لم تهدأ العاصفة التي تسببت بها المواقف غير المسبوقة التي أطلقها قائد الجيش العماد جوزاف عون، وما حملت في طياتها من انتقادات للطبقة السياسية التي حملها مسؤولية وصول الوضع في البلد إلى ما وصل إليه، وما خلفه من تداعيات اجتماعية بالغة السلبية على اللبنانيين، وعلى الجيش الذي يعاني ظروفاً اقتصادية كما هي حال بقية اللبنانيين لا يمكن السكوت عنها . ولهذا أطلق العماد عون صرخته من أجل دفع المسؤولين إلى اتخاذ الإجراءات المطلوبة لإخراج البلد من أزمته، وبما يخفف من الأعباء الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية التي تتحمل وزر تقاعس الطبقة السياسية عن القيام بدورها في تأمين مقومات الصمود للشعب الذي يواجه مخاطر انهياراقتصادي ومالي غير مسبوق في تاريخ لبنان، مع وصول سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء، إلى ما يقارب الـ11 ألف ليرة، دون أن يتحرك المسؤولون لوقفه، بالرغم من كل الإجراءات التي قيل أنها اتخذت من أجل ذلك .
وتشدد أوساط سياسية على القول لـ«اللواء»، أن «الكلام النوعي الذي صدر عن قائد الجيش، الغاية منه التمييز بين أمرين، بين الاستقرار الذي اعتبره خطاً أحمر، وبين الحريات العامة والتي هي أيضاً خط أحمر، باعتبار أن هناك من أراد أن يستخدم المؤسسة العسكرية كأداة قمعية لحسابه، في إشارة إلى فريق العهد، ولمصلحته ولأولوياته، فخرج العماد عون ليقول بأن المؤسسة العسكرية هي من الشعب وله، ولن تكون أداة قمعية، كما يريد بعض أركان السلطة، ومن هم موجودون في هذه السلطة، وإنما هي لمصلحة الناس وحريصة على أمنها، وستشكل عنصراً ضاغطاً على هذه السلطة التي عجزت عن تحقيق مطالب الشعب، بتأليف حكومة قادرة على إخراج لبنان من أزمته»، مشيرة إلى أن «قائد الجيش رد على الذين حاولوا توريط الجيش في مواجهات مع الناس، بالتأكيد على أن مهمة الجيش الدفاع عن الشعب، سيما وأن هناك من سعى لوضع الجيش في مواجهة المحتجين على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية».
وتشير الأوساط، إلى أن «أهل السلطة الحاكمة يتصرفون وكأنهم يعيشون على كوكب آخر، فهم يعتقدون أن ما يحصل على مستوى الدولار، مؤامرة مالية مصرفية عالمية، وما يحصل على مستوى الناس والنزول إلى الشارع، هو مؤامرة شعبية كونية، في حين أن سياسات هذا الفريق الحاكم هي التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه من انهيار، وأن ارتفاع الدولار هو نتيجة هذه السياسات التي يعتمدها، وبالتالي فإن نزول الناس إلى الشارع، إنما هو بسبب فشل الطبقة الحاكمة في اتخاذ الإجراءات التي تخفف من وطأة معاناة اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعاً بممارسات المسؤولين، وهو ما تبدى بوضوح في إغراق البلد في أزمات لا عد لها ولا حصر». وتضيف : « بدلاً من أن يرى فريق العهد الواقع على ما هو عليه، يذهب باتجاه حرف الأنظار عن هذا الواقع، والكلام عن مؤمرات غير موجودة إلا في مخيلته، وكأن اللبنانيين يعيشون في نظام بعثي سوري، يعتقد بأن كل ما يحصل هو ضده، في حين أن ما يحصل على الأرض هو نتيجة هذه السياسات التي يعتمده وأوصلت لبنان إلى ما وصل إليه» .
أهل السلطة يتصرفون وكأنهم يعيشون على كوكب آخر
وفي الوقت نفسه، ترى الأوساط أن «التحركات الشعبية التي تشهدها المناطق اللبنانية، لن تكون قادرة في ظل إمكاناتها الحالية، على تغيير الواقع وقلب الطاولة ودفع البلاد نحو مشهد جديد، وهذا أمر مؤسف، وما حصل لغاية هذه اللحظة، رغم مشروعية وأحقية المطالب، لا يؤشر إلى إمكانية إحداث هذا التغيير المنشود. إذ لا يوجد لدى المحتجين خطاب واحد، وهدف واحد واضح المعالم يمكن الضغط من أجل تحقيقه في المرحلة المقبلة» .
ولفتت الأوساط على الصعيد الحكومي، إلى أن «تحرك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، يأتي بناء على وساطة يتولاها، في محاولة للوصول إلى الحكومة العتيدة»، مشددة على أن «الرجل يعمل على تفكيك العقد، وتالياً فإن الوساطة التي يتولاها تذهب في هذا الاتجاه، فضلاً عن بروز مجموعة أمور، أوحت وكأن هناك من يريد تشكيل الحكومة على نار حامية، باعتبار أنها لم تتشكل على نار خفيفة، من تراجع النائب السابق وليد جنبلاط عن احتكار التمثيل الدرزي، إلى تراجع الرئيس ميشال عون عن الثلث المعطل، إلى جانب حركة الناس الاحتجاجية اللافتة في الأيام الماضية، وإن كانت عفوية، وتهديد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بالاعتكاف، كلها عوامل دلت وكأن هناك من يريد أن يدفع الأمور باتجاه الحلحلة».
وتشدد الأوساط، في ما يتصل بالحوار بين بكركي و«حزب الله»، على أنه «يجب التمييز بين أمرين، الحوار كحوار، باعتبار أن البطريركية المارونية منفتحة على أي حوار، وبين ما تطرحه بكركي، وهو غير قابل للمساومة. إذ أن هناك من يحاول الترويج على أن بكركي من خلال هذا الحوار تنازلات عن المؤتمر الدولي والحياد وثوابتها، وهذا تحليل خاطئ تمامًا»، مؤكدة أن «الكنيسة المارونية متمسكة بهذه الثوابت أكثر من أي وقت، ومصممة على السير وفق ما تقتضيه مصلحة لبنان، وبالتالي فإن من يراهن على تراجع الكنيسة عن عقد المؤتمر الدولي، أو عن الحياد، فهو واهم»