نبّه قائد الجيش العماد جوزف عون مضيفيه الفرنسيين، في زيارته الأخيرة لباريس، إلى الخطر الذي يمثّله الانهيار الاقتصادي على وحدة الجيش. وأكد أن «90% من النازحين السوريين» في لبنان يمكنهم العودة إلى بلادهم، وأن بقاءهم قد يؤدي إلى توترات أمنية مترافقة مع الأزمة الاقتصادية. فيما أكد الفرنسيون نيتهم عقد مؤتمر دولي هذا الشهر لدعم الجيش، بموافقة أميركية وأوروبية، ونصحوا عون بـ«بعض الشروط» لتسهيل مهمة فرنسا في التجديد لولاية قوات اليونيفيل
حملت زيارة قائد الجيش جوزف عون لفرنسا، أخيراً، دلالات عدة، ولا سيما أنها اختُتمت باستقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون له في قصر الإليزيه، وهي خطوة حُمّلت أكثر من التكريم، إلى التعامل مع عون كأكثر من موظف برتبة قائد جيش. اللافت في الزيارة كانت المواقف التي عبّر عنها عون خلال لقائه وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي التي شكرت عون والقوات العسكرية اللبنانية على كل ما «تمّ إنجازه خلال سنة 2020، ولا سيما تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين». ولأن «فرنسا تنظر إلى الجيش كعامل استقرار محوري في لبنان»، تطرقت المسؤولة الفرنسية وضيفها إلى الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان. في اللقاء الذي حضره السفير اللبناني في باريس رامي عدوان ومدير مكتب القائد العميد عماد خريش ومستشاره العميد المتقاعد وسيم الحلبي وزوجته نعمات نعمة، طرحت بارلي أسئلة عديدة حول قراءة عون للأحداث الأخيرة في غزة والوضع على الحدود مع فلسطين المحتلة ورد فعل اللبنانيين عموماً وحزب الله بشكل خاص إزاء ما شهدته المنطقة.
اللافت، بحسب معلومات توافرت لـ«الأخبار»، كانت إثارة عون لملف النازحين السوريين «بصراحة غير مسبوقة». إذ ربط بين «الفقر المتزايد في البلد والمخيمات من جهة والإرهاب من جهة أخرى»، منبّهاً إلى أن تزايد الفقر قد يجعل من مخيمات النازحين «أرضاً خصبة للأفكار والأعمال الإرهابية». ولفت إلى أن الجيش أوقف أخيراً خلية إرهابية تضم 16 سورياً من أصل 20 في منطقة عرسال، «واكتشفنا أن المخيمات تخفي أنفاقاً وأسلحة وذخائر». وحذّر من ازدياد الوضع سوءاً مع تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مشيراً إلى «ارتفاع معدل الجرائم في لبنان. وقد بيّنت الإحصاءات أن 40% من هذه الجرائم نفّذها نازحون سوريون. كما اكتشفنا شبكات لتهريب البضائع عبر الحدود والبشر عبر البحر، ما يشكل خطراً على أوروبا».
قائد الجيش أكّد للوزيرة الفرنسية أن «90% من النازحين السوريين في لبنان يمكنهم العودة إلى بلادهم». وشدّد على أن «الحلّ الوحيد» هو مساعدتهم على العودة إلى بلادهم، من دون أن يعني ذلك إجبار المضطهدين منهم على ذلك، أو توجههم نحو أوروبا، لافتاً إلى أن «أشخاصاً في منطقة عرسال ممن عادوا إلى سوريا أكدوا أن السلطات هناك تتعامل معهم بصورة طبيعية». وعما إذا كان تنظيم «داعش» لا يزال ناشطاً في لبنان، أشار عون إلى اكتشاف خلايا نائمة، أخيراً، ضُبطت في حوزتها أسلحة غير متطورة. وقد تبين أن هذه الخلايا مقربة إيديولوجياً من «داعش»، لكن مصادر تمويلها شحّت. إلا أنه أعرب عن خشيته من وقوع مواجهات وصدامات بين النازحين السوريين والمواطنين اللبنانيين بسبب التفاوت في نوع «العملة» التي يتقاضاها الطرفان، وبين السوريين أنفسهم.
