IMLebanon

26 ألف طلب تطوّع: ردّ قائد الجيش المكتوم

 

ركب جبران باسيل الطائرة مُيَمِّماً وجهه شطر قطر حاملاً ما تبقّى من أحلامه الرئاسية المتكسّرة محاوِلاً استنقاذ ما يمكن استنقاذه للبقاء في المعادلة السياسية، لكنّه عاد بخُفيْ حُنين من ديار العرب فكتب ناعياً خياراته بأنّ القطريين يطلبون حلاً واسم العماد جوزاف عون من الأسماء المطروحة، معاوِداً فتح النار على قائد الجيش في لحظات التداخل الدولي والإقليمي وبعدما انفضّ حبلُ السرّة الفرنسي عن رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية وبدأت التطورات تشير إلى أنّ المخرج الأكثر قبولاً داخلياً وخارجياً هو العماد عون.

 

ربّما تكمن قوّة قائد الجيش في صمته وتفرّغه لمواصلة مهمّته في الحفاظ على المؤسّسة العسكرية متماسكةً ومتمتعةً بالقدرة على الصمود رغم حروبٍ تعرّضت لها من داخل مراكز السلطة وخارجها، من دون أن يُستدرج للسجال مع جهة تلاحقه لأنّه حافظ على استقلالية الجيش ولم يقبل المشاركة في فتنة قبرشمون ولا أن يتحوّل إلى قامع للشعب عشية ثورة 17 تشرين الأول 2019 ليصبح من بعدها «انقلابياً» في نظر عهد باسيل.

 

اللافت أنّ باسيل ونوابُه وقياداته كانوا أوّل الذين طالبوا بوقف العمل بالتدبير رقم 3 وعملوا على التمييز بين العسكر في الخدمة القتالية والمكتبية لإثارة الحساسيات داخل الجيش، كما أنّ استهداف الجيش في الموازنة حصل على أيدي نواب «التيار الوطني الحرّ» وفي عهدهم توقف تطويع الضباط في المدرسة الحربية.

 

لعلّ المفارقة الأكثر تأثيراً في الشارعين المسيحي والوطني هي قدرة قائد الجيش على اجتراح الإنجازات وتأمين الصمود لأبنائه، وهذا ما يراه المجتمعان العربي والدولي، فلا يكاد يمرّ شهر إلاّ ويحضر إنجازٌ لصالح العسكر، بينما يرزح باسيل تحت وطأة كوارث لا تنتهي من الفشل تحت شعار «ما خلّونا»… فيما يتمسّكُ قائد الجيش بالقانون، فهو أعلن بوضوح أنّه بعد ستة أشهر سيتقاعد والأولوية تكمن في تأمين القيادة الانتقالية للجيش في هذا الظرف الدقيق وفي ظلّ الدفع بالعراقيل لتقويض صموده، فالأولوية للمؤسسة قبل احتمالات الرئاسة.

 

توقّف متابعون عند حقيقة أنّ مجمل القوى السياسية، وبعضها على مسافة من قيادة الجيش أو لها حساباتها الخاصة، أقلعت عن نغمة مهاجمة الجيش، بينما يثابر «التيار الوطني الحرّ» على سياسة رمي الاتهامات، وهو الذي يُفترض أنّه جاء من رحم الجيش وهذه مفارقة جديرة بالتوقف عندها، لأنّ شعبيّة العماد ميشال عون ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا البزة العسكرية.

 

واجهت قيادة الجيش إشكالية فرار عسكريين من صفوفها، وهذا أمرٌ طبيعي كان يحصل سابقاً ويحصل اليوم في ظلّ الأزمة الراهنة، لكن المفاجأة التي يجب أن يعلمها اللبنانيون هي أنّ لدى القيادة ما يزيد عن 26 ألف طلب تطويع للالتحاق بالمؤسسة العسكرية، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على استمرارية ثقة اللبنانيين بالقيادة وإصرارها على رفد الجيش بالطاقات الجديدة رغم قساوة الظروف التي يعاني منها الضباط والجنود وأهاليهم، وهذا يعتبر استفتاءً شعبياً لافتاً لصالح الجيش في هذا التوقيت بالذات.

 

من إنجازات قيادة الجيش كفّ أيادي السياسيين عن الأمن وإفهام الجميع بمن فيهم «حزب الله» أنّهم لا يستطيعون الحلول محلّ الدولة لا في الأمن ولا في غيره، وما الحرب المتواصلة ضدّ آفة المخدِّرات إلاّ نموذج للحاجة إلى الدولة وشرعيتها، فالسلاح غير الشرعي مهما بلغ نفوذه يسقط في معادلات فرض القانون والعدالة وهي معادلة فشل فيها «الحزب» لأنّها تحوّله خصماً لبيئته وهذا خطّ أحمر. كما أنّ بعض الساسة ممن سبق أن اعتادوا على التدخّل في الشؤون العسكرية أصبحت أيديهم مغلولة عن هذه الممارسات وهذا ما يساعد على ترسيخ الأمن في المدن التي عانت سابقاً من التدخلات، وخاصة طرابلس ومناطق الشمال.

 

بالنتيجة، ترسم التطورات الدولية والإقليمية ملامح الرئاسة الآتية وتشير إلى تقدّم خيار قائد الجيش، بينما أحرق باسيل كلّ سفنه في الداخل ولم يعد مسموعاً في الخارج، وهو يقف أمام خيارات ثلاثة أحلاها مُرّ: إمّا السقوط أمام «حزب الله» والقبول بمرشحه سليمان فرنجية، وإمّا القبول بالعماد جوزاف عون كمرشح تسوية وطنية لا يضع عليه «حزب الله» الفيتو وتسير به باقي القوى السياسية، أو أن يخرج من المعادلة بعد سقوط الحاجة إليه في هذا الاستحقاق.