تغطّيه الولايات المتحدة سياسياً والبنك الدولي مادياً ويحوز على موافقة مصر والأردن
أعاد الطرح باستجرار الطاقة إلى لبنان من الأردن إحياء مشروع الربط السداسي المنسي. صحيح أن ظروف وعلاقات الدول العربية الخمس (مصر، الأردن، العراق، سوريا ولبنان) بالإضافة إلى تركيا، تغيرت كثيراً عما كانت عليه في نهاية الألفية الثانية، إلا أن البنى التحتية للمشروع ما زالت قائمة. ومقابل التعقيدات الجيوساسية “السرطانية” التي تضخمت بشكل مخيف في السنوات الأخيرة، تبرز الحاجة الماسة للكهرباء محلياً. الأمر الذي يستأهل علاجاً سريعاً، إن كان استئصال الورم مستحيلاً.
ما طرحته سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان دوروثي شيا عن إمكانية تسهيل ايصال الكهرباء إلى لبنان من الأردن يبدو خياراً عملياً، وحلاً دائماً لازمة الكهرباء المتفاقمة. وهو قد أتى بناء على طرح صندوق النقد الدولي في العام 2019، واعادة التذكير به من قبل المدير التنفيذي في الصندوق محمود محي الدين منتصف تموز الفائت. الطرح يعمل بحسب المعلومات على خطين متوازيين: الأول يتمثل برفع قدرات الأردن الإنتاجية سواء كان من الطاقة الشمسية أو من خلال تزويده بكميات إضافية من الغاز المصري للمعامل الحرارية، وتمرير فائض الكهرباء إلى لبنان عبر سوريا. على ان يقوم البنك الدولي بتمويل عمليات تأهيل الشبكة وتسديد ثمن الطاقة المحولة لصالح لبنان في الفترة الأولى بقروض ميسرة ومع فترة سماح لمدة سنة. الثاني يتمثل باستجرار الغاز المصري من الأردن إلى شمال لبنان عبر سوريا أيضاً، لتشغيل معمل دير عمار بشكل أساسي، مع إمكانية استحداث خط جديد داخلي لوصل معامل (الذوق والجية الجديدين والزهراني).
حلٌّ نهائي
الخيارات المتاحة مجربة جزئياً. وقد سبق للبنان أن استورد الغاز من مصر لتشغيل معمل دير عمار حصراً في الفترة الممتدة من تشرين الاول 2009 إلى تشرين الثاني من العام 2011 بناء على الاتفاق المجدد في العام 2007 بين مصر ولبنان. وقد تمت العملية عبر ايصال نحو 30 مليون قدم مكعب من الغاز عبر وصلة حمص – طرابلس (32 كلم) بعدما وصل الغاز إلى محطة الريان السورية. أما بالنسبة للكهرباء فقد كان للبنان تجربة طويلة باستجرارها من سوريا. حيث وصلت الكمية المستجرة في العام 2018 إلى حوالى 270 ميغاواط بكلفة تراوحت بين 13 و17 سنتاً للكيلواط/ساعة. وعليه ليس هناك ما يمنع من وصول الكهرباء عبر سوريا إلى لبنان بنفس الطريقة. خصوصاً مع إمكانية تحييد بيع الكهرباء عن لائحة “قيصر” للعقوبات الاميركية. وعلى الرغم من التحديات التقنية في كلا الإحتمالين المرتبطة بتأمين الأكلاف، وصيانة خط الغاز المثقوب في أكثر من مكان بسبب التفجيرات الإرهابية، وتكبير المحولات transformers… إلا أنهما “يشكلان حلاًّ لأزمة الكهرباء في لبنان بشكل نهائي وبأقل كلفة ممكنة”، يقول عضو مجلس إدارة كهرباء لبنان الشمالي – قاديشا المستقيل، والمهندس في مجال الطاقة سامر سليم.