ننسّق مع حزب الله… «وكانوا متعاونين جداً»، إبان أحداث غزة
وتطرق اللقاء إلى أوضاع المخيمات الفلسطينية، فأشار عون إلى «تعاون مع السلطة الفلسطينية لمتابعتها أمنياً». وسألت بارلي عن مدى تأثير الأحداث الأخيرة في غزة على موقع السلطة الفلسطينية وما إذا كانت منظمة التحرير لا تزال قادرة على معالجة الأوضاع في مخيمات لبنان، فردّ عون بأن كل المخيمات تحت سيطرة المنظمة التي تنسق مع الجيش، باستثناء مخيم عين الحلوة الذي يضم مجموعات متعددة، وهو تحت رقابة دائمة لفوج كامل من الجيش ومحاط بجدار أمني.
حزب الله
بارلي خصّصت جزءاً من حوارها مع قائد الجيش حول حزب الله ورد فعله على أحداث غزة، فأكّد عون أن الجيش على تواصل دائم مع الحزب، «وهم ينسّقون معنا في سياق دعوات التظاهر التي يوجهونها إلى مناصريهم». وأشار إلى أنه باستثناء ثلاثة حوادث إطلاق صواريخ في الجنوب، والتي «تبيّن أن المسؤولين عنها تابعون لمجموعات قريبة من الإخوان المسلمين، لم يحصل أي شي من الجهة اللبنانية على الحدود». وأوضح أن الصواريخ كانت بدائية تقنياً، والمجموعات التي أطلقتها نجحت في تهريبها إلى لبنان على الرغم من التدابير التي تفرضها القوات العسكرية اللبنانية على الحدود. وخلص إلى أن حزب الله كان «متعاوناً جدًّا» في كل ما يتعلق بهذه الحوادث، وإلى أنه لا يعتقد أن الحزب مسؤول عما حصل أو كان يريد حصوله. وأضاف أن «أكثرية اللبنانيين ترفض ما حصل. اللبنانيون يدعمون الشعب الفلسطيني، لكنهم لا يريدون تحويل لبنان إلى أرض تنطلق منها هجمات باتجاه فلسطين المحتلة». وأشاد بدور قوات اليونيفيل التي تشكل «أفضل منصة للتواصل بين الجانبين»، مشيراً إلى أن تهدئة الأوضاع في الجنوب واحتواء الأحداث الأخيرة نجحا «بفضل اليونيفيل والاتصالات غير المباشرة بين الطرفين عبر القوات الأممية».
وفي هذا السياق، حرصت بارلي على إبلاغ قائد الجيش بأن بلادها مهتمة بتجديد ولاية اليونيفيل، وتم الاتفاق على خريطة طريق تتضمن بعض الشروط التي لم تذكرها. لكنها نصحت بـ«تنفيذ ما تضمنته الخريطة لأنه في هذه الحال ستكون مهمة فرنسا في التجديد لهذه القوات أسهل». علماً أن الولايات المتحدة تلجأ، في كل مرة يحين فيها موعد تجديد ولاية القوات الدولية في الجنوب، إلى محاولة تعديل شروط عملها لتمكينها من استباحة الأملاك الخاصة، ما يُقابل دائماً برفض لبناني. وما نصيحة باريس بخضوع لبنان لـ«الشروط المتفق عليها» سوى محاولة لتقوية موقفها في وجه الولايات المتحدة وتوسيع دورها في لبنان.
أما بشأن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، فلم يتوقع عون حلّاً سريعاً للموضوع مشيراً إلى أن «مصر وإسرائيل انتظرتا 10 سنوات قبل حلّ مسألة طابا في حين تفاوضت فنلندا وروسيا 40 سنة قبل الاتفاق». وقال: «نعتزم متابعة المفاوضات، وقد تم تأجيل عودة الوسيط الأميركي إلى المنطقة بسبب أحداث غزة. من جهتنا، ندعو إلى حلّ منصف يرضي الجانبين ويخدم المصالح كافة».
