تردّدتُ كثيراً قبل أن أكتب هذا المقال. بالدرجة الأولى أنا أعلم علم اليقين أنّ العماد جوزيف عون لا يحب التحدّث عنه في هذا الوقت، بخاصة ان الأولوية عنده الآن هي تأمين رواتب وطبابة وأكل جميع أفراد الجيش في ظل هذه الضائقة الاقتصادية وارتفاع أسعار الدولار بالنسبة للعملة الوطنية.. فقد تحوّلت رواتب جميع ضباط وأفراد الجيش من رواتب طبيعية الى رواتب يخجل أن يذكرها الانسان لأن الأرقام هزيلة لا يمكن البوح بها.
همّ العماد جوزيف عون اليوم، كيف يستطيع تأمين الأدوية والطبابة لجميع أفراد الجيش من «عسكري» الى أعلى ضابط لهم ولعائلاتهم، لأن الذي يخدم في الجيش لا يوجد عنده مجال أن يعمل في وظيفة ثانية… وهذا معروف، وحتى لو سُمِحَ له بالعمل في وظيفة ثانية فإنها لا تكفي الحد الأدنى من الأكل والشرب الى كارثة المستشفيات التي لا يستطيع أي ضابط أن يسدّد ثمن طبابته في هذه الأيام الصعبة.
من ناحية ثانية، فإنّ كل مساعي العماد عون، وكل الرحلات التي يقوم بها الى الخارج تصب في هدف وحيد هو تأمين المساعدات للجيش مهما كان نوعها… لذلك عندما يسافر العماد الى مصر، فإنه يبحث هناك عن إمكانية الحصول على مساعدات منها، وبالفعل يتبيّـن من المعلومات المتوافرة أنّ تقديمات مصر للجيش اللبناني كانت أكثر من جيدة، طبعاً ضمن إمكانيات جمهورية مصر العربية.
وتأتي زيارته الناجحة للمملكة العربية السعودية ولقاؤه مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهد المملكة الامير محمد بن سلمان تتويجاً لهذه الجهود، وكان ذلك عام 2019. وكانت الزيارة أكثر من ناجحة، ووضعت أسساً للتعاون ولدعم الجيش اللبناني من المملكة التي تؤكد في كل مناسبة وقوفها الى جانب الشعب اللبناني والجيش اللبناني.
أما زيارته الأخيرة الى قطر فإنها تأتي في السياق نفسه، إذ ان هدفه الأول والأخير هو الحصول على ما أمكن من مساعدات يحتاجها الجيش اللبناني.
قد يتساءل البعض: ماذا عن العلاقات مع أميركا؟.. في هذا المجال علينا أن نعلم ان عدداً كبيراً من ضباط الجيش اللبناني تخرّجوا من المدارس العسكرية الاميركية، وأنّ عدداً كبيراً من الضباط شارك في أكثر من دورة هناك. من ناحية ثانية فإنّ أميركا حريصة على تقديم مساعدات عسكرية ومالية للجيش اللبناني، بالاضافة الى معدات طبّية.. وبالفعل نلاحظ ان باب المساعدات يزداد كل عام عن العام الذي سبقه، وأصبحت المساعدات الاميركية عنصراً أساسياً لبقاء الجيش أمام إعصار «عهد جهنم».. وما خلفه هذا العهد على الأصعدة المالية والاجتماعية والطبّية والحياتية والسياسية كافة، إذ ان ما يعانيه المواطن من صعوبات في انتخاب رئيس جمهورية جديد يتحمّل مسؤوليته أولاً وأخيراً «عهد جهنم» وشركاؤه أو حلفاؤه على حدّ سواء.
كما زار العماد جوزيف عون فرنسا أيضاً بدعوة من رئيسها، واستُقبل من قِبَل الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ فرنسا، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على ان هناك رجلاً كبيراً فرض احترامه على الجميع. وبالفعل فإنّ زيارة فرنسا كانت لافتة.
بالعودة الى تاريخ العماد جوزيف عون علينا أن نتذكر أنّ هذا الرجل جاء من جرود عرسال، حيث كان يدافع عن الشعب اللبناني والاراضي اللبنانية، واستطاع أن يطرد «داعش» من الحدود اللبنانية – السورية شرقاً، وهذا ما جعلنا نعيش في طمأنينة وراحة بال واستقرار.
اما بالنسبة لموضوع الرئاسة، فإني أجزم ان آخر اهتمام عند العماد جوزيف عون هو السياسة، لأنه يؤمن بأنّ الاستقرار والأمن هما أهم الأمور التي يحتاجها اللبنانيون.
اما التساؤل: من هو الرئيس؟ فهذا تحصيل حاصل.