أثبت أبو خليل طيلة سنوات خدمته الحزبية الولاء المطلق لعائلة الجميل
ليس من المبالغ فيه القول إن جوزف أبو خليل هو أول وآخر «الجُميليين» في حزب الكتائب. العائلة تأتي لديه أولاً. من أجلها «حاور» الإسرائيليين ثم حاول إقناع السوريين بانتخاب بشير الجميل رئيساً. كاتب بيانات المؤسس بيار الجميل والناطق باسم الحزب سابقاً ، ظهر أخيراً كـ«قارئ بيان» فصل وزير العمل سجعان قزي. فهل أصبح هذا هو دوره في الحزب الذي دخله منذ العام 1939؟
خرج جوزف أبو خليل من قاعة الاجتماعات في الصيفي في 20 حزيران الماضي، قابضاً براحتيه على عدد من الأوراق. لحظات قبل أن يتلو على الصحافيين: «…فصل الوزير سجعان قزي فصلاً نهائياً من حزب الكتائب». اختيار النائب الأول لرئيس الحزب ليكون «قارئ البيان»، أعاد إلى أذهان بعض «الرفاق»، الذين تواصلت معهم «الأخبار»، تاريخ الرجل الذي كان في يوماً «كاتب البيانات». اعتُبر اختياره مقصوداً لإقفال حساب قديم بينه وبين قزي يعود إلى 1985 (توقيع قزي على قرار فصل أبو خليل من رئاسة تحرير جريدة العمل بعد انتفاضة إيلي حبيقة على القيادة الكتائبية).
البعض اعتبره رغبة من رئيس الحزب سامي الجميل بدحض ما يُشاع عن تهوّر قراراته وعن أنّ مجموعة «لبناننا» هي التي تُسيطر على القرار في الصيفي. لهذا «سُلّمت المهمة إلى أقدم رجل في الكتائب»، كما يشرح قيادي سابق. المشكلة، بحسب الأخير، ليست في ما أراده الجميل بل «في أن يقبل أبو خليل بقراءة بيان طرد رفيق له. فهل أصبح هذا هو دوره؟ هل انتقل من صانع سياسة الجد إلى قارئ بيانات الحفيد؟». أبو خليل يبتسم بمكر وهو ينظر مباشرة في عيني سائله، قبل أن يجيب: «إذا كان الشيخ سامي فعلاً يستغلّني في الحزب، فإذاً ما زلت أملك شيئاً لأقدمه، وأنا راضٍ بذلك».
أبو خليل كان «رجل الظل» في الكتائب وراسم سياسة الحزب عبر كتابة بيانات الرئيس المؤسس. الرجل «التسعيني ودفشة»، كما يقول، أثبت طوال سنوات خدمته الحزبية ولاءً مطلقاً لآل الجميل. وقد يكون من القلة التي التزمت الشعار بحذافيره: «الله والوطن والعائلة». هذا الولاء دفعه في آذار 1976 إلى ملاقاة الإسرائيليين في عرض البحر لمد الجسور بينهم وبين آل الجميل، ثم إلى الطلب من «رفيقه» كريم بقرادوني مرافقته ورئيس الحزب الراحل جورج سعادة إلى سوريا لإقناع دمشق بـ«أهمية» انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية. بين اسرائيل وسوريا، وبين أمين وبشير، عرف أبو خليل كيف ينسج خيوطه. حين كان زملاؤه يسألونه عن تبدل مزاجه السياسي، كان يجيب: «أنا لا مع اسرائيل ولا مع سوريا.
أبو خليل: كما يكون آل الجميل تكون الكتائب، وكما تكون الكتائب يكون المسيحيون
أنا مع بيت الجميل». يذهب أبعد من ذلك: «كما يكون آل الجميل تكون الكتائب. وكما تكون الكتائب يكون المسيحيون. وكما يكون المسيحيون يكون لبنان». ويعترف: «أنا منحاز للعائلة وأعتبر نفسي جزءاً منها». في مرحلة «الانتفاضة» على «الجميليين»، «لم أكن حيادياً وكنت ضد الرفاق»، يقول ابن بلدة بيت الدين في مكتبه في الصيفي.
من ساحة البرج، قديماً، يحتفظ «عمو» وهو اللقب الذي أطلقه عليه بشير الجميل، بذكريات كثيرة. من هناك، كانت البداية بالعمل في صيدلية بيار الجميل. تأثر باللباس الكتائبي/ الكشفي الموحد، فتطوع في الحزب عام 1939 لبيع «جريدة العمل بقرشين»، قبل ان يُصبح لاحقاً مدير تحريرها (1968 ــ 1988). فضّل «الحزب» على وظيفته في مؤسسة كهرباء لبنان، فاستقال منها ليُصبح مع جوزف الهاشم، عام 1958، أول موظفين في الأمانة العامة الكتائبية. ومن حينه، تتبدل وجوه رؤساء الحزب ويخضع البيت المركزي لإعادة تأهيل، وهو صامد في مكتبه. «أصِل قرابة التاسعة صباحاً ولا أغادر قبل ساعات المساء الأولى. ما فيي أقعد بالبيت». في المكتب، عُلقت صور جميع رجال آل الجميل باستثناء بشير. لكل منها قصة، أما استثناء مؤسس ميليشيا القوات اللبنانية فليس أمراً يدعو إلى التوقف عنده، بحسب أبو خليل. وبالمناسبة، الرجل لا يلفظ اسم أحد من «سلالة» بيار الجميل قبل أن يسبقه بلقب «الشيخ».
