Site icon IMLebanon

ماذا عن حوار «حزب الله» والقائد؟

 

 

الانطباع الشائع أن القاسم المشترك الوحيد بين حزب الله والتيار الوطني الحر منع وصول قائد الجيش الى رئاسة الجمهورية. بعد الكشف عن اجتماع العماد جوزف عون بالنائب محمد رعد، فتح باب التأويل والتحليل كما لو أن الخيارات في طور التبدل، أو في طور التفكير

 

أيّاً يكن مُسرِّب الاجتماع غير المعلن بين رئيس كتلة نواب حزب الله محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزف عون، فإن توقيت حصوله والكشف عنه دونما الإفصاح عن مضمونه يوازيان المداولات أهمية. في الوقت الحاضر على الأقل، في مرحلة لا تشي بأكثر من تبادل جسّ النبض. لكِلا الطرفين، حزب الله وقيادة الجيش، مصلحة في تسريب نبأ الاجتماع. حصوله جملة رسائل يتبادلها الطرفان ويوجّهانها الى أكثر من ثالثين: يفيد قائد الجيش والمحيطون به من التسريب كي يقال إن الأبواب ليست موصدة تماماً بينه وبين حزب الله في الاستحقاق الرئاسي على نحو ما يشاع، ما يجعله خياراً مفتوحاً ليس مغلقاً في حسابات أكثر الأفرقاء اللبنانيين تأثيراً في انتخاب الرئيس. بدوره، حزب الله يسرّه تسريب نبأ كهذا دونما أن ينتقص من خياره في ترشيح حليفه الوزير السابق سليمان فرنجية وتمسكه به، لكنه يعني أيضاً أن ثمة أكثر من فرصة عندما يحين أوان انتخاب الرئيس. بالتأكيد، ينتظر الحزب تلقف رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل دلالة الاجتماع باهتمام كي يخفض قليلاً سقف توقعاته وشروطه ودلعه عليه. يعيد الاعتبار الى قائد الجيش مرشحاً محتملاً بعدما استقر التنافس منذ جلسة 14 حزيران على المرشحَين المعلنَين فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور. أما ما يمكن أن يكون قد نشأ عن اجتماع رعد وعون كما نتائجه، فيكمن في بضع ملاحظات: 1 ـ في الغالب، يستقبل الجيش مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا في اليرزة، في مكتب قائد الجيش أو مدير المخابرات. غير المألوف ـ ما لم يكن الزائر وفد نواب الحزب كما في بعض مرات ـ

 

أن يقتصر على رئيس كتلة النواب والقائد. بذلك يتجاوز مغزى الاجتماع بُعداً أمنياً كالذي اعتاد عليه صفا، كي يكتسب بُعداً سياسياً محضاً يمثّله رعد في قيادة حزب الله وصنع قرارها: بعد الأمين العام السيد حسن نصر الله، هو أحد خمسة متساوي الأدوار يشكلون مجلس الشورى. ثاني غير المعمّمين من بينهم مع حسين الخليل (مساعد الأمين العام)، فيما المعمّمون الأوسع نفوذاً وتأثيراً في القيادة بعد الأمين العام هم الشيخ نعيم قاسم (نائبه) والسيد هاشم صفي الدين (رئيس شورى التنفيذ) والسيد إبراهيم أمين السيد (رئيس المكتب السياسي). ذلك ما يضفي جدية على حصول اللقاء في ذاته قبل الوصول الى مناقشاته والمُقال فيه وغير المُقال. ما يعرفه حزب الله وسواه أن قائد الجيش لا يخفي سعيه الى الرئاسة. هو مرشح نفسه مقدار ما يرشحه آخرون. أحاط نفسه بفريق عمل فيهم ضباط حاليون وآخرون متقاعدون يجزمون أمام مَن يجتمعون بهم بوصوله الى المنصب. 2 ـ ليس الاتصال الأول للحزب بقائد الجيش بعد حادثة الكحالة في 10 آب لم يُرضِ فيها أداء الجيش فريقَيْ ما حدث يومذاك، الحزب وأهالي البلدة. بيد أن ثمة مآخذ مضافة زادت في إرباك علاقة القيادة بالحزب. مصدر الإرباك الذي أفضى الى امتعاض وانزعاج، رفض عون إعادة الأسلحة المنقولة في الشاحنة المنقلبة في الكحالة قبل إتمام التحقيق الجاري وتحديد المسؤوليات، فيما طلب الحزب استعادتها للفور.

