IMLebanon

جونية ليست زحلة ولو تشابهت الصراعات والتوظيف السياسي الاستباقي مغامرة متسرعة

فيما صُوّبت الانظار بقوة عشية الجولة الثانية للانتخابات البلدية والاختيارية على مدينة جونية باعتبارها المدينة التي يمكن ان تؤسس او تثبت انتصارا ساحقا لجهة سياسية ما تسعى الى تسييلها في نتائج او مطالب سياسية كبيرة في مرحلة لاحقة، اعتبرت مصادر سياسية ان من الخطأ اسقاط تجربة انتخابات زحلة على انتخابات جونية يوم الاحد المقبل واستباق تعميم الانتصار “المدوي” لهذا الطرف او ذاك لاعتبارات عدة. وقد استفزت مسارعة العماد ميشال عون الى السعي لقطف تجيير انتصار مسبق في جونية لتياره او التأثير مسبقا على وقع ما حصل في زحلة بقوله ان “زحلة امتدت الى كل لبنان وان جونية عاصمتي الانتخابية”، متمنيا على اهالي الاخيرة تأييد اللائحة التي تؤيدها فاعليات سياسية عدة في المدينة. والغمز من قناة انتخابات جونية يستند الى انه “كما ان اجراء الانتخابات البلدية اسقط ذريعة عجز السلطة عن اجراء انتخابات نيابية فان نتائج الانتخابات البلدية ربما تسقط ذرائع اعتراضات رئاسية”. الا ان حسابات البيدر قد لا تطابق حسابات الحقل. اولاً لان انتصار تحالف “القوات” و”العونيين” مع الكتائب في زحلة ادى الى الحصول على 40 في المئة وهو ما لا يعني اجتياحا بل نجاح تقني كان يمكن دحضه بسهولة لو ان خصوم اللائحة تحالفوا او احسنوا اقامة التحالفات. وثانيا لان استباق انتخابات جونية بتعميم الانطباع عن انها ام المعارك المسيحية والتي ستفضي الى نتائج مدوية ستكون لها مفاعيلها الحتمية على انتخابات رئاسة الجمهورية، هو امر ليس في مكانه وليس صحيحا. اذ ان ما يحصل في جونية هو انقسام فعلي للعائلات بين لائحتين احداهما لجوان حبيش الذي يحظى بدعم التيار العوني والكتائب والاحرار والعائلات، في حين ان حبيش وحده استطاع سابقا الفوز بنسبة 40 في المئة في المدينة وكانت كل الاحزاب ضده، واللائحة الثانية برئاسة فؤاد البواري التي، على عكس التحالف في زحلة بين “القوات” و”العونيين” اللذين كانا في مكان واحد، فهي تحظى بدعم تكتل العائلات من منصور غانم البون وفريد هيكل الخازن ونعمت افرام وفارس بويز، الى جانب “القوات اللبنانية”. وتاليا فعلى افتراض ان لائحة حبيش يمكن ان تفوز بنسبة 55 في المئة مثلا، فان العونيين قد يكونون اعطوا اللائحة ما نسبته 10 في المئة في مقابل 5 في المئة مثلا للعائلات في مقابل تأمين حبيش 40 في المئة. ثم ان الافتراق بين “القوات” وعون في جونية ينهي احد عوامل اسقاط نتائج زحلة على جونية، في حين ان العوامل الاخرى تستند الى ان في الجانبين مرشحين من العائلات نفسها، وتاليا هي معركة اشخاص وعائلات قبل ان تكون معركة سياسية يمكن تجييرها في خانة احد الاحزاب او تجييرها سياسيا على نحو مسبق او لاحق، كما سيتعذر تحليل نتائجها على اساس سياسي وسيكون من الخطأ الكبير ان يحصل ذلك. وليست ام المعارك ايضا لان التسمية تطلق غالبا على صراع سياسي بين خطين سياسيين متناقضين وبعناوين سياسية مختلفة، وهي ليست الحال بين اللائحتين في ظل توقعات بفوز متداخل بينهما وليس فوزا محققا للائحة واحدة كاملة. فاذا كانت جونية هي عاصمة المسيحيين كما يراد تظهيرها، فان اللوائح الائتلافية لن تؤدي الى انتصار احد او فريق محدد، وليست انتصارا للاحزاب السياسية بالمقدار نفسه.

والحال نفسها تصح على زوق مكايل حيث تتنافس لائحتان ائتلافيتان ايضا المفارقة فيهما التمييز بين انضمام التيار الى احداهما، اي لائحة ايلي بعينو بثلاثة اعضاء من 15 الى جانب مرشحين لـ”القوات” ومرشحين لفارس بويز ونهاد نوفل، وانضمام العونيين الى اللائحة الاخرى برئاسة وفيق طراد ومعهم ايضا الكتائب وفارس بويز. ويعود ذلك الى عجز التيار العوني عن التوفيق بين محازبيه. كما يخشى ان يكون العامل المادي الموجود بقوة في المعركة الانتخابية في جونية مؤثرا بنسبة كبيرة على فاعلية التوظيف السياسي لنتائج المعركة البلدية المرتقبة. ثم ان البعض يعتبر ان توجيه الانظار بقوة الى جونية يعود الى ان معركة جبيل

مثلا، وهي مهمة ايضا بابعادها المعروفة، محسومة ولا حصة اساسية فيها لانتصارات حزبية يمكن توظيفها سياسيا.

والخلاصات التي ادت اليها الجولة الاولى من الانتخابات البلدية والتي تكتسب اهمية كبرى في هذه المرحلة باعتبارها باتت تشكل استفتاء لمزاج الناس ونقمتهم على الطبقة السياسية في ظل التمديد لمجلس النواب، هي انها وضعت كل القوى السياسية التي خاضت الانتخابات في مناطقها حتى الان امام تحديات جدية. وما سرى ويسري على الرئيس سعد الحريري في بيروت مثلا او على “حزب الله” في مناطقه في البقاع، سرى بالقوة نفسها على الافرقاء المسيحيين لا سيما طرفي التحالف الاخير اي “التيار العوني” و”القوات” في ضوء ما جرى في الاشرفية. فثمة علامات استفهام كثيرة اثيرت وستثار في ضوء دراسة مفصلة لكل مراكز الاقتراع والنتائج بحيث يفترض ان تكون عاملا لاعادة النظر في مسائل عدة. لكن ينبغي الاقرار بان لا الانتصار في زحلة عُدّ انتصارا فعليا ولا كذلك الامر في بيروت. لعل الاسباب من جهة ان الانتخابات البلدية حملت ابعادا سياسية اكثر مما تحتمل، وهي على الارجح يصعب ان تحمل مفاجآت بمعنى تغيير المعادلات السياسية القائمة لا لجهة اعطاء دفع قوي لاحد على حساب آخر ولا لجهة تحجيمه ايضا.