Site icon IMLebanon

أصبحنا بوياجِيَّة يا دولة الرئيس

 

لفتني ما قرأْتُ نقلاً عن لسان الرئيس نبيه برّي أمام زواره قائلاً: “نحن لسنا بوياجِيَّة في هذا البلد…”

وأنا… وإنْ كنت في الغالب على تقارب في الرأي مع الرئيس برّي، إلّا أنني اليوم أعارضه وأردّ عليه معترضاً: لا يا صديقي، نحن أصبحنا في هذا البلد أشبه بالبوياجِيَّة مهنتنا مسح الأحذية، حتى أن النائب وليد جنبلاط تمنى يوماً “أن يكون زبّالاً في نيويورك”، على أن يكون مسؤولاً في دولة هذا البلد.

هذا البلد الذي رصَّع التاريخ بحضارة تألَّقت بين الأزرقَيْن، كم أَسفتُ عليه وقد غادرته منذ حين، وحين عدت إليه مقارِناً بين أمجاد ماضيه والحاضر الذي هو فيه، خُيِّلَ إليّ أن هناك من خطف الطائرة الى مجاهل المدنية وحضارة الهنود الحمر.

أنا يا صديقي بتُّ أخجل بلبنانِّيتي، أخبِّئ هويتي، أُخفي لهجتي، وأرتدي اللباس التنكُّري.

بفضل مَنْ “طلعتْ ريحتهم”، وكلِّ من سبقَهُمْ من أصحاب الروائح الكريهة والأخلاق القبيحة والأيدي الرشيقة والضمائر الفاسدة والوطنية الزائفة والمسؤولية الماكرة… بفضل أولئك وهؤلاء، ماذا بقيَ من لبنان في لبنان. وماذا بقيَ: من حضارته وريادته وسيادته وديمقراطيته وجمهوريته وسلطته ورئاسته وثقافته وصحافته ومؤسساته الشرعية وكرامته الدولية بين الأمم؟

ماذا بقي من مالِه وغلاله واقتصاده وأسواقه وفنادقه ومصانعه ومتاجره وسياحته، وكل مصادر الخير وأبواب الرزق؟

هذا البلد يا صديقي، أُقفِلتْ في وجهه المنافذ والحوافز، فانعزل عن الأشقاء والأصدقاء والمنابر الدولية والمحافل، وانتهك حقوق الإنسان التي كان من واضعي شرعتها.

هذا البلد بات يشتهر بالفضائح والقبائح والروائح، وفيه ما فيه من أوكار الفساد والسلب والنهب والإختلاس… وفيه ما فيه من أوكار الدعارة والإتجار بالبشر حتى أصبح “حاميها حراميها”، “حراميها” الأمني وحاميها البغائي.

وكما يولَّى عليكم تكونون…

يا صديقي: ألا ترى معي أن هذا البلد في حالة احتضار، وأن هذا الشعب تكبَّدَ مِنْ تراكُم البؤس واليأس ما يفوق طاقة الإحتمال في مسيرة الموت البطيء، وبات يلجّ في نفسه الغضب حتى الثورة، وحتى الجنون ودَكِّ أسوار سجن الباستيل وسَوْقِ الملك والملكة والحاشية الى المقصلة؟

ألستَ أنتَ من قلت أيضاً أمام زوارك “إنّ الأمر إذا ما استمرّ فإنك لن تسكت بعد اليوم”؟

وأنا… إنْ عجبتُ بك كيف تسكت حتى اليوم، وأنت تحمل بقيةً من بوارق الأمل، فإني أعهدَك اليوم منتفضاً تحطِّم جدار الصمت صارخاً بمَنْ “طلعتْ ريحتهم”، إذهبوا بريحة طيبة.