Site icon IMLebanon

وفود سوريّة وأردنية وإيرانية في «موسكو»

يَكاد لا يمرّ أسبوع من دون زيارة موفد سوري رفيع موسكو وبالعكس، تعميقاً للعلاقات الثنائية التي لامسَت حدَّ «وحدة المسار والمصير» على الطريقة التي خبرَتها دمشق مع بيروت إبّان الوجود السوري في لبنان، مع مراعاة لخصوصيّة السيادة السوريّة وصداقاتها، خصوصاً مع إيران و«حزب الله» والصين، المتماهية مع النظرة الروسية إلى المشهد السوري وتشعّباته.

زيارات مكوكية متقابلة عزَّزت عمل غرفة العمليات العسكرية المتمركزة في الساحل السوري ونظيرتها بشركاء أوسَع، خصوصاً تلك الموجودة في بغداد حيث مقرّ غرفة العمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب بقيادة روسيا.

زيارات بمضامين متنوعة عسكرياً، إقتصادياً، ومعيشياً كتلك التي قام بها أخيراً وزير الصحة السوري نزار اليازجي في إطار التعاون الصحي، وخصوصاً في ما يتعلق بالدواء بعدما فقَدت سوريا معظم معامل إنتاجه، والتي بفضلها احتلّت المرتبة 17 دولياً قبَيل اندلاع الحرب وكانت برعاية شقيقة الرئيس السوري الدكتورة بشرى مباشرةً.

لقاءات ثنائية شكَّل السفير السوري في موسكو اللواء رياض حداد سكّة سيرِها السريعة مستفيداً من علاقاته مع الجانب الروسي وإتقانه لغةَ الأصدقاء كونه درَس في جامعات الاتّحاد السوفياتي سابقاً، فضلاً عن خبراته العسكرية بعدما خلَعَ عنه ثوبَها ملتحقاً بالعمل الديبلوماسي في الجزء الأول من عمر الحرب حين خبرها مديراً للإدارة السياسية في الجيش السوري يوم اشتعلَت النيران من درعا جنوباً لتحرقَ معظم الخريطة السوريّة.

آخرُ القادمين من دمشق الى موسكو وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج الذي التقى نظيرَه الروسي سيرغي شويغو وسط تقشّف إعلامي، إذ عجزَت وسائل الإعلام الروسية ومنها الحكومية عن التقاط صورة أو تصريح للضيف الكبير.

فيما اكتفَت وزارة الدفاع ببيان مقتضَب جاء فيه أنّ الوزيرين بَحثا في نتائج العملية الروسية. «كذلك بَحثا في مواضيع التعاون الروسي ـ السوري العسكري والتقني. وتبادَلا وجهات النظر حيال مسائل الأمن الملِحّة في منطقة الشرق الأوسط».

وأضاف المكتب الصحافي لوزارة الدفاع الروسية: «إنّ اللقاء عُقد في ظروف ودّية وأكّد إرادةَ الجانبين على التنسيق الثنائي بين وزارتي دفاع البلدين».

إلّا أنّ دسَم البيان جاء في ما لفَتت إليه وزارة الدفاع الروسية في نهايته إلى أنّ «وزير الدفاع سيرغي شويغو التقى كذلك رئيسَ هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية، الفريق أوّل الركن مشعل محمد الزبن». وأضاف: «بحثَ الوزيران في مسائل التعاون العسكري بين البلدين، وتبادَلا وجهات النظر حيال مسائل الأمن في المنطقة».

وعليه، ربَط مراقبون على صِلة بدوائر القرار العسكري الروسي بين زيارة وزير الدفاع السوري لنظيره الروسي الذي التقى تزامناً رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلّحة الأردنية.

وفيما استبعَد مصدر ديبلوماسي روسي ارتباطَ زيارة نائب وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان التي تزامنَت وزيارة الوفدين الأردني والسوري لموسكو، أكّد الفصل بين المسار السياسي الذي جاء عبد اللهيان في خصوصه وعنوانه المرحلي مؤتمر «جنيف 3»، والمسارِ العسكري الذي جمَع في وزارة الدفاع الروسيّة كلّاً مِن وزير الدفاع السوري ونظيره الأردني. ولم ينفِ المصدر أو يؤكّد ما إذا حصَل لقاء ثلاثي مباشر، طالباً التركيزَ على النتائج أكثر من الشكل (ولعلّه أجاب من دون أن يفعل بذلك!).

