Site icon IMLebanon

 الأردن تضيء موقع عماد المسيح بشجرة الميلاد

في زمن الصراعات العربية والثورات المقنّعة، يختار الأردنيون الحقيقة والشفافية والسلام، بعدما حرصَ ملكهم عبدالله الثاني على تسويق هذه الحقيقة على مختلف الأصعدة، ومن أبرزها السياسة والسياحة. فكان حقيقياً عندما أنصَفَ النازحين السوريين وأواهُم في مخيّمات منظّمة من دون تعريض مملكته لتداعيات هذا النزوح، وكان حقيقياً عندما تَفرَّد بأخذ المبادرة لقصف «داعش» من دون انتظار إذنِ القوى الإقليمية أو مساندة جوّية من الحلفاء.

أما اليوم فيُثبت العاهل الأردني في زمن الميلادَين، المولد النبوي الشريف وميلاد السيّد المسيح، أنّه أكثر شفافية من أيّ وقتٍ مضى، مِن خلال حِرصه على إيلاء السياحة الأردنية عموماً والسياحة الدينية خصوصاً حيّزاً مهمّاً لتظهير وجهِ الأردن الحضاري المُحبّ للسلام والحقيقة في زمن العنف والتعصّب والكراهية.

ولهذه الغاية أرسَل الملك عبدالله مندوبَه وزيرَ السياحة نايف الفايز لتمثيله في إضاءة شجرة الميلاد في الموقع الأكثر قداسةً بالنسبة للأردنيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، وهو موقع عماد السيّد المسيح الذي يطلَق عليه اسمُ «المغطس»، الواقع في منطقة «بيت عنيا»، والذي انطلقت منه «الديانة المسيحية».

تُدرك وزارة السياحة بتوجيهاتٍ ملكية أهمّية هذا الموقع، وكذلك أهمّية تنشيط السياحة الدينية، بَعدما أيقنَت أنّها تمثّل جزءاً من الأراضي المقدّسة التي يجب تظهيرها إلى العالم، لا بل تُعتبَر الأردن الجزءَ الأهمّ لانطلاق الديانة المسيحية، ومن هنا جاءت الدعوة لنخبةٍ من وسائل الإعلام العربية والأجنبية المرئيّة والمسموعة لمواكبة إضاءة شجرة الميلاد الضخمة في حضور قناصل وهيئات ديبلوماسية ولفيفٍ مِن الأساقفة يمثّلون مختلف الطوائف المسيحية.

بعد كلمةٍ للآباء القيّمين على الاحتفال أظهَروا من خلالها وجه الأردن النموذجي للعيش المشترك، حيث اختاروا إضاءةَ شجرة الميلاد وشجرةَ السلام معاً في زمن الانقسامات المذهبية، كانت كلمة مؤثّرة لوزير السياحة نايف الفايز الذي أبدى حرصَ المملكة على التعايش الإسلامي – المسيحي بالقول للعالم إنّ عيد الميلاد هو عيد السلام وإنّ الأردن هو مَهد السّلام، في وقتٍ يَتوق فيه الشرق الأوسط إلى صانعي السلام وإلى سلام مبنيّ على العدالة.

من ثمّ أضيئت شجرة الميلاد وسط تصفيق حارّ ومؤثر بمواكبة موسيقى القوات المسلّحة والكشّافة.

وكان لـ«الجمهورية» حديث مع وزير السياحة أوضَح فيه أنّ التقويم السَنوي يأبى إلّا أن يُؤكّد رسالةَ الأردن، وهي رسالة اللقاء والالتقاء والسلام، وأنّ الاردنيين جميعَهم سيَفرحون لأنّهم سيلتقون هذه السَنة في عيدَي المولد النبوي والميلاد، وكأنّها رسالة سلام في زمن التطرّف.

هنا مهدُ المسيحية

وعن هذه الرسالة، قال الفايز: «بدأنا رسالة السلام منذ زمن، وهذه ليست المرّة الأولى التي نُضيء فيها أشجار الميلاد، لكنْ هذه المرّة اختلف الموقع، وقد يكون «المغطس» وهو موقع عماد المسيح، هو الذي شكّلَ الفرقَ، لرمزيّته الحسّاسة والمقدسة».

وأضاف: «المنطقة لها رمزيتُها المقدّسة، ليس فقط للمسيحيين بل للمسلمين أيضاً، ومن هذا الموقع المقدّس نقول للعالم: نعم نحن هنا، الأساس للمسيحيين وللمسلمين، ورسالة السلام انطلقَت منذ فترة طويلة من الأردن»، مذكّراً برسالة عمّان «التي تَجمع ولا تفَرّق، والتي أطلقَها الملك عبدالله».