الصداقة بينه وبين ماديس بيار الجميل دفعته بداية إلى تبني خيار شقيقها المفضل أمين، إلا أنها لم تكن السبب في تقربه من المؤسس. حجز مكانه على يمين «بيار الجدّ» بسبب «إقامتي الدائمة في المكتب، فنشأت علاقة مباشرة بيننا». توطدت العلاقة أكثر، بعد تكليفه تنظيم المؤتمر الحزبي الذي كان سنوياً، فكان يضع المقررات ويكتب بيان الرئيس الذي يُحدد سياسة الحزب على مدى عام، إضافة إلى كتابة بيان بيار الجميل الأسبوعي. مسؤولون سابقون في الحزب، يتهمون «الجميلي» العتيق بأن مواقف المؤسس المتطرفة ضد الفلسطينيين والمسلمين تحمل بصماته. «لم أكره الفلسطيني يوماً»، يجيب، مذكّراً بعلاقته بضابط الاستخبارات الفلسطيني الشهير أبو حسن سلامة، «كنت أحاول ايجاد الأسلوب الملائم حتى أكتب من دون أن يُعاتبني في اليوم التالي». ثوانٍ قبل أن تدخل الـ«ولكن» للتبرير: «ولكن كانوا (الفلسطينيون) يستولون على البلد. حاولنا تلافي الشيء الذي ما منه مهرب، ماذا يُنتظر مني أكثر؟».
ما زال أبو خليل يُساهم في كتابة البيان السياسي ووضع مقررات المؤتمرات
يقول القيادي السابق في الكتائب إنّ «أهمية أبو خليل أنه كان يؤثر على صاحب القرار ومن بعده على ولديه أمين وبشير». في البدء كان أمين، «حيث عمل مع ماديس على التسويق له من خلال دار العمل». إلا أن الأحداث تسارعت وأصبح على يمين بشير، مسوقاً لمشروعه «وهو الذي أقنع بقرادوني بهذا الخط. السبب كان العداء للفلسطينيين والإعجاب بالاسرائيليين، في حين كانت لدى أمين نزعة انفتاحية على العرب إذا ما قورن بمحيطه». لأبو خليل رأي آخر: «اقتنعت بالشيخ بشير والتزمت معه من أجل بناء لبنان. أحب المخاطرة، وبشير كان أكثر حكمة ورصانة من أمين».
بعد اغتيال بشير، عاد ليتفيأ مظلة أمين محاولاً اقناعه بالالتزام حتى النهاية باتفاق 17 أيار، «لأنني كنت أعتقد أنها الطريقة الأمثل ليخرج السوري والاسرائيلي سوياً من لبنان». دوره في الحزب انحسر مع خسارة ايلي كرامة رئاسة الحزب ضدّ جورج سعادة. «نكبته» دفعته إلى العمل في نداء الوطن وجريدة السفير، قبل أن يعود نجمه الى اللمعان مع عودة أمين الجميل من منفاه عام 2000. الرفاق القدامى يعيّرون «عمو» بأن هدفه من الحزب كان النفوذ. لا يُنكر ذلك «فكل انسان يُفتش عن دور. كنت أريد أن أكون فاعلاً من دون أن أطلب شيئاً لنفسي. أحب الحكم في الظل». هي الطريقة الوحيدة «حتى لا يُزاحمني أحد». لم يكن أبو خليل مجرد شاهد في الحزب «كنت فاعلاً وعامل ثقة. أحضر الاجتماعات وأشارك في وضع سياسة الحزب وأنطق باسمه عبر صحيفته وعلى تواصل يومي مع رئيسه دون أن أكون عضواً في المكتب السياسي حتى». فماذا بقي اليوم من هذا النفوذ بعد قرابة الثمانين عاماً؟ رأيه «لا يزال مرجحاً في المكتب السياسي ومداخلاته تُشكل فرقاً في المفاصل الأساسية، كجلسة التصويت على فصل قزي والمشاركة والاستقالة من الحكومة»، كما يقول عاملون حاليون في الصيفي. وحين يكون له توجه مخالف لتوجهات الرئيس «يُحاول التعبير عنه من دون أن يظهر معترضاً أو متمرداً». أحياناً يُساهم في «كتابة البيان السياسي ويضع المقررات للمؤتمرات». على الرغم من ذلك، «أكيد أن الدور الذي يلعبه عمو اليوم ليس بمستوى الدور الذي كان في عهد الرئيس الجميل. هو كبر وهناك جيل جديد من المسؤولين».