لا أحد يسقط عن جونية رمزيتها في الوجدان المسيحي العام والماروني الخاص في أي استحقاق عام، فكيف مع إنتخاباتها البلدية والإختيارية في زمن مختلف؟
ومع مؤشرات سقوط التوافق في زحلة عاصمة الكثلكة في ظل ثبات مفاعيل التحالف هناك بين «القوات اللبنانية» و»التيّار الوطني الحر»، وتواتر الأنباء غير المؤكدة عن سقوط التسوية في مدينة جبيل بعد رفض «التيار» التسوية المطروحة من قبل رئيس بلدية جبيل زياد حوّاط ودعم «القوات» الواضح لحوّاط…، تتحول الأنظار بقوة نحو عاصمة قضاء كسروان-الفتوح، في المدينة التي تمثل نبضاً يصعب إخفاؤه كونها عاصمة الموارنة وتحتضن الكرسي البطريركي من جهة، وتشكّل بالضرورة مختبراً أساساً لموقف الحزبين يفوق أهمية الموقف المتخذ في زحلة وفي جبيل، وأيضا لمواقف الأحزاب المسيحية الأخرى لا سيما «الكتائب اللبنانية»، ولذلك المزيج من ثقل عائلاتها التاريخية وللخرق الواضح الذي يمثله خط مستقل يحسب له أكثر من حساب.
لا تحيد الأحزاب عن مقولة التوافق والتعاون وعدم استثناء أحد. هذا أمر ثابت وجوهري. لم يكن الأمر كذلك في السابق على الصعيد الوطني وأيضاً على صعد الأقضية، باستثناء مدينة جونية في إنتخابات مجلسها البلدي قبل ست سنوات. فقد سلف الجميع لرئيس «جمعية الصناعيين اللبنانيين» يومها ورئيس «المؤسسة المارونية للإنتشار» اليوم نعمة افرام توافق على عمه أنطوان افرام، بهدف تحييد المدينة صراعات وإنقسامات حادة كانت لتقع حتماً، ولتركيز الجهد على الإنماء فحسب، وهذا ما حصل.
من جهته، يلاقي افرام الجميع أيضاً وفاقياً اليوم، فهو العنوان لتجسيد المصالحات وترجمة النوايا الحسنة، ولا يمكن له أن يقبل أن تكون مدينته ولو في الحلم عقبة في وجه الوفاق المسيحي- المسيحي.
إليه، يسعى افرام إلى إيصال كادرات شبابية متخصّصة من خارج عائلته، بالتعاون مع كافة الأفرقاء من أحزاب وشخصيات سياسية وعائلات، وهو ما يشجعه الجميع ويشكل نقطة تلاق نادرة في الرغبة على دمج التوافق بالإنسجام والتكامل والتجدد والقدرة على الإنتاج الفاعل.
هي صورة زهرية، لولا افتتاح الحملات الإعلانية من جانب واحد، الأمر الذي ينذر بمضاعفات وردود ومواجهة حتمية وخروج عن الجو التوافقي وذلك من قبل الرئيس الأسبق للمجلس البلدي جوان حبيش المقرب من «التيار الوطني الحر». فقد انتشرت على طول الطريق السريع في جونية لوحات إعلانية توحي بمعركة، ترافقت مع كتابة مقالات وتوجيه اتهامات على مواقع التواصل الإجتماعي بحق بلدية جونية وشخص نعمة افرام.
هل في الأمر حالة إعتراضية؟ هل هي مناورة «طبيعية» لتحسين شروط التفاوض؟ أو قرار بالمعركة؟
بالمقابل، ينشط فادي فيّاض الشاب الذي لمع إسمه في المجتمع الأهلي على شتى الصعد، فقد التقى قيادات الأحزاب كافة أكثر من مرة في جلسات إتسمت بالإيجابية، ومع العائلات الفاعلة التي تربطه بها صِلة قربى ومودّة، وعلى ما يبدو لا إشكالية على شخصه وهو المقرّب من افرام الذي يتبنّى ترشيحه.
