Site icon IMLebanon

رجل الدولة الأردني

 

دولة تحترم نفسها المملكة الأردنية الهاشمية.. مثلما تحترم مواطنيها والحقيقة والذكاء العام.

تعرض بالصوت والصورة بعض تفاصيل ما جرى مع المحتجّين على الضرائب الجديدة، وتؤكد بذلك احتكامها إلى حصافة المتلقّي وقدرته على تمييز الصح من الغلط. والمعتدي من المعُتدى عليه.. لكنها فوق ذلك وقبله تعرض على الملأ ذلك الفارق الجوهري بينها كسلطة وبين مثيلها الأسدي. وتدلّ إلى «أصل» الموقف وجوهره: سلطة شرعية مقبولة ومقدّرة من غالبية أردنية أكيدة. وتملك من الرصيد والشجاعة ما يكفي للارتكاز والاستناد إلى ذلك الرصيد لتأكيد «عدم خروجها» على المحتجين والمتظاهرين بالنار والرصاص! وعدم افتراضها شرّاً تآمريّاً بكل من أراد الاعتراض على زيادة الضرائب أو على واقع معيشي صعب.. بل هي في واقع الحال الأول والأخير تصرّفت وتتصرّف باعتبارها متقدمة بين متساوين. لكنها بحكم مسؤولياتها تُمارس أدوارها الكبيرة والصغيرة بحماية الأمن والاستقرار العام وليس الخاص! وبرعاية عموم مواطنيها وليس نخبة منتقاة حزبية فئوية منهم!

ليس لائقاً «التنظير» من بعيد. ولا ادعاء الدراية التفصيلية التي تسمح بإطلاق أي كلام.. لكن يمكن وبلباقة، ملاحظة العناوين العامة المعروضة علناً وجهاراً نهاراً لتثبيت الرأي القائل بأن الحكم الأردني نعمة لبلاده وليس نقمة. وإنه في سلوكياته العامة مهجوس بالمملكة وقضاياها وهمومها واستقرارها وليس بحاله! ولا بمصيره الخاص! ولا باستقراره الذاتي انطلاقاً من زاوية أنانية نيرونية أو أسدية!

ليس سرّاً، أن الأردن مثل غيره من دول المنطقة عموماً يعاني من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، ويحاول مداراة تلك الظروف استناداً إلى المعطيات الحسِّية القائمة والتي يُضاف إليها، مثل لبنان، الشأن الخاص باللاجئين والنازحين السوريين ومتطلباتهم المعيشية والإنسانية.. وليس صعباً بالتالي الافتراض بأن الأحمال ثقيلة وكبيرة. وأن المملكة فوق ذلك متحسّبة لمحاولات المسّ بأمنها القومي أكان من جهة بقايا الحكم الأسدي أو من جهة إيران وجماعاتها أو من جهة جماعات الإسلام السياسي بعناوينها الظاهرة والمستترة. لكن برغم ذلك كله، تصرّف الحكم الأردني ويتصرف بذكاء ورويّة إزاء التحركات الاعتراضية والمطلبية، كما إزاء المعضلة الضرائبية برمّتها.. ومجدداً: يستوعب الحراك ويحتكم إلى عموم الأردنيين في الإشكالات التي حصلت قاطعاً بذلك دابر الإشاعة ومحاولات البناء عليها للذهاب إلى أي مكان آخر فيه شرٌّ أكيد! ويذهب بعد هذا إلى قبول استقالة رئيس الحكومة والحكومة، في خطوة تثبّت وتؤكد احترام الحسّ الوطني العام والمزاج الشعبي المتأزّم!

لم يعتبر الملك عبدالله الثاني، تلك الخطوات الاستيعابية انتقاصاً من سلطته أو هيبته أو شرعيته، بل تصرف كرجل دولة مؤتمن على بلاده وأهلها واستقرارها. وضنين بكل قطرة دم تسري في عروق مواطنيها. وهو بذلك يقدم أداء يدلّ على ذلك الفارق بين الحكمة والتحكّم وبين الذكاء والتذاكي وبين شجاعة رجل الدولة وتهوّر رجل المزرعة الفئوية والحزبية!

بين استقالة (أو إقالة) هاني الملقي في عمّان، وبقاء عاطف نجيب في درعا السورية، (في آذار 2011) فارق استراتيجي كبير مؤداه الأخير: استقرار الأردن ودمار سوريا!… وأي فارق!!