وعن دور تفعيل النشاط السياحي في خَلق دينامية جديدة، كشفَ الفايز أنّ الدولة الاردنية تنبّهَت إلى تقصيرها في الماضي في تنشيط الدور السياحي، لذلك رأت ضرورةَ إعادة تفعيله بكلّ عناصره إنْ كانَ على مستوى السياحة الدينية أو السياحة الترفيهية أو سياحة الاستجمام أو سياحة المغامرة، خصوصاً أنَّ الأردن غنيّ بالمنتج السياحي، ولذلك هيّأت وزارة السياحة البنية التحتية للقطاع السياحي، واليوم تنطلق بقوّة أكبر وباستقطاب الزوّار من إخواننا العرب ولا سيّما من لبنان».

وعن السبب الذي جعلَ المملكة تطلِق اليَد لوزارة السياحة ولهيئة تنشيط السياحة، قال: «نحن جزء من الأراضي المقدّسة وهذه هي الرسالة الأساسية والرئيسة بنظرِنا، وموقع العماد هو موقع انطلاق الديانة المسيحية. صحيح أنّ السيّد المسيح وُلد في بيت لحم لكنّه تَعمَّد في أرضنا على يد يوحنا المعمدان، ومنها انطلقَت الديانة المسيحية، لذلك نقول للجميع: «مهدُ الديانة المسيحية هنا»، وهو ليس فقط للمسيحيين بل للأردنيين جميعاً، وهو سببٌ كافٍ للتغطية والمواكبة».

كما كان لـ«الجمهورية» حديث مع رئيس هيئة تنشيط السياحة الأردنية عبدالرزّاق عربيّات، الذي أوضَح أنّ دور الهيئة هو التسويق للمنتج السياحي في الخارج والتركيز بشكلٍ أكبر على التسويق الإلكتروني واستضافة النخبة من الإعلاميين والصحافيين والـBlogers ليوصِلوا الدورة السياحية في الأردن بشكل محترف ومتقدّم وحديث إنْ من ناحية الكلمة أو من ناحية الصورة. 

السياحة الدينية

وكشفَ عربيات أنّهم أطلقوا كتَيِّباً خاصاً مطبوعاً بـ 8 لغات يتحدّث عن 34 موقعاً دينياً مسيحياً في الأردن ذُكِروا في الكتاب المقدّس، وهذه الكتيِّبات تحتوي قصَصاً حصلت في العهدين القديم والجديد، لافتاً إلى أنّها ستكون كنزاً في يد المؤمنين والسوّاح، وأنّ الهيئة تتواصَل باستمرار مع مكاتب السياحة والسفر للترويج لهذه السياحة على رغم الظروف المعاكسة.

وأوضَح «أنّنا نرَكّز على الإعلام اللبناني، لأنّ السوق اللبناني يهمُّنا ولأنّنا أدرَكنا مدى تعلّقِ الشعب اللبناني بالأردن، ولحَظنا حبَّه للمجيء إلى أرضنا للسياحة والاستجمام ولزيارة الأماكن المقدّسة. فالمواقع السياحية تَجذبهم، ولا سيّما البحر الميت وجرش وغيرها. لذلك تدعَم الهيئة طيّارات الـSharter وغيرها من الشركات الأقلّ كلفةً بغية دعم السياحة وتحفيز السائح لزيارة الأردن.

وعن النجاح في هذه المهمّة، قال ممثّل هيئة تنشيط السياحة الأردنية خالد الكيلاني إنّ العمل الدؤوب لوزارة السياحة وللهيئة حازَ على مباركة ملكية شاملة وتغطيةٍ وزارية مطلقة رافقَتها متابعة متواصلة من أعضاء الهيئة الناشطين مع كلّ مكاتب السياحة في العالمَين العربي والغربي، ولا سيّما لبنان، معتبراً أنّ الهيئة لا تَعتبر دورها مهمّةَ عمل بل مهمّةً مقدّسة وواجباً وطنيّاً.

بدوره، الناشط في هيئة تنشيط السياحة الدينية معين جدعون، كشفَ لـ«الجمهورية» أنّ مشكلة السياحة الدينية هي عدم الترويج الكافي والمحترف، ولا سيّما أنّه في منطقة بيت عنيا وقربَ موقع المغطس هناك 32 موقعاً ذُكِروا في الإنجيل المقدّس، وتمّ شراء الأراضي الواقعة قرب «المغطس» من قبَل الطوائف المسيحية في الأردن لتشييد الكنائس عليها مثل القبطية والأرثوذكسية واللوثرية وغيرِها، والتي لم تكن موجودة في البَدء.