 

يريد عون أيضاً تفادي رد فعل أميركي سلبي سينجم عن إعادة السلاح الى الحزب. استعجال حزب الله استعادة ذلك السلاح للحؤول دون سابقة بعدما اعتاد الجيش في أوقات ماضية تسليمه للفور أسلحة صار الى اكتشافها أو صادرها، ولا سيما التي كانت تدخل الى الأراضي اللبنانية من سوريا. مصدر الحذر أن السفارة الأميركية تراقب أداء القائد بدقة في وقت لا تخفي عدم ممانعتها وصوله الى رئاسة الجمهورية. إلا أنه قيد الفحص اليومي. 3 ـ بعض المعلومات المستقاة من اجتماع الرجلين أنهما ناقشا ـ الى تصويب العلاقة بين الحزب والجيش بعد حادثة الكحالة ـ الاستحقاق الرئاسي في باب عمومياته وضرورة حصوله، مقترنة بتأكيد رعد موقفَين أبلغهما الى قائد الجيش: مرشحه للرئاسة هو حليفه وصديقه فرنجية، إلا أن الحزب يربط مستقبل الرئاسة بالحوار اللبناني ـ اللبناني. مع أنه يعرف سلفاً أن ثباته على ترشيح فرنجية ليس ابن حوار لبناني ـ لبناني مقدار ما هو خيار الثنائي الشيعي وحده، إلا أن التفكير في خيار سواه يقتضي انبثاقه من حوار داخلي يدرك الحزب أن من الصعوبة بمكان الوصول إليه. 4 ـ ليس سهلاً على حزب الله توأمة تمسكه بفرنجية رئيساً للجمهورية وفتح نصف الأبواب مع عون. في الشهور المنصرمة في الشغور الرئاسي، لمس التأييد الذي يحظى به قائد الجيش، على الأقل لدى أكثر من نصف أعضاء دول الخماسية بين اجتماعات باريس وقطر. مع ذلك، وقف على طرف نقيض منها بالإصرار على فرنجية. المعضلة الفعلية لحزب الله أنه قبالة معادلة أقرب ما تكون الى مفاضلة بين سيّئ وأسوأ. الأصح أنه واقع بين «شرّين»: شرّ باسيل الذي يحتاج إليه لانتخاب فرنجية واستعادته الغالبية النيابية دونما أن يجعل منه رئيساً، وشرّ قائد الجيش إذ يفضّله أن يكون ظهيراً له لا على رأس الدولة. ربما قلّة يعلمون أن الرئيس ميشال عون، عندما اختار القائد الحالي للجيش على رأس المؤسسة العسكرية في آذار 2017، لم يتلقّف حزب الله الخيار برضى وارتياح، قبل أن يضيف الرئيس السابق أنه الضامن. 5 ـ قد يكون باسيل أحد أبرز ـ إن لم يكن الوحيد ـ المصوَّب إليهم من لقاء رعد وعون. حواره مع حزب الله مستمر، بيد أن شروط التيار الوطني الحر الى تزايد دونما أن يمتلك الحزب بمفرده مقدرته على منحه ما يتقاسمه معه آخرون في مجلس النواب كالرئيس نبيه برّي وكتلة «اللقاء الديموقراطي» والنواب السنّة. بدأت لقاءات نائبَي الطرفين: آلان عون وعلي فياض كلجنة مكلفة درس مشروع قانون اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة. ليس أدلّ على خيار نائبين فقط لا يملكان سلطة التقرير سوى أحد مؤشرات أن أوان الاستحقاقات الفعلية لمّا يزل بعيداً: انتخاب الرئيس وقانونا اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني. مع ذلك كله، لم يقل باسيل علناً إنه ذاهب الى انتخاب فرنجية.