IMLebanon

الأردن ونظام الأسد والإرهاب وتاريخ طويل من المنغصات

 

ما لم يتم التركيز عليه، وربما عن قصد بالنسبة إلى الأردنيين، هو أن العملية الإرهابية الأخيرة قد استهدفت مدينة الفحيص، صاحبة المهرجان الثقافي السنوي الذي استقطب هذا العام رموزاً أدبية وفنية مشهورة ومتفوقة والتي تلتصق بالعاصمة الأردنية عمان من الجهة الغربية التصاق الطفل بحضن أمه والتي هي مدينة مسيحية عريقة تقطنها عائلات معروفة في منطقة بلاد الشام كلها ومشهورة بعروبتها، وأنها خلال «الطفرة» الحزبية في الأردن في منتصف عقد ستينات القرن الماضي كان توجهها عروبياً، وكانت غالبية أبنائها الذين انخرطوا تنظيمياً في الحياة السياسية قد التحقوا بالأحزاب والتنظيمات القومية كحزب البعث وحركة القوميين العرب، ومحلياً كالحزب الوطني الاشتراكي الذي كان قد ترأسه رئيس الوزراء في تلك الفترة سليمان النابلسي الذي كان يعد من الشخصيات المرموقة التي لها وزنها السياسي، كما يُقال!

كان هدف هذه المجموعة الإرهابية والذين يقفون وراءها أولاً خلق بلبلة في اللُّحمة الوطنية الأردنية، حيث لا يوجد تاريخياً في الأردن أي مشكلة طائفية، وحيث إن الشعار الذي لا يزال متداولاً هو «الدين لله والوطن للجميع». وثانياً هز الاستقرار الأمني في هذا البلد الذي تعرض في السنوات الأخيرة لمحاولات كثيرة في هذا المجال أسفرت عن وقوع ضحايا بالعشرات. أما ثالثاً فهي معاقبة المسيحيين الأردنيين على ولائهم المتين للنظام الملكي وتمسكهم به، وهذه مسألة تاريخية ومعروفة، وأيضاً وفوق هذا كله رفضهم المطلق والحازم لما يسمى «تحالف الأقليات» الذي نجح نظام بشار الأسد في تسويقه سورياً تحاشياً لاستفراد الأكثرية السُّنية بطائفته العلوية التي هي وللإنصاف لم تكن كلها لا معه ولا مع والده حافظ الأسد قبل اندلاع هذه الحرب، التي إذا أردنا ألا نغطّي عين الشمس بغربال هي حرب أهلية وبالطول والعرض… وأيضاً في كل الاتجاهات!

وهنا فإن المفترض أنه معروف أن رفض مدينة السويداء و«الموحدون العرب» بصورة عامة لـ«تحالف الأقليات» هذا، هو سبب المذبحة المرعبة الأخيرة التي قام بها تنظيم داعش الإرهابي، انتقاماً من هذه المنطقة ومن الدروز عموماً لرفضهم، مثلهم مثل المسيحيين الأردنيين، لهذه اللعبة المؤامرة، ولأنهم قد أعلنوا الوقوف على الحياد… والحياد بالنسبة إلى هذا الصراع – الذي بقي محتدماً في سوريا منذ مارس (آذار) عام 2011 وحتى الآن والذي من الواضح أنه سيستمر وسيتواصل لفترة مقبلة بعيدة – غير مقبول، لا من قبل نظام بشار الأسد ولا من حلفائه الروس والإيرانيين.

كانت هناك فكرة أو خطة إسرائيلية قديمة، صاحبها وزير دفاع إسرائيل الأسبق موشيه ديان، كان قد نسبها إليه الكاتب الهندي ر. ك. كارانجيا، تقول بضرورة إنشاء كومنولث طائفي في هذه المنطقة تكون لإسرائيل فيه مكانة بريطانيا العظمى في الكومنولث البريطاني الشهير. وحقيقةً إن ما يجري في هذه المنطقة الآن هو في هذا الاتجاه، وإلا لماذا يا تُرى يستهدف «داعش» مسيحيي الأردن الذين يتمسكون بانتمائهم الأردني تمسكهم بوجودهم في هذه المنطقة التي وجودهم فيها تاريخي، والذين كان بعضهم في ذلك الزمن الذي بات بعيداً قد أيدوا الفتوحات الإسلامية وقاتلوا ضد جيوش الإمبراطورية الرومانية ومن هؤلاء قبيلة «العزيزات» المعروفة الموجودة في مدينة الكرك الأردنية الجنوبية؟!

لقد بقي هذا الصراع سياسياً قبل أن يحوله نظام بشار الأسد في سوريا إلى صراع طائفي عنوانه «تحالف الأقليات»، والواضح أن فكرة «الكومنولث الطائفي» الآنفة الذكر يجري إنعاشها الآن، وإلا ما معنى استهداف مسيحيي الأردن وعلى هذا النحو، وأيضاً استهداف مسيحيي مصر (الأقباط)، والاستهداف المبكر لمسيحيي العراق… ومسيحيي لبنان اللهم باستنثاء بعض المؤلّفة قلوبهم أصحاب المصالح الخاصة الذين مثلهم مثل تلك الأقلية الضئيلة جداً في الطائفة الدرزية اللبنانية التي هي بأغلبيتها مع الزعيم وليد جنبلاط ومع العرب الموحدين في السويداء؟!

