لا يزال لبنان يستقطب عدداً من الشخصيات والموفدين الدوليين، على رغم فشل حكّامه في الإتفاق على تأليف حكومة جديدة.
وفي السياق، تأتي زيارة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل اليوم إلى بيروت، كرسالة واضحة مفادها أن الأوروبيين لن يتركوا هذا البلد لمصيره وهم مع الشعب اللبناني.
لا شكّ أن أوروبا بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كانت المبادِرة الأولى لإنقاذ لبنان بعد إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب، لكن مبادرته اصطدمت بعقبات خارجية وداخلية على حدّ سواء، ما جعل البلاد تدفع الثمن الأكبر نتيجة فشل الحكّام.
وتأتي زيارة الموفد الأوروبي بعد مؤتمر الدعم الدولي الذي نظّمته باريس من أجل دعم الجيش اللبناني، والذي شكّل تأكيداً واضحاً على أن أوروبا والمجتمع الدولي لن يتركا الجيش اللبناني ينهار ويدفع ثمن السياسات الخاطئة، لأن أي خضة أمنية قد تحصل في لبنان ستطال شظاياها دول حوض البحر الأبيض المتوسّط وكل دول المنطقة بلا استثناء.
وسيكون جدول لقاءات بوريل حافلاً، إذ إنه سيلتقي المسؤولين اللبنانيين إضافةً إلى شخصيات مدنية، لكن المعلومات تشير إلى أنه لا يحمل في جعبته أي مبادرة جديدة بل إنه سيركّز على أهمية تطبيق المبادرة الفرنسية لأنها تُشكّل خشبة خلاص للوضع اللبناني.
ومن جهة ثانية، سيُصرّ الموفد الأوروبي أمام المسؤولين على ضرورة تأليف حكومة سريعاً، لأن إبقاء البلاد بلا حكومة سيدفع الوضع نحو الإنهيار الأكبر، ولذلك فهو سيحثّ الأطراف على تقديم تنازلات من أجل المصلحة العامة.
ويحضر الهمّ الإقتصادي خلال لقاءات بوريل، إذ إن أوروبا من أكثر الدول تخوّفاً على الوضع المعيشي في لبنان، وترى أن الأزمة الإقتصادية اللبنانية من أصعب الأزمات عالمياً وستؤثّر سلباً على الأمن، ولكن يمكن تدارك الموقف وحلّ الأزمة إذا أراد المسؤولون ذلك، والمدخل الأساسي لأيّ حلّ هو عبر بوابة واحدة هي تطبيق الإصلاحات من أجل الحصول على دعم صندوق النقد الدولي وتطبيق مندرجات مؤتمر سيدر، ولكي يشعر المجتمع الدولي بأن هناك عملاً فعلياً انطلق على الأرض وقد توقّفت مزاريب الهدر التي تنهش خزينة الدولة اللبنانية.
وأمام كل هذه الوقائع، فإن أوروبا والدول الفاعلة لا تُخفي غضبها على حكّام لبنان الذين يفضّلون مصالحهم الخاصة على المصلحة الوطنية ويعرقلون تأليف حكومة، من أجل تحقيق أكبر قدر من الحصص والمكاسب، لذلك ترى أوروبا أن الإستمرار بهذا السلوك في الحكم سيؤدي إلى كارثة حقيقية سيصعب مع الوقت حلّها.
وبالتالي، سيبقى سيف العقوبات الأوروبية مصلتاً فوق رقاب الحكام، وهذه العقوبات ستشمل المُعرقلين… والفاسدين بشكل أساسي.
وإذا كانت دول أوروبا تُنسّق تحرّكاتها تجاه لبنان مع بعضها البعض، إلا أن الرئيس ماكرون لا يزال يراقب الوضع اللبناني عن كثب، ويتدخّل ساعة تدعو الحاجة، وهذا ما فعله خلال تنظيمه المؤتمر الدولي لمساعدة الجيش، خصوصاً وأن القرار الأوروبي واضح في هذا المجال، وهو منع تفكّك الدولة اللبنانية وتحويلها إلى دويلات متقاتلة تُصدّر النار إلى دول الجوار.