يفترض البعض ان يكون ايلول الجاري الشهر الحاسم في شأن الاستحقاق الرئاسي سلباً أم ايجاباً، انطلاقاً مما سيكون عليه مصير حوار السبعة ايام المتتالية، وجلسات الانتخاب الرئاسي المتتالية التي ستليه مباشرة، حسبما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري في مبادرته التي أطلقها الاسبوع الماضي في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، وفي هذه الحال سيكون لبنان امام احتمالين: إما صيرورته إلى رئيس جديد وقيام سلطة جديدة. وإما مضيه إلى مزيد من الفراغ مع ما يستتبعه من تفاقم للأزمات التي يعيشها على كل المستويات.
خلط الوسيط والمستشار الرئاسي الأميركي بشؤون الطاقة آموس هوكشتاين «مهمّته اللبنانية» بين السياحة والسياسة بشقيها الحدودي والرئاسي، ممنناً النفس بإمكان لعب دور وسيط في شأن تثبيت الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، ولكنه حُمِّلَ عتباً كبيراً على تهرّب الإدارة الاميركية من المساعدة في حلّ الأزمة اللبنانية، اقلّه في الشق الرئاسي، في مقابل المكسب الضخم والاستراتيجي الذي حصلت عليه نتيجة موافقة لبنان على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل.
وقد أعطى البعض لعشاء هوكشتاين مع قائد الجيش العماد جوزف عون تفسيرين: الأول تأكيد واشنطن استمرار دعمها للجيش اللبناني والثناء على دوره في حفظ الأمن على الاراضي اللبنانية، بدليل تنقّل هوكشتاين بحرّية وسلام في لبنان وصولاً إلى زيارته لقلعة بعلبك الرومانية، حيث المدينة التي ينظر اليها الداخل والخارج على انّها معقل كبير من معاقل نفوذ «حزب الله» الذي تصنّفه واشنطن «منظّمة ارهابية»، وبالتالي التأكيد ايضاً انّ الولايات المتحدة تتمسّك ببقاء عون قائد الجيش عبر تمديد ولايته التي تنتهي في 10 كانون الثاني المقبل.
اما التفسير الثاني، فهو انّ لقاء هوكشتاين مع عون كان لتأكيد دعم واشنطن ترشيحه لرئاسة الجمهورية، انسجاماً مع تأييد غالبية المجموعة الخماسية له خلال اجتماعها الأخير في الدوحة، واستباقاً لمجيء الموفد الرئاسي جان ايف لودريان خلال الشهر الجاري إلى لبنان واحتمال طرحه خيار رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في إطار المبادرة الفرنسية وغيرها.
وثمة تفسير ثالث أُعطي للقاء هوكشتاين مع عون، وهو انّه يندرج في اطار اهتمام تاريخي وتقليدي من الولايات المتحدة بالجيش اللبناني، مثل اهتمامها بحاكمية مصرف لبنان، إذ انّ ما من موفد اميركي جاء إلى لبنان، خصوصاً هذه السنة وفي السنوات السابقة، إلاّ ويلتقي قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان، فإلى عشائه مع عون التقى هوكشتاين ايضاً حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بعيداً من الاضواء.
إلى ذلك، كانت زيارة وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان للبنان اكثر أهمية من زيارة هوكشتاين، فهو في الوقت الذي استأخّر وصوله الى بيروت عن طريق دمشق يوماً حتى لا يتصادف وجوده مع الوسيط الاميركي، بادر هذا الاخير الى استئخار مغادرته إلى يوم وصول عبد اللهيان، إلاّ انّ هذا التصادف لم يغيّر في مشهد الزيارتين ولا في الأهداف الكامنة ورائهما لدى الجانبين.
على انّ مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري للدعوة الى حوار محدّد بأسبوع وتنطلق بعده جلسات انتخاب رئاسي متتالية، دمجت بين رغبة «الثنائي الشيعي» وحلفائه بإجراء حوار في الاستحقاق الرئاسي، أولويات ومواصفات واسماء، وبين رغبة فريق المعارضة بانعقاد جلسات انتخاب مفتوحة، وهذه المبادرة تنطلق من تشاور مسبق جرى بينه وبين لودريان الذي كان التقاه في بداية زيارته الاخيرة وفي نهايتها. وقال بري يومها انّ الموفد الفرنسي تحدث معه عن حوار وطني جامع وليس عن حوار او حوارات ثنائية، ما يعني انّ بري في مبادرته ألقى الحجة على المعارضة، لأنّه وازن فيها بين رغبتها في الجلسات الانتخابية المفتوحة وبين رغبة «الثنائي» وحلفائه بالحوار، ولكن فيما عارضت «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» هذه المبادرة، جاء موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مؤيّداً، ما يعني انّ المبادرة ستشهد مزيداً من التفاعل على الساحة المسيحية، خصوصاً انّ «التيار الوطني الحر» اعتبرها «جيدة وإيجابية».