باريس لعقد مؤتمر دولي لدعم الجيش هذا الشهر بموافقة أميركية
خطر الانهيار
وقدّم عون في اللقاء عرضاً للمهام المتشعّبة الموكلة إلى الجيش، من «مراقبة الحدود ومكافحة الإرهاب والإتجار بالمخدرات إلى الحفاظ على النظام العام. وبعد انفجار مرفأ بيروت، أنيطت بالجيش مهمات من النوع الإنساني لا تدخل في صلب عمل القوات المسلحة، لكنها أصبحت أساسية نظراً إلى التحديات الاقتصادية المتزايدة التي يواجهها لبنان وشعبه». وتطرّق إلى «تدهور أوضاع الجيش وصعوبة عمل المؤسسة وأفرادها في ظل هذه الظروف التي أثّرت بنسبة 88.6% على بنود الصيانة في موازنة القوات العسكرية اللبنانية، وهي تضخّم تكلفة استمرارها بالقيام بمهامها وتنفيذ عملياتها». كما أعرب عن خشيته من تدهور الأوضاع «بشكل أسوأ لدى إعلان رفع الدعم، ما سيؤدي إلى خسارة اللبنانيين، بمن فيهم العسكر، لما تبقّى من قدراتهم الشرائية». وأطلع عون الوزيرة الفرنسية على «وقائع حقيقية نتيجة خسارة القدرة الشرائية للعسكريين، منها إنشاء بعض الأفواج متاجر صغيرة خاصة بعسكرييها، فيما تقوم أفواج كتلك الموجودة في البقاع بزراعة الأراضي وحصد المنتجات الزراعية وتوزيع المحصول على عديدها». وحذّر من «نزول الشعب إلى الشارع بينما الجيش يجوع، ما سيصعّب عليه احتواء التوترات الاجتماعية»، منبّهاً إلى خطورة رفع الدعم. وقال: «لا نريد أن نعود الى سنة 1975 حين انهار الجيش وشهدنا ظهور ميليشيات من الطوائف كافة. الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي لا تزال قائمة ويجب الحفاظ عليها. ما لم تحصل معجزة لن نعود قادرين على التخفيف من وطأة الأزمة بعد نهاية حزيران» الجاري. وأشار عون إلى أنه ينوي القيام بجولة على دول عربية وأجنبية، وأوضح أن المؤسسة العسكرية تحتاج إلى نوعين من المساعدة: أولاً، للإبقاء على وتيرة عمليات القوات العسكرية اللبنانية على ما هي عليه ولإعطائها القدرات والوسائل اللازمة لتنفيذها. وثانياً، للحفاظ على معنويات العسكريين عبر تأمين خدمات طبية وأدوية ومساعدات غذائية لعائلاتهم. ولفت في هذا السياق إلى أنه تمكن من تأمين مساعدات لحوالى 22 ألف عسكري متأهل بدعم من الإمارات والكويت وسلطنة عمان والأردن والمغرب وفرنسا وغيرها.
مؤتمر دولي لدعم الجيش
الوزيرة الفرنسية أبلغت عون قرار فرنسا «دعم مطالب الجيش وحاجاته قدر المستطاع»، من دون أن تقدم مبالغ مالية بشكل مباشر، بل من خلال تأمين الاحتياجات الطارئة كالمواد الغذائية (قدّرها مستشار بارلي بقيمة 1.2 مليون يورو) وتخصيص وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية مساعدة إنسانية طارئة بقيمة 150 ألف يورو قدّمتها سفارة فرنسا في لبنان للمؤسسة العسكرية. وعلى الصعيد الصحي، وعد الفرنسيون بإرسال أدوية وأجهزة وأدوات طبية إلى الجيش. واستناداً إلى كتاب إعلان النوايا في مجال التعاون العسكري الذي نوقش مع المعاون العسكري لماكرون ولا يزال قيد الدرس لدى قائد الجيوش الفرنسية، أكدت بارلي أن فرنسا ستسعى لتأمين قطع غيار وصيانة المعدات والآليات الفرنسية الصنع. وإذ شدّدت على ضرورة حصول تغيير سياسي طارئ في لبنان ووضع حدّ للانسداد الموجود حالياً، أكدت نية عقد مؤتمر دولي لدعم الجيش الذي تعتبره «العَمود الفقري للبلاد»، قبل نهاية الشهر الجاري. وأضافت أن هذه المبادرة لقيت ترحيباً من شركاء فرنسا الأوروبيين وردّاً إيجابياً من الولايات المتحدة. وطلبت من عون إعداد لائحة بحاجات القوات العسكرية اللبنانية، وفقاً للأولويات، قبل انعقاد المؤتمر.