يُعتبر قائد الجيش العماد جوزيف عون من أكثر الشخصيات التي تملك الأسرار الكبرى. موقعه المتقدّم والمرحلة التي ترقّى فيها إلى سدّة القيادة هي الأخطر، فابن بلدة العيشية الجنوبية الذي ولد عام 1964 في جمهورية العزّ والدولة، كبر وشهد انهيار هذه الجمهورية، إلى أن اندلعت الحرب الأهلية عام 1975 وعانت بلدته المسالمة أبشع المجازر من المنظمات الفلسطينية وأعوانها اللبنانيين، حصل ما عُرف بمجزرة العيشية في تشرين الأول 1976، وعايش مرحلة تخلّي الدولة عن جيشها في الجنوب وانفلاش السلاح الفلسطيني وقيام ما عرف بدولة “فتح لاند”. وأدّى هذا الأمر عام 1978 إلى قيام إسرائيل بـ”عملية الليطاني”.
وصل عون إلى قيادة الجيش في 8 آذار 2017، أي بعد خمسة أشهر على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ويشهد عهد جوزيف عون في قيادة الجيش أشدّ الصراعات، فقد تصادم مع العهد في ذروة قوّته، وتهاجمه “الممانعة” وتبادر إلى فتح النار عليه.
وتطول مضبطة الاتهام “الممانعية” بحقّ جوزيف عون، وكانت هناك نقمة على قائد الجيش عندما أجرى عام 2019 تعيينات في المخابرات ولم يستشر السياسيين، وهذا الأمر أغضب السيد حسن نصر الله الذي هاجم الجيش في أحد خطاباته مشيراً إلى وجود ضباط أميركيين في اليرزة.
في وقت حاول قائد الجيش إنقاذ الجيش من الانهيار وعدم السماح بتفكّكه، وجاب دول العالم طالباً المساعدات، شُنّت الحملات عليه، وحاولوا الوقوف في وجهه وكيل الاتهامات، فخرج بخطاب شهير أكد أن المؤسسة العسكرية تحارب “الوباء وقلة الوفاء والغباء”.
تصاعد الوضع، وظلّ قائد الجيش محافظاً على هدوء الأعصاب، وأتت حادثة الطيونة بعدما كان جوزيف عون قد أكد التصدّي لأي فريق يحاول افتعال فتنة، فأتت نتائج الطيونة كارثية على “حزب اللّه”، ولم يبلع “الحزب” الموضوع، وظلّ يشنّ الحملات.
اليوم تتجدّد الحملة “الممانعة” على قائد الجيش الذي نجح منذ تعيينه في ضبط مزاريب الهدر في المؤسسة وإجراء إصلاح جذري في المدرسة الحربية ومنع التدخّلات السياسية في التشكيلات داخل المؤسسة. وتعود هذه الحملة التي وصلت إلى حدّ مهاجمة الأمين العام لـ”حزب اللّه” الشيخ نعيم قاسم مباشرةً الجيش على خلفية حادثة البترون لأسباب عدّة أبرزها سياسية ورئاسية واستدراك لمرحلة ما بعد الحرب.
ويشكّل الملف الرئاسي العنصر الأول الذي تستهدف به “الممانعة” قائد الجيش. ويحتل القائد صدارة المرشحين حسب اعتراف سفراء الدول الخمسة، ويتمتع بغطاء مسيحي من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وأطراف وازنة. وتحاول “الممانعة” إبعاد عون عن السباق الرئاسي بحجة أنه رئيس قوي ولا تستطيع التحكّم به ويتمتّع بعلاقات عربية ودولية هي الأقوى.
وتبيّن الحملة على جوزيف عون أيضاً خوف “حزب اللّه” من المرحلة المقبلة، وتحاول الحملة توجيه رسائل إلى عون كي يسير وفق إرادة من تبقى من “الحزب”، وبالتالي، الحملة على القائد لا تستهدف فقط عون المرشح إلى الرئاسة بل صورة الدولة التي قد تسترجع قوتها وحضورها، وبالتالي هذا الواقع الجديد لا يعجب “الممانعة” التي تريد إبقاء سيطرتها على البلاد ولن تقبل بأي رئيس أو قائد جيش يعيد للدولة هيبتها.
عمل الجيش اللبناني بقيادة عون للحفاظ على ثروة لبنان البحرية، ودعا الدولة للتفاوض على الخطّ 29، لكن مصلحة السلطة جعلتها تقدّم التنازلات وتتخلّى عن قسم من حقّ لبنان وعادت إلى الخطّ 21 وذلك لإرضاء واشنطن وخوفاً من العقوبات، ولأن مصلحة الراعي الإقليمي لبعض القوى التي تخوّن جوزيف عون كانت تقتضي ذلك.
ومهما بلغت حملات التخوين، فالجيش يسير وفق خطة واضحة هدفها حماية السلم الأهلي ومنع التدخّلات السياسية فيها والحفاظ على وحدة المؤسسة التي يحاول البعض التهويل بفرطها ما يشكّل ملاقاةً للعدوان الإسرائيلي، والتحضير لخريطة طريق ما بعد انتهاء الحرب. القرار اتخذ وجوزيف عون الجنرال المتمرّد للحقّ ولمشروع الدولة لن يخضع للتهديد ولا يخاف من التهويل. فهو لم يختر الانخراط في حرب دمّرت البلاد، ولا ينفّذ أجندات أجنبية. المساعدات التي تتدفّق على الجيش وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية تحصل بغطاء من السلطة السياسية، ولا أحد من هذه السلطة يتجرأ على الطلب من القيادة العسكرية وقف تلقّي المساعدات، وأيضاً يحاول معظم الذين ينتقدون عون إما تحسين علاقاتهم بالأميركيين، أو أنهم يفاوضونهم بشكل مباشر أو غير مباشر سواء في الداخل أو عبر وكلائهم.