سيناريو الكهرباء
من الناحية العملية يعتبر سليم ان “خيار استجرار الكهرباء مباشرة من الأردن هو أفضل الحلول المقدمة وأسهلها للتطبيق وأقلها كلفة. فهو من جهة يوفر علينا أكلاف بناء المعامل والصيانة والسرقات والسمسرات… وغيرها الكثير من المشاكل العالقة التي يعاني القطاع منها تاريخياً. ويؤمن من الجهة الاخرى، الجزء الأكبر من حاجتنا للطاقة والإستقرار في التغذية. نظراً لكون حاجة لبنان الاضافية اليوم هي بحدود 1800 ميغاواط، في حين تملك الأردن وفراً كبيراً في الإنتاج يتراوح بين 1000 و1500 ميغاواط. ما يساعد على هذا الطرح بحسب سليم هو “تحقيق الأردن قفزات كمية ونوعية لجهة الكميات المنتجة من الطاقة النظيفة بأسعار منخفضة. حيث أنتجت نحو 5 جيغاواط (5000 ميغاواط) من الكهرباء من محطات الطاقة الشمسية. الأمر الذي سيسمح للبنان بشراء الكهرباء بكلفة تتراوح بين 5 و7 سنتات لليكلواط ساعة. وهو سعر متدن جداً بالمقارنة مع إنتاج الطاقة من المعامل الحرارية الموجودة لدينا. هذه العملية لا تتطلب من وجهة نظر سليم إلاّ “تكبير المحول الأساسي الموجود بين لبنان وسوريا بقدرة 300 ميغاواط، وتجهيزه لتحمل الكميات التي ستشبك على خط التوتر العالي الجديد المجهز بقدرة 220 كليواط”. وبرأيه من الممكن الإستفادة سريعاً من كامل الفائض الموجود حالياً في الأردن، ورفع الكمية المستجرة بعد فترة وجيزة إلى نحو 1800 ميغاواط وتأمين الكهرباء 24/24. والأهم من هذا كله أن هذه العملية من وجهة نظره “تغنينا عن الإستثمار في بناء معامل جديدة مكلفة، والتركيز على تأهيل وصيانة الشبكة المحلية لكي تتحمل الكمية الإضافية من الطاقة، وتخفيض الهدرين التقني وغير التقني لكي لا تضيع الطاقة هباءً. وبرأي سليم فان “هناك شبكة جديدة في لبنان جهزت بالتزامن مع تقرير إنشاء معمل دير عمار 2 وهي قادرة على تحمل نحو 550 ميغاواط، يمكن الإستفادة منها سريعاً لضخ الكمية المستجرة، وتخفيف حدة التقنين في مختلف المناطق”.
سيناريو الغاز
في المقابل فان استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن، لا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع استجرار الغاز لزوم المعامل اللبنانية. فـ”هذان المشروعان يكملان بعضهما البعض ويغيران كل طرق المعالجة لأزمة الكهرباء، ويوفران الحل النهائي المطلوب”، برأي سليم، و”لو وصل الغاز في المرحلة الأولى إلى معمل دير عمار فقط فهذا يؤمن إنتاجاً بنحو 450 ميغاواط ويحقق وفراً يقدر بين 150 و200 مليون دولار سنوياً”. ومن الممكن في المراحل اللاحقة التفكير بكيفية إيصال الغاز براً أو بحراً من البداوي شمال لبنان إلى الزهراني جنوبه، مروراً بالذوق والجية لتغذية المعملين الجديدين، وتحقيق وفر سنوي بقيمة 400 مليون دولار. وفي حال تحقيق الهدفين يكون لبنان أصاب ثلاثة عصافير بحجر التعاون العربي الواحد وهي: التخفيف عن ميزانية الدولة، تخفيض العجز في ميزان المدفوعات، تخفيف الانبعاثات المضرة بالبيئة، وأيضاً، لن ننسى التخلص من تحكّم كارتلات النفط القائمة وارتباطها اللصيق بمنظومة الفساد.
الإستهزاء من قبل البعض بهذين المشروعين الكبيرين، والقول لو “انها بدا تشتي كهربا كانت غيمت تعاون من 20 سنة”، لا يمتّان إلى المنطق بصلة. فحين تتأمن الإرادة والتغطية الدولية مع الحاجة الكبيرة يصبح التنفيذ سهلاً. والدليل هو نجاح هذه الحلول من الناحية التقنية في الماضي القريب، وإمكانية توفير مقومات نجاحها راهناً. إلا أن العقدة الأكبر لا تكمن في ايصال الطاقة عبر الحدود وإجراء اعمال الصيانة على الشبكتين السورية واللبنانية وتصليح خط الغاز، بل بتغيير ما في النفوس محلياً وأخذ القرار من قبل القيمين على الطاقة بالانتقال إلى الحلول الدائمة والتخلي عن الموقتة. فاذا توقف المسؤولون في الطاقة، ومن خلفهم الجهات السياسية الداعمة، عن اعتبار الكهرباء هي الحديقة الخلفية للسمسرات وتحقيق المنافع والتوظيفات السياسية وشبك علاقات المصالح مع الشركات المستوردة للنفط… قد يتأمن الحل بسهولة وبشكل سريع نسبياً. خصوصاً ان الطرح مغطى سياسياً من الولايات المتحدة الاميركية، ومالياً من البنك الدولي. أما في حال العكس فان “اللاكهرباء” ستبقى رهينة المصالح السياسية والمادية الضيقة وستستمر في استنزاف ما تبقى من أموال المودعين بموافقات استثنائية إلى أن “يقضي الله أمراً كان مفعولاً”… وتغيب كلياً.