وأشار إلى أنّ إنارة شجرة الميلاد قبل موعدها بأسبوع ليس سوى احتفالٍ رمزيّ بدأت به الكنيسة اللوثرية بعدما شيّدَت كنيستَها قرب الموقع في انتظار أن تحذوَ حذوَها بقيّة الكنائس، فيما الاحتفال الرّسمي والشعبي سيتمّ بشكل أوسع ليلة الميلاد في 24 الشهر الجاري والذي من المتوقع أن يستقطب قرابة سبعةِ آلاف مشارك من كلّ الأقطار، إذ إنّ الدعوة ستكون عامّة.

مواكبة إعلامية للحدَث

أمّا الفريق الإعلامي الذي رافقَ الحدث، فكانت محطّته الأولى في جبل نيبو مقام النبي موسى الذي يُعتبَر من أماكن الحجّ المسيحية، ثمّ منطقة مادابا حيث خريطة الفسيفساء في كنيسة القدّيس جاورجيوس التي تعود إلى القرن السادس الميلادي.

في اليوم الثاني، تَحرّكَ الفريق من عمّان في اتّجاه غَور الأردن وهناك شاركَ في احتفاليةِ إنارةِ شجرة الميلاد في بيت عنيا، ليتوجّه بَعدها إلى منطقة البحر الميت.

في اليوم الثالث انطلقَ الفريق الإعلامي في اتّجاه الـPanorama Complex وتحديداً إلى حمّامات معين السياحية، وزارَ متحفَ الـPanorama الذي يمثّل مراحلَ التطوّر أو تراجع البحر الميت الذي تُسجِّل درجةُ ملوحته أعلى نسبة في العالم، إذ تصل إلى 36 في المئة، وينخفض 407 أمتار تحت مستوى البحر.

البابا القديس وبوتين والملك في الموقع

والجديرُ ذكرُه أنّ حَدثين مهمّين ألقَيا الضوءَ على موقع المغطس وقُدسيته. الحدث الأوّل تَمثّل في زيارة البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني الموقعَ في 22 آذار 2000 لمناسبة مرور ألفَي عام على ميلاد السيّد المسيح، حيث أقامَ قدّاساً في إحدى الكنائس القديمة التي سُمِّيت بعد ذلك على اسمِه، خصوصاً أنّه لم يكن قد تمّ اكتشاف اسمِ الكنيسة منذ العثور عليها.

أمّا الحدث الثاني فتَمثّلَ في زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برفقةِ الملك عبدالله العامَ الفائت، وأخذِ روسيا على عاتقها ترميمَ بعض الكنائس المكتشَفة وتلبيس قببِها بالذهب الخالص، وساهمَت روسيا أيضاً في بناء بيت حجّ للمؤمنين الراغبين بالصلاة والتعَبُّد.

ويتوقّع الأردنيون أن تصبح هذه الاحتفالية تقليداً سَنوياً، ولا سيّما في ضوء الجهد الذي تقوم به حركة تنشيط السياحة الدينية.

جَرش والـ 17 كنيسة

مدينة جَرش الشهيرة كانت المحطة الأخيرة للفريق الإعلامي، ويمكن اعتبارها موقعاً دينياً بامتياز، ولا سيّما في الفترة البيزنطية، أي من القرن الخامس إلى القرن السابع ميلادي، حيث تمّ بناء 17 كنيسة بمحاذاتها، الأمر الذي يدلّ على عدد الحجّاج الذين زاروا المنطقة.

وقد لمَسنا خلال جولاتنا حِرص القيّمين على أهمّية الأمن والنظام، فيما بَذلت هيئة تنشيط السياحة جهوداً جبّارة في مجال التسويق، بعدما تيَقّنوا أنّه جزءٌ لا يتجزّأ مِن صناعة السياحة التي تُعتبَر نفطَ الأردن وتشكّل نحو 16 في المئة من الناتج القومي والمحلّي.

كما بَذلت الهيئة جهداً لافتاً في رفع الوعي السياحي ضمن الإمكانات المتوافرة من خلال عَقد المؤتمرات وورَشِ العمل التي أقيمَت على مستوى الدوَل العربية.

ولعلّ الفكرة الأبرز التي يمكن إنهاء تقريرنا بها هي القول الذي تبنّاه رئيس هيئة تنشيط السياحة، وإعلانه أنّ المسيحية انطلقَت من الأردن وحتى عندما كانت تمارَس في السرّ، فقد وَجَد أهل الأردن الكنائس المطمورة وإشارات السَمكة منقوشةً على الجدرانيات وعلى الحجارة قبل المسيح.

وذلك يدلّ على أنّ الـ266 كنيسة التي وُجدت في هذا الموقع تتكلّم، ليعلنَ عربيات بثقة: «نحن مهدُ المسيحيين الأوائل ونؤكّد أنّ المسيحية انطلقَت من الأردن، ولدينا الدليل، وكلّ مَن لا يصَدّق، عليه زيارة الأردن ليرى ويَسمع ويلمس لمسَ اليَد.. فيصَدّق.