والمهم، وعوْدٌ على بدء، فإنه لا يمكن أن يكون هذا الضغط كله على الأردن إلا في هذا الإطار، فهذا البلد بتكوينه وبأرضيته السياسية لا يمكن إلا أن يقاوم مؤامرة «تحالف الأقليات» ومؤامرة «الكومنولث الطائفي» آنفة الذكر، وهكذا فإن مشكلته مع هذا النظام السوري، القديمة والجديدة، هي أنه قد بدأ طائفياً واستمر طائفياً في عهد الأب والابن، وأنه بقي يسعى لاستيعاب المملكة الأردنية الهاشمية كما استوعب لبنان ولا يزال يستوعبه وكما حاول استيعاب العراق في فترة من الفترات العابرة، وبقي يسعى لاستيعابه خلال حرب الأعوام الثمانية العراقية – الإيرانية وبعدها!

وعليه فإن المعروف أن هذا النظام كان قد حرّك قواته في اتجاه الحدود الأردنية أكثر من مرة، وأنه سعى لإحداث إرباكات في الأردن مرات عدة وكل هذا وكان هدفه سابقاً ولاحقاً وحتى الآن بالإضافة إلى ما سلف ذكره والتنويه إليه، هو أن يكون هذا البلد، الراسخ الكيان والذي يحظى باحترام وتقدير غالبية الدول العربية وبمكانة إسلامية ودولية عنوانها التقدير والمحبة، مجالاً حيوياً له وتابعاً إليه على غرار ما هو عليه الوضع مع لبنان، لكنّ هذا لا يمكن تحقيقه إطلاقاً. والشعب الأردني قد يقبل بأي خطوات وحدوية مع دول الجوار العربية لكنه يرفض أي شكل من أشكال التبعية حتى وإنْ تطلَّب الأمر اللجوء إلى المواجهة العسكرية.

ومشكلة المشكلات بالنسبة إلى الأردن والعديد من الدول العربية الشقيقة ودول العالم الصديقة أنه تم تحويل دمشق وللأسف إلى مثابة طائفية وعلى غرار قلعة «إلْموت» عش الغراب، التي حوّلها حسن الصباح الإسماعيلي النزاري إلى منطلق لـ«الحشاشين» القتلة الذين عاثوا في الأرض الإسلامية قتلاً وفساداً والذين حاولوا اغتيال البطل التاريخي صلاح الدين الأيوبي باستخدام خنجر مسموم، ويقال هنا – والله أعلم – إنه كانت لهؤلاء علاقات سرية بالفرنجة «الصليبيين» الذين كانوا قد احتلوا فلسطين، كاحتلال الصهاينة لها الآن، ومعها بعض المناطق العربية إنْ في سوريا وإنْ في لبنان والأردن… حسب التقسيمات الحالية.

ولعل ما هو معروف للأردنيين كلهم وللسوريين أيضاً ولبعض العرب وللعديد من الدول الغربية المؤثرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أن بشار الأسد كان قد هدد ليس مرة واحدة وإنما مرات عدة بنقل ما جرى في سوريا، التي مكانها في القلوب بالنسبة إلى الأردنيين، إلى الأردن، ويقيناً إن كل ما قام به الإرهابيون من عمليات إجرامية دامية في هذا البلد ومن ضمنها عملية الفحيص الأخيرة تأتي في هذا الإطار وهذا تؤكده محاولات تسريب «داعش حوض اليرموك» و«داعش السويداء» وجبهة درعا الجنوبية إلى الأراضي الأردنية… وإلا ما معنى تركيز هؤلاء في «الحّرَّة» السورية ذات المناطق الوعرة والأودية الكثيرة المحاذية للأراضي الأردنية بحدود يصل طولها إلى نحو ثمانين كيلومتراً وربما أكثر؟

لم يكن الأردن في أي يوم منذ عهد حسني الزعيم صاحب أول انقلاب عسكري، في هذا البلد العزيز المجاور، وحتى عهد حافظ الأسد، صاحب آخر انقلاب ضد رفاقه في الحزب الواحد في عام 1970، إلا حريصاً على علاقات حسن جوار وأخوية مع سوريا، إذْ إن بينه وبينها تداخلاً في الجغرافيا وفي السكان وفي العشائر والقبائل وفي الكثير من الهموم المشتركة، وأولها همّ مواجهة تحديات إسرائيل واحتلالها فلسطين وهضبة الجولان السورية التي تم ضمها بقرار لاحق وأصبحت وللأسف حدود ما يسمى اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974 حدوداً ثابتة سورية – إسرائيلية.

إن هذه هي مشكلة الأردن ليس مع سوريا الشقيقة ولا مع شعبها الذي هو والشعب الأردني شعب واحد وإنما مع هذا النظام، والحقيقة وأيضاً مع العديد من الأنظمة التي تتابعت على هذا البلد العزيز من بينها نظام الجمهورية العربية المتحدة الذي كان الجنرال عبد الحميد السراج مُطلَق اليد فيه ووصل به استهداف هذا البلد، المملكة الأردنية الهاشمية، إلى حدِّ اعتراض طائرة الراحل الحسين بن طلال، رحمه الله، بينما كانت تعبر الأجواء السورية في رحلة في اتجاه أوروبا وحيث حاول إسقاطها عندما لم يستطع إجبارها على الهبوط في أحد المطارات العسكرية.