لم يتوقع اي طرف سياسي ان يملأ الشاب وليد جنبلاط مكان والده الراحل كمال جنبلاط كون الاخير كان مدرسة في السياسة وفي التأمل التجاوزي لا سيما وان حلول «ابو تيمور» في قيادة الطائفة الدرزية جاء في مرحلة استثنائىة كانت في عز حروب العبث وبدكّ الدماء الطائفية، واظهر الشاب الجنبلاطي في مسيرته السياسية حنكة وقدرة على قيادة طائفته ربما عجز عنها «المعلم» وان اختلفت الاساليب في مقاربة كليهما للملفات في المراحل المصيرية فأثبت جنبلاط ان الولد سر ابيه وان بعض التلاميذ تفوقوا على معلميهم وفق اوساط مقربة من الحزب التقدمي الاشتراكي.
وتضيف الاوساط نفسها ان جنبلاط قد يكون من اكبر اللاعبين الذين استفادوا من التجارب ومن الارث السياسي الذي وصل اليهم لذلك يحرص في مقاربته للامور الا يلدغ من الجحر مرتين ولكنه معروف بعشقه «للركمجة» اي ركوب الامواج ويتفنن في استشراف عملية المد والجزر في لعبة السياسة يقلب المعطيات ليبني على الشيء مقتضاه غير آبه بالاخرين ونظرتهم الى مواقفه الزئبقية فيكف اذا كان الزمن استثنائىا ومصير طائفة الموحدين الدروز «في الدق» فهو جاهز لتطبيق مقولة الرئىس الراحل كميل شمعون «التعامل مع الشيطان» في سبيل مصلحة الدروز التي هي لديه فوق كل اعتبار.
وتشير الاوساط الى ان جنبلاط الذي اكتوى بنار 7 ايار ادرك ان لا مخرج لديه الا «بالوسطية» في ظل الصراع الحاد بين 8 و14 آذار اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري فاللعب بين اكثريتين مقتل للاقليات، والخلاص وفق تجربته يكمن في الوقوف على مسافة واحدة بينهما وحاول تدعيم جدران الوسطية بالتحالف مع الرئيس ميشال سليمان ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الا انه بقي وحيدا بعد انتهاء ولاية سليمان ورحيل حكومة ميقاتي، على رغم وحدته القسرية نجح في اختراق المستنقع السياسي بالعمل على خلق حوار بين «حزب الله» و«المستقبل» بعد قراءته المتأنية للظروف الاقليمية كون هذا الحوار تتقاطع مصالح اقليمية ودولية حول جدواه الا ان جنبلاط لم يدع لحضوره على الرغم من انه لعب دور العراب الى جانب الرئيس نبيه بري في التمهيد له.
وتقول الاوساط ان جنبلاط فتح قنوات مع الجميع وان عداءه لدمشق يعود الى اسباب تتعلق باغتيال والده بالدرجة الاولى وان مسايرته لها ايام الوصاية كانت من باب التقية وعلى قاعدة «مكره اخاك لا بطل» الا ان معظم القنوات المفتوحة لديه تعاني بعض الانسداد كون زئبقية مواقفه وضعته في اطار الشكوك من قبل الافرقاء فلا هو موثوق من 8 آذار وكذلك حاله مع 14 آذار اما علاقته مع السعودية فلا تتعدى الشكلية علما انه حاول ترميمها عبر نجله تيمور والوزير وائل ابو فاعور وحاول تقديم الكثير من الاوراق للمملكة الا ان الاخيرة لن تغفر له انقلابه على حكومة الرئيس سعد الحريري.
الا ان اللافت في مواقف جنبلاط انه انقلب من عدو «للوحش التكفيري» الى تبرئة «جبهة النصرة» و«داعش» من تهمة الارهاب وجاء ملف العسكريين المخطوفين ليفتح قنوات مع التنظيمين التكفيريين عبر ابو فاعور وكان السباق في طرح مسألة المقايضة واضعف بذلك موقف حكومة الرئيس تمام سلام في عملية المفاوضات لا بل فتح على حسابه بتكليف وزير الصحة نائب رئيس بلدية عرسال احمد الفليطي بالتفاوض مع التكفيريين علما ان هذا الامر يتعلق بوزير الداخلية نهاد المشنوق وليس بوزير الصحة و«غير مطابق للمواصفات».
وترى الاوساط ان جنبلاط الذي سافر الى مصر بزيارة عائلية مصطحبا معه النائب السابق ايمن شقير منتقلا الى المطار بسيارة تاكسي لاسباب امنية سيقوم بجولة مكوكية بعد 10 من كانون الثاني المقبل الى عواصم غربية واقليمية وقد يلتقي الحريري في باريس الا اذا حصلت معجزة تفتح ابواب الرياض له بعد زيارة الدكتور سمير جعجع للمملكة والزيارة المرتقبة للرئيس امين الجميل كون المملكة تقوم بجوجلة المواقف لانضاج الطبق الرئاسي وملء الشغور في قصر بعبدا فهو قد حفظ له مكانا استباقيا بترشيح النائب هنري حلو فهل توجه الدعوة اليه لزيارة السعودية من هذا المنطلق ام ان العلاقة معها ستبقى عبر قناة غير مجدية كون اللاعبين الكبار في المملكة لم يفسحوا المجال لها لان الحريري ممر اجباري لجنبلاط وفق صناع القرار السعودي.