ومن المرجح أن يحدّد بري موعد هذا الحوار عندما سيحدّد لودريان موعد مجيئه إلى بيروت على ان ينعقد بمن حضر، خصوصاً انّ مشاركة «التيار الحر» فيه إلى جانب كتل ونواب مسيحيين آخرين، يضفي الميثاقية المسيحية المطلوبة عليه.
وثمة من يقول انّ مبادرة بري ولّدت انطباعاً لدى كثيرين انّ شهر ايلول «سيكون طرفه بالرئاسة مبلول»، وانّ احتمال انتخاب رئيس بدأت ترتفع اسهمه، خصوصا بعدما تولّد اقتناع لدى مختلف الاوساط مفاده انّ التفاهم الداخلي على إنجاز الاستحقاق الرئاسي يقلّص إلى حدّ كبير عامل التدخّل الخارجي فيه، وإنّ تراجع منسوب التوافق الداخلي او انعدامه يوسّع دائرة التدخّل الخارجي فيه ويدفعه إلى خيارات قد ترضي فريقاً ولا ترضي آخر، ما قد ينتج انتخاب رئيس يدير أزمة بدل ان يعالجها، متعاوناً مع حكومة وفاقية وفاعلة.
ولكن، في معلومات لجهات وثيقة الاطلاع، فإنّ الملف الرئاسي بدأ يقترب جدّياً من الانجاز، إذ انّ في الأفق المنظور تطوراً ما سيحصل في العلاقة بين المملكة العربية السعودية و»حزب الله»، على وقع تطور ايجابي سيحصل قريباً على صعيد الملف اليمني، إذ بدأ يدور نقاش في بعض الغرف المغلقة يربط بين الملفين اللبناني واليمني، وذلك على خلفية زيارة عبد اللهيان الاخيرة للسعودية واجتماعه تحديداً مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، حيث قيل انّ ملف لبنان كان بين مواضيع البحث بينهما إلى جانب الملف اليمني، وقد يكون عبد اللهيان نقل الى بيروت وتحديداً الى رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله معطيات معينة، يُتوقع ان يتصرف «الثنائي» على أساسها في التعاطي مع الشأن الرئاسي وكذلك على مستوى العلاقة مع السعودية.
وترجح بعض الأوساط والمعلومات إمكانية حصول انفتاح وتواصل قريب بين «الثنائي الشيعي»، وتحديداً «حزب الله»، وبين الجانب السعودي، ويتوقع ان يتظهّر هذا الامر في خلال الشهر الجاري. ولم يستبعد البعض ان تظهر بعض المؤشرات قبيل الحوار الذي دعا بري اليه، مشفوعة بمؤشرات الى اقتراب تبلور نتائج الحوار الجاري بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، حيث يرى البعض انّ الجانبين بدأا يقتربان من الاتفاق على الرغم من بعض الإشارات والمواقف التي توحي بعكس ذلك، وقد استدل هذا البعض إلى ذلك من خلال ملاقاة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مبادرة بري بموقف مرن، حيث وصفها بأنّها «جيدة وايجابية».
ويؤكّد متابعون انّ الاولوية عند المملكة العربية السعودية منذ توقيع «اتفاق بكين» في العاشر من آذار الماضي بينها وبين ايران، كانت ولا تزال قضية اليمن، وانّ كل تعاون إيراني ومن جهة الثنائي الشيعي على معالجتها، سيقابله تعاون سعودي إزاء بعض ملفات المنطقة وفي مقدّمها الملفان اللبناني والعراقي. ولذلك فإنّ المتوقع ان تكون المرحلة باتت محكومة بمعادلة «سين ـ ألف» اي «السعودية ـ ايران»، وطبيعي إنّ لبنان سيكون في صلب اهتمامات هذه المعادلة، كونه يشكّل ساحة مشتركة لها، سواءً توسعت لاحقاً لتصبح «سين ـ سين ـ الف»، أي «السعودية ـ سوريا ـ ايران» ام لا.