Site icon IMLebanon

جوزف عون… ملك الملوك!

   

لم يسبق أن خرجت طموحات قائد الجيش العماد جوزف عون إلى الضوء بالفظاظة التي هي عليها اليوم. لسنوات مضَت بقيت أحلامه مكتومة، أو محصورة بفريق ضيّق يتولى التسويق لـ«ميزاته» وأهميته. لكنها هذه المرة ظهرت إلى العلن بشكل يشي بما هو أكبر وأعقد من مجرّد طموح برئاسة الجمهورية أو البقاء قائداً أبدياً للجيش، إذ يبدو أن المسألة تتعلّق بسلوك شخصي يمارسه الرجل من مكتبه في اليرزة، يعكس قناعة لديه بأنه «ملك الملوك».

منذ عملية طوفان الأقصى وفتح حزب الله جبهة الإسناد، كانَ مشهد قيادة الجيش يبعث على الحيرة. نشاط أميركي غير مسبوق في قاعدة حامات الجوية، التابعة رسمياً للجيش اللبناني، هبوط كثيف لطائرات شحن لنقل أفراد أميركيين وذخائر. لم يتأخر الوقت كثيراً حتى انكشف المستور. لم تكن القاعدة سوى محطة عبور لعملاء من الـ CIA، يدخل بعضهم أيضاً عبر مطار بيروت، ويلعبون دوراً بارزاً في هذه الحرب إما بالتجسس أو بإدارة مجموعات من الإعلاميين والسياسيين والناشطين. ولم يتأخر الوقت أيضاً ليتبيّن أن الهرولة نحو بعبدا تقتضي الالتزام بما يطلبه الأميركيون، حتى ولو لم يقدّموا توضيحات في شأن ما يطلبونه. فليس كل ما يقوم به الأميركيون يُخبرون القائد به، لكنهم حتماً يطلبون منه الكثير ويمنعونه عن فعل الكثير أيضاً، كمنعه من فتح طريق المصنع بعدما استهدفه العدو الإسرائيلي.

مع بدء موجة النزوح الأولى إثر بدء عدوان أيلول، كانَ تعامل قيادة الجيش مع هذا التطور بمثابة اعتراف بعجزها عن مخالفة «التعليمات» الأميركية. فترك الناس لمصيرهم كان قراراً خارجياً، إضافة إلى سوء التنظيم الداخلي. وحتى في ما يتعلق بإدارة ملف النازحين، ردّ قائد الجيش بصوت مرتفع على المدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير عندما سأل الأخير عن إمكانية ذلك، رافضاً بشدّة تولّي هذا الملف. ومعظم الوزراء ومعهم رئيس الحكومة يعلمون ذلك. وستأتي مناسبة لسرد الكثير من الوقائع المتعلقة بهذا الملف، وهي وقائع دفعت بمسؤولين سياسيين حتى ممن ليسوا في صف المقاومة إلى الإشارة إلى عملية «غير نظيفة» تكمن خلف تعامل الأجهزة الأمنية مع أزمة النازحين.

لا حاجة هنا إلى استحضار الكثير من الروايات التي أكّدت تماهي قائد الجيش مع السياسة الأميركية. وإذا كان هذا مرتبطاً في جانب منه بالسطوة التي تمارسها الولايات المتحدة على هذه المؤسسة تحت غطاء المساعدات، إلا أنه مرتبط أيضاً بطموح شخصي يعتقد بأن مسايرة الأميركيين تمهّد طريق بعبدا في مرحلة القطاف.

 

عون يريد ضمان التمديد له في منصبه إذا تأخّرت الانتخابات الرئاسية

 

والحديث عن أداء قائد الجيش في هذه الفترة لا يقتصر على «التنسيق» مع الأميركيين في كل شاردة وواردة، إنما أيضاً عن ممارسات يقوم بها تنمّ إما عن توتر أو خوف أو شعور بالعظمة. فمنذ فترة، بدأ القائد يفرض إجراءات أمنية استثنائية في اليرزة، معزّزاً الحواجز والخيم ورافعاً عديد القوات الخاصة لحماية الوزارة، وطوّق المنطقة المحيطة، فارضاً تفتيش كل السيارات، قبل أن يُصدِر قراراً بمنع زيارات مواطنين لأقاربهم من النازحين، وأوكل مهمة الأمن إلى ضباط من مكتبه الخاصّ، بعدما أعفى الضابط المسؤول عن الأمن كونه من المحسوبين على الثنائي أمل وحزب الله، علماً أنه في فترة سابقة، أرسل رسالة إلى الثنائي عبر أصدقاء مشتركين بأنه لا يناصبه العداء.

أما في محيط الوزارة، حيث يوجد منزل ضيافة خاص بالسفارة الإيرانية، وسبق للبعثة الإيرانية أن استخدمته في حفلات استقبال أو لقاءات دبلوماسية خاصة، فقد صدر عن قيادة الجيش قرار بتشديد الإجراءات على زائريه بحجة أنه يقع في محيط وزارة الدفاع. ولا تنتهي ممارسات القائد عند هذا الحد. فهو يتصرف كمن لديه سلطة مطلقة ولا يوجد من له الحق في مراقبته أو محاسبته. وآخر ما قام به، هو رفضه الالتزام بإجراءات المطار، حيث أصرّ خلال زيارته الأخيرة إلى الأردن على عدم ختم جواز سفره في المغادرة وعند الوصول، ما خلّف استياء كبيراً عند جهاز أمن المطار وأثار مشكلة مع قيادة الأمن العام!

ومع أن القائد يركّز اهتمامه على ملف رئاسة الجمهورية، إلا أنه في ظل احتمالات تأخر وقف إطلاق النار، وعدم حصول انتخابات رئاسية في وقت قريب، فإنه يهتم بأن لا يصل إلى تاريخ منتصف كانون الثاني المقبل، من دون إصدار قانون جديد عن مجلس النواب، يمدّد له في منصبه لفترة جديدة، تبقيه في موقع «النافذ والمرشح القوي للرئاسة».