عمان… وعمان ليست الأردن»، جملة يُردّدها المسؤولون الأردنيون، إذ إنّ العاصمة وعلى رغم أهميتها على المستوى السياحي، إلا أنّ مواقع الجذب الأساسية منتشرة خارجها من المغطس إلى جبل نيبو ومادبا والبحر الميت وعجلون وحمامات ماعين وأم قيس وغيرها الكثير من المواقع المتنوعة والفريدة.

لكنّ «المثلث الذهبي» يبقى تجربة استثنائية ونقطة الجذب الأساسية في المملكة، ويضم البتراء (مدينة الأنباط وإحدى عجائب الدنيا السبع)، وادي رم الذي صنّفته لجنة التراث العالمي ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأونيسكو، بالإضافة إلى العقبة تلك المدينة التي تشكل مزيجاً من التاريخ والحضارة العريقة وتعتبر قاعدة انطلاق لاستكشاف المواقع الأثرية خصوصاً وادي رم والبتراء ومحمية ضانا الطبيعية والبحر الميت والمغطس.

 

لامركزية واستقلالية

مفوضية العقبة، سلطة قائمة بحد ذاتها وتعنى بكل ما تحتاجه المنطقة. تأسست عام 2000 لتكون أوّل جسم في الحكومة الأردنية يمثل اللامركزية، وهي تعمل بموجب قانون خاص يُعطيها كل الصلاحيات لإدارة المنطقة باستقلالية عن كل الدوائر الحكومية في العاصمة.

المنقطة تشكل أحد المحاور الاقتصادية المهمة في التاريخ الأردني الحديث ومستقبله، ويعوّل عليها لتكون رافعة للاقتصاد الوطني كونها الميناء الوحيد في الأردن ومن أكبر المدن الجاذبة للسياحة وخالقة لفرص العمل.

ارتفع عدد سكان العقبة من 50 ألف نسمة الى نحو 200 ألف نتيجة المنطقة الاقتصادية الخاصة، لكنّه قد يصل إلى ربع مليون نسمة خلال الفرَص وعطل نهاية الاسبوع.

استطاعت العقبة في العقد الأخير أن تستقطب ما يزيد عن عشرين مليار دولار من الاستثمارات، 50 في المئة منها مركّز في القطاع السياحي. وفي السياق يقول شرحبيل ماضي، مفوّض الشؤون الاقتصادية في العقبة أمام الوفد اللبناني والفلسطيني، إنّ هناك «مشاريع كبرى سيبدأ تنفيذ جزء كبير منها نهاية سنة 2017 وبداية 2018 وسترفع عدد الغرف الفندقية من 4000 الى 8000، ما يتطلب تكثيف جهود استقطاب السياحة وترويج المنتج السياحي في منطقة المثلث الذهبي الذي يضم ما يزيد عن الـ70 في المئة من المنتج السياحي الأردني»، كاشفاً «أننا بدأنا بتوسعة المثلث الذهبي ليصبح المستطيل الماسي للاستفادة من مختلف أنواع السياحة».

«الأردن متحف مفتوح في الهواء الطلق»، بحيث تزيد المواقع السياحية المسجلة رسمياً عن 22000 ويبقى أكثر من 100000 موقع غير مفتوح للزيارة أو يخضع لمشاريع تطويرية، «ما يزيد العبء على الحكومة ودائرة الآثار وعلى القطاع السياحي عموماً»، وفق ماضي، خصوصاً أنّ «المجتمع المحلي هو المشغل الأساسي للقطاع السياحي في المثلث الذهبي».

ويلفت ماضي الى خصوصية العقبة لجهة إدارة السير، والحفاظ على النظافة التي تديرها شركة خاصة لا البلدية، ما يُميّزها عن بقية المدن الاردنية. أما لجهة المواصلات، فتمنع الحافلات من الوقوف داخل المدينة وتكتفي بإيصال السياح لتعود وتركن في مواقع محددة لها في الخارج.

العقبة مدينة متكاملة استقبلت مختلف الحضارات وطبعت جذورها في التاريخ، وعنها يقول ماضي: «العقبة ليست فقط منتجعاً سياحياً، بل تشكل جزءاً من العالم القديم وتقدم في الوقت نفسه منتجاً سياحياً شمولياً يتميز بالأمن والنظافة ويقدم إمكانات تسوق متنوعة، والأهم أنها مدينة العائلة»، مشدداً على أن سلطات السياحة في الأردن تعنى بالجودة لدى الوافدين وبالخدمات المقدمة لهم.

لكنّ الحدث الأبرز الذي كشف عنه ماضي يتمثل في اكتشاف أقدم كنيسة في العالم موجودة في العقبة، حيث يجري تطوير المكان وصيانته تمهيداً لاستقبال الزوار، على أمل أن يفتتحها قداسة البابا.

فهل تشهد الأردن زيارة بابوية خامسة، لافتتاح الكنيسة ورفع الصلاة مع آلاف المؤمنين، للتأكيد أنّ الجذور المسيحية ضاربة عميقاً في الشرق الأوسط بالعيش المشترك مع المسلمين، وأنّ ما من إرهاب أو تطرّف او فكر ظلامي مهما بلغ بطشه وإجرامه ووحشيته يستطيع تفريغ الشرق من مسيحييه؟