بدوره، يطمح نائب الرئيس الحالي فؤاد بواري للرئاسة أيضاً، وهو شخصية مخضرمة ذات خبرة واسعة في المجال البلدي تحظى بالإحترام. من المفارقات، أن بواري الذي كان مقرباً من النائب السابق منصور غانم البون، شكل اليد اليمنى لعهد أنطوان افرام الرئيس الحالي للمجلس البلدي! البون لم يكشف عن كامل أوراقه بعد، فهو يعيد شبك قاعدة مفاتيحه السابقة مع انفتاح على «التيار»، في الوقت عينه تتوجه الأنظار إلى الدور المرتقب للنائب والوزير السابق فريد هيكل الخازن، الذي يقول في مجالسه أنه إلى جانب افرام في مسيرة التوافق. لكن، ليس من وضوح في موقفه في التوافق مع من ضد من، خصوصاً وهناك من يتوجس من توجيه رسالة رئاسية من خارج القضاء، عبر الإنتخابات البلدية في جونية، ما يمكن أن يؤدي إلى سقوط التوافق الشامل حكماً، ووقوع معركة جزئية وربما واسعة.
مصادر متابعة قريبة من النائب السابق فريد هيكل الخازن، ترى المعركة من زاوية مختلفة، إذ انها تعتبر ان الاحزاب المسيحية تقاتل بغير الحزبيين في جونيه، فلا الرئيس السابق جوان حبيش منتم للتيار العوني، وهو يحظى بدعم الجنرال عون المطلق، ولا المرشح فادي فياض منتم لحزب القوات اللبنانية، مع انه يحظى بتأييد القوات ورئيس المؤسسة المارونية للانتشار نعمة افرام.
وتقول مصادر النائب السابق الخازن، إن بوادر معركة انتخابية بدأت تظهر ملامحها، بين ائتلاف العائلات في جونية، والتيار العوني، خصوصا ان النائبين السابقين منصور غانم البون، وفريد هيكل الخازن، قد انجزا اتفاقهما، على التشكيلة البلدية، وهذا يعني وجود ثلاثة محاور، هي:
لائحة جوان حبيش المدعومة من التيار العوني.
لائحة فادي فياض المدعومة من رئيس المؤسسة المارونية للانتشار نعمة افرام.
ولائحة ثالثة بدأت تتظهر معالمها، وتضم إئتلاف العائلات في جونية، مدعومة من النائبين السابقين البون والخازن.
وتشير مصادر متابعة لمسار العملية الانخابية في بلدية جونية، الى ان مفاوضات بدأت للخروج بتشكيلة تجمع بين لائحة العائلات، وتلك التي يدعمها افرام، عندها تنحصر المواجهة بين لائحتين.
وتضيف ان هذا الامر دونه عقبات، اولها، إنتظار مساعي التوافق التي تقوم بها القوات اللبنانية قبل ان تتخذ قرارها بالانضمام الى هذه اللائحة او تلك، خصوصا ان القوات أقرب الى فادي فياض منه الى اي مرشح آخر، وفي حال إندمجت لائحة العائلات بلائحة فياض ستجد القوات نفسها في موقع المحرج، وقد تنحاز الى خيار فياض.
ما هو واضح أن تباشير تحمية الماكينات الإنتخابية قد بدأ ولو بطريقة خجولة وبالحد الأدنى، في بلدات المدينة المؤلفة من حارة صخر وغادير وصربا وساحل علما، مع عدد إجمالي للناخبين يبلغ نحو 16 ألفاً، يقترع منهم نحو 10 آلاف. والمؤكد أنه ليس من لوائح بعد يعمل على تشكيلها، ولا شيء نهائياً بالنسبة إلى المواقف والتحالفات والتسويات أم المعركة.
الواضح ايضا ان نعمة افرام يعمل بجهد استثنائي لتجنيب مدينة جونية برمزيتها، معركة انتخابية قد تزيد الانقسام في المدينة، وتعوق عملية الانماء، التي سبقها اليها الكثير من المدن اللبنانية، وهذا ما يجعل من إفرام، عامل توحيد وجمع، بعنوان إنمائي واضح، يضع السياسة في خدمة الانماء، وليس العكس.
والأكيد أنه سيكون لعنصر الشباب الدور الفاعل هذه المرة في الخروج عن تقليد انتخابي لطالما طبع جونية، ينقل التمحور فيها نحو التغيير والتجدد والإنماء قبل السياسة والعائلية. يبقى ان الأيام القليلة المقبلة ستكون كفيلة بتظهير كل ما يلزم إيضاحه، «قمح « التسوية أو «إعلانات« المعركة».