لم يجد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب أيّ حرجٍ في إعلانه أنّه خصّص جزءاً مهماً من زيارته واشنطن للتشكيك بقائد الجيش العماد جوزاف عون وضرب سمعة قيادته المؤسسة العسكرية انسجاماً مع تعليمات النائب جبران باسيل، لا بل إنّه تفاخر بهذا السلوك عبر الإعلام بعدما عجز هو وفريقه عن إثبات أيّ شائبة في سلوك العماد عون، فذهب بعيداً في الدعوة إلى وقف المساعدات الأميركية عن الجيش لعرقلة ما أنجزه قائده في قلب الأزمة المستعرة منذ بداية عهد «جهنّم».
ردّ العماد جوزاف عون بالتأكيد على أنّ المساعدات للجيش مستمرّة، وأنّ «الجهات المانحة تعلم أين تُصرف هباتُها، فهي تعلم أنّ أموالها تصل إلى مستحقّيها بعيداً عن التحريض والشائعات والاتّهامات التي لن نتوقف عندها». وكلّما ثبتت قيادة الجيش في مواقفها ومسارها الوطني، وازداد مستوى الاحترام والتقدير لقائدها، ارتفع ضغط باسيل فرفع مستوى ضغوطه على من يأتمرون به لينفّذوا أمر عملياته تخريباً وتعطيلاً، سواء أكان ذلك من خلال القضاء أم تحريك بؤر الفوضى وصولاً إلى إحراج المؤسسة العسكرية وتوريطها في الاصطدام بالناس، وهذا ما نراه في حملة المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون على المصارف، ودفع «جمعيات» ذات دفعٍ باسيلي، إلى إحراقها واستهداف منزل رئيس جمعيتها سليم صفير.
كما أنّ ما جرى في طرابلس من ظهور مسلّح يوم الأربعاء 15 شباط والانفلات المشبوه بإطلاق الرصاص ورمي القنابل بذريعة الإحتجاج على تدهور الأوضاع المعيشية هو جزء من سيناريو استدراج الجيش إلى الشارع.
يمكن أن نفهم غضب المواطنين ونزولهم السلمي إلى الشارع لأنّهم افتقروا، لكن ما لا يمكن تصديقه هو فقر من يحملون بنادق حربية تبلغ قيمتها مئات الدولارات ويطلقون الرصاص الباهظ الثمن ويرمون القنابل التي لا يمكن شراؤها إلا بالعملة الصعبة، فهؤلاء أصحاب أجندات مشبوهة لأنهم وجّهوا رصاصهم إلى الجيش وقاموا بحملات تحريض عليه بحيث كانوا يريدون توسيع المواجهة مع العسكر لإسالة الدماء وإشعال الصراع، وحسناً فعل الجيش بحسم الموقف.
الواضح في هذه الظروف أنّ «حزب الله» لا يمكنه اللجوء إلى استخدام القوة الانقلابية العسكرية في الظروف الراهنة، والواضح أيضاً أنّه لا يملك القدرة على تأمين 65 صوتاً في مجلس النواب، وأنّه يستفيد من سلبية المعارضة وعدم قدرتها على إنتاج مرشّح موحّد لقواها التي تتفق على رفض السماح بوصول مرشح الممانعة.
حاول «حزب الله» أن يخيِّر اللبنانيين بين باسيل وفرنجية، وكانت تلك مقاربة بائسة لأنّها تحصر الخيار في الممانعة من جهة، ولأنّ وصول فرنجية لن يغيِّر الموقف العربي والسعوديّ بشكل خاص، ولا يمكن صرف ما يجري على الخط السوري السعودي في الواقع اللبناني، لأنّ المطلوب مواصفاتٌ واضحة لا تنطبق على «بيك» زغرتا في السياسة.
فإذا أراد الثنائي الشيعي حقاً تجنيب البلد الانهيار الكامل، فيجب إنهاء المناورات لأنّ الدولة تحلّلت والانهيار سيعيد «حزب الله» ميليشيا مسلّحة تسيطر على مناطقها، وسيخسر ما حقّقه من اختراقات في الدولة، وستنحسر سيطرته على مفاصل القضاء والأمن من خلالها.
للبنانيين مصلحة في استنقاذ الدولة أيضاً لأنّ انهيارها دخول في المجهول. إذا كانت الديمقراطية عليلة فلا يمكن معالجتها بخيار شبه ديكتاتوري على شاكلة رئيسٍ من قوى الممانعة، بل ينبغي التمسّك بمرشّح رئاسيّ يحمل القيم الوطنية الجامعة، وإذا تعذّر على القوى السيادية والتغييرية إيصال رئيس منها، فإنّ الخيار الأكثر ملاءمة هو التوافق على قائد الجيش.
وللخائفين من عسكرة الحُكم نذكِّرهم بأنّ الجيشَ في لبنان ليس مؤسّسةً حاكمة، كما هو الحال في بعض البلدان العربية، بل هو مؤسّسة تأتمر بالسلطة السياسية وتلتزم بالدستور، لذلك لا خشية من وصول قائد للجيش إلى سدّة الحكم، طالما هو يلتزم القواعد الدستورية وقد أثبت العماد جوزاف عون حكمةً وبصيرةً نافذة في مسيرته العسكرية، ومن المنطق توقّع أن يواصل الالتزام بهذه القيم في حال وصوله إلى القصر الجمهوري، المحفوف بالكثير الكثير من الوشايات والمكائد.