لودريان: الفراغ الرئاسي وسط الانهيار خطير
وسط الضغط الدولي والخليجي لتسوية رئاسية في البلاد، ثمة سباق من المنتظر أن يتبلور أكثر في الأيام المقبلة بين خيارين: شخصية رئاسية يرضى عنها الخارج الذي لا مناص من دعمه لتأمين إعادة إنهاض البلاد في مرحلة انتقالية، ويبرز هنا إسم قائد الجيش جوزف عون الذي سيتبلور أكثر مع في الفترة المقبلة. وشخصية أخرى شرع “التيار الوطني الحر” المعارض بشخص زعيمه الرئيس ميشال عون ورئيس التيار جبران باسيل، لوصول قائد الجيش، في محادثات مع “حزب الله” للتوصل الى شخصية مقبولة من الجانبين.
في المسعى الثاني، رمى باسيل قنبلة بعدم معارضة وصول مرشح ثنائي “حزب الله” وحركة “أمل” سليمان فرنجية في مقابل التفاهم على طبيعة النظام المقبل وعلى رأسه قبول الحزب باللامركزية الإدارية والمالية الموسعة تحت شعار بناء الدولة، وهو ما يتهم التيار الحزب بالتنصل منه.
لم يعلن باسيل ذلك مباشرة، مثلما لم يعلن الحزب مباشرة قبوله بخيار آخر غير فرنجية مع تنسم عون وباسيل قبولاً من الحزب بالسير بمرشح آخر، لكن من دون الاقتراب من بحث أي إسم حتى اللحظة.
مشكلة هذا الخيار أن المسافة ما زالت طويلة للتوصل الى إسم موحد وسيتخذ هذا وقتاً بينما يسير الضغط الخارجي في اتجاه الخيار الآخر عبر منحى تصاعدي مع وضع المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان أيلول كسقف زمني للاتفاق على “المواصفات”، أي بمعنى آخر الاتفاق على إسم رئيس الجمهورية المقبل.
الواقع أن الخيارين يتقاطعان على طي صفحة فرنجية. فخيار الخماسية الدولية والعربية كان واضحاً (منذ زمن لكن اليوم مع شبه إجهار) في اعتبار المبادرة الفرنسية وفعليا ترئيس فرنجية، بات مشكلة يجب تخطيها. ويجب ان يبحث مؤيدو الرجل عن مخرج لذلك تحت تهديد سيف العقوبات مهما كان الإسم المستعمل لوصفها (إجراءات مثلا).
يشعر باسيل بجدية تلك الضغوط وهو سيفاوض الحزب على شخصية غير فرنجية، وهو يعلم أن الحزب لن يقبل بكسر رئيس المجلس نبيه بري والطائفة الشيعية فعلياً التي استأثرت بمالية البلاد، وستنتزع اللامركزية المالية الموسعة مكسباً رئيسياً لها في السنوات الأخيرة.
سيشكل مسعى باسيل بعنوانه عدم معارضة فرنجية في مقابل شروط منها الصندوق الإئتماني، ضربة مزدوجة بوصول أحد أركان المنظومة من ناحية، وبإعادة عقارب الساعة الى الوراء في النظام وفدرلة البلد واقعياً ولو في شكل غير رسمي، كما يرى أخصام للتيار.
لذا يقارب باسيل هذا المسعى من ناحية اللعب على رغبة “حزب الله” في إعادة الروابط التي تعرضت لضربات كبرى في الاشهر الماضية، وعدم ظهور الحزب بمظهر المعادي لطموحات المسيحيين، كما سيفيد باسيل في دب الاختلاف بين الثنائي فهو لو أراد أن يُطاع لطلب المستطاع وليس تغييراً جذرياً في النظام.
إستحالة شروط بناء الدولة قد يدفع في اتجاه سحب الحزب لـ”مرشح الفرض” فرنجية لصعوبته، في مقابل التقاطع مع باسيل على شخصية مقبولة ولا تطعن المقاومة في ظهرها (علماً أنه مهما كانت تلك الشخصية فهي أعجز من استهداف سلاح الحزب).
لكن السؤال يبقى: هل في استطاعة هذين الركنين إيصال طرف رغم أنف الخارج وعلى رغم موازين القوى في المجلس النيابي؟
في الوسط، ثمة قراءة لشخصية مقربة من مرجعية كبرى تقف في وجه فرنجية لكنها تبحث أيضاً عن إسم لا يستفز “حزب الله”، تلفت النظر الى أن الجمود سيكون سمة المرحلة حتى نهاية العام، وكل ما يُحكى عنه من انتخاب للرئيس في أيلول المقبل ليس سوى تمريراً للوقت.
ولعدم استفزاز المعارضة ورأس حربتها “القوات اللبنانية”، لم يُطرح الحوار تحت هذا المسمى بل حُكي عن اجتماع أو ورشة أو مباحثات، على ان تُترك المواصفات لجلساتها (شكلاً)، ولم يحدد المبعوث الفرنسي مستوى التمثيل (رؤساء أحزاب أو كتل..) لتليين موقف معارضي الحوار.
وثمة من يذهب الى اعتبار أن انتخاب الرئيس ليس بهذا القرب لكنه أيضا ليس بالبُعد الزمني الذي تتحدث عنه القراءة الوسطية سابقة الذكر، وما رفض الفراغ في حاكمية مصرف لبنان بعد التهديد باستقالة نواب الحاكم، سوى محاولة لشراء الوقت بعد شرعنة التغذية مما تبقى من أموال اللبنانيين ريثما يتم الاتفاق على هوية الرئيس التي ستكون اللبنة الأولى على طريق طويل وشاق للحل.
على هذا الصعيد يشير متابعون الى أن نائب الحاكم الأول وسيم منصوري يجهز فريقه للعمل وثمة من يضغط لاستنباط “تخريجة” ما في المجلس النيابي باقتراح من أحد النواب أو باقتراح قانون من الحكومة ترسله الى المجلس، يتولى شرعنة هذا الأمر.
وتقوم وجهة النظر الفرنسية التي صارحها لودريان خاصة في لقائه الثاني مع بري، على أن الانهيار ممنوع وخط أحمر دولي، وأعلن الضيف الفرنسي صراحة أن المجتمع الدولي يريد استقراراً إجتماعياً ومالياً وسياسياً، ولن يفعل أي انهيار سوى في تعقيد مباحثات الرجل عند عودته في أيلول المقبل فالفراغ الرئاسي وسط الانهيار خطير.
في خضم تلك القراءات، هناك من يتحدث بأن الحل البعيد آت ثلاثي الأبعاد على شكل رزمة واحدة: رئاسة جمهورية وحاكمية لمصرف لبنان وقيادة للجيش بعد انتهاء ولاية جوزف عون أوائل العام المقبل.