وفي المعلومات الخاصة أنّ الجنوب السوري الذي منه انطلقَت شرارة الحرب نالَ حصّة الأسد من المحادثات الروسية مع الطرفين السوري والأردني.

ويُذكر أنّ الجيش السوري وأصدقاءَه تمكّنوا سابقاً من صَدّ جملة مِن الحملات العسكرية المعزّزة من الحدود الأردنية كانت تهدف إلى احتلال مواقع أساسية على الجبهة الجنوبية تمهيداً للانقضاض على دمشق في أحد أكثر السيناريوهات التي شغَلت بالَ القيادة السوريّة.

وبُعَيد التدخّل الروسي العسكري المباشر الذي سَبقه لقاءان، أحدُهما تحت الأضواء جمعَ الرئيس فلاديمير بوتين وقائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، قسّم مسرح العمليات العسكرية السورية الى جبهات قتال منفصلة، مستفيدين من عِبَر استخلِصت جرّاء خطأ التشتيت والإنهاك الذي وقعَت فيه الحكومة السورية في بداية الحرب حين قاتلت بالأولوية ذاتها على كلّ الأراضي السوريّة المترامية الأطراف والمشرّعة حدودها لتهريب السلاح والمقاتلين.

وفي خريطة الجبهات، تفيد المعلومات أنّ الجبهة الجنوبية ستكون من حصة المستشارين الإيرانيين الى جانب الجيش العربي السوري، لرغبةِ «الحرس الثوري» في القتال عند تخوم «فلسطين المحتلة» التي اتّخَذ الفيلق من عاصمتها إسماً له.

خيار لم يمانع الجانب الروسي فيه لتجنيبه حساسية مع إسرائيل التي تجمعها علاقات فوق الطبيعية مع موسكو والتي يشكّل «اليهود» أحد أكثر مكوّناتها فعالية في المجتمع، وتَجمعهم بنظرائهم في إسرائيل صِلات قربى.

مع الدخول الروسي إلى ساحات القتال، اكتشفَت القيادة أنّ المعركة واحدة، وأيّ خَللٍ جنوباً سيُضيّع الإنجاز شمالاً، وبالعكس. وباتت المعركة أقربَ إلى التحدّي والاختبار للقيادة الروسية التي لا يقف في وجهها أيّ اعتبار أو «لوبي» محلّي مهما علا شأنه. فالمسألة في يد «القيصر» بوتين وباتت معركته.

وعليه بدأت الطائرات الروسية شنَّ غارات من جنوب دمشق وصولاً الى الجنوب السوري، حيث تجلّى الإنجاز بتحرير «خان شيخون» بتعاون وتنسيق الحلف الرباعي العسكري المكوّن من: الجيش السوري ودفاعه الوطني، الحرَس الثوري الايراني بنخبة مستشاريه تحت أمرة رجل المهمات الصعبة قاسم سليماني، القوّات العسكرية الروسية و»حزب الله» الذي يُبهر أداءُ مقاتليه القيادةَ الروسية.

وبالعودة إلى زيارة وزير الدفاع السوري الى موسكو تزامناً مع زيارة رئيس الاركان الاردني ولقائهما وزيرَ الدفاع الروسي ورئيس هيئة الأركان، تَجزمُ المصادر الروسية المطّلعة على ملف «مكافحة الإرهاب» أنّها واحدة من أكثر الزيارات إنتاجية، فالموفد السوري عاد وفي جعبته هباتٌ عسكرية تكفي لملء شواغر مخازن السلاح وتعيدها إلى صورتها الأولى قبَيل الحرب وأكثر بعدما كادت تنضب، فضلاً عن «التزام» الجانب الأردني عبر القيادة الروسية بإغلاق الحدود جنوباً ومنع تدفّق المسلحين الى الأراضي السورية، واستعداده لتسليم المعابر الحدودية والتعاون مع الجانب السوري الرسمي بعَيد وصول قوّاته إليها في إطار معركة الجنوب التي على وشك أن تشهد انقلاباً لمصلحة الإدارة السوريّة.

وعليه يبدو أنّ الحرب السورية بدأت من الجنوب وإليه ستعود بدعم روسي والتزام أردني لدى السلطات الروسية بالتعاون في إغلاق الحدود بوجه المقاتلين وتهريب السلاح، ودورٍ ميداني للمستشارين الإيرانيين والمقاتلين سواءٌ أكانوا السوريين أو اللبنانيين من مجاهدي «حزب الله»، بلمستهم العسكرية المميّزة على كلّ خريطة الميدان السوري.