قُيِّضَ لنا، معشر الصحافيين، أن نمُرّ في تجارب مختلفة، وأن نتعرّف إلى سائر (أو الكثير من) أنماط الشعوب، والأعراف، والتقاليد، وأساليب الحياة… ليس لأننا نختلف عن سائر الناس بمزايا، إنما لأننا على ترحال متواصل، بحكم مهنة البحث عن المتاعب، وبالتالي نتمكّن من الاحتكاك بشعوبٍ كثيرة نتعرّف إلى عاداتها وتقاليدها في بلدانها.
(ملاحظة : على سيرة «مهنة البحث عن المتاعب»، فأنا أطلقتُ على الصحافة اللبنانية تسمية «مهنة البحث عن راحة البال»، لأن المرء لا يبحث إلا عمّا يفتقده، ونحنا لدينا فائض من المتاعب، وبالتالي ليس ثمة ضرورة للبحث عن المزيد… وليس قطاع الصحافة، وحده، الغارق في المتاعب، إنما لبنان كلّه).
وبالتالي يكفي أن يُغادر المرء الطائرة حتى تتبيّن له ملامح صورة واقعية عن البلد الذي يزوره وعن شعبه: هل هو نظامي أو منفلت؟ وهل هو نظيف؟ ومع الانتقال في السيارة من المطار إلى الفندق، أو أياً كان مقر الإقامة، تنبئه الطرقات بما إذا كانت الحكومة فاعلة أو «على دينتها»… ومن تبادل بضع كلمات مع السائق تتكوّن لديه فكرة عن ثقافة الناس وسُلم الأخلاق عندهم…
وتلك نماذج محدودة عن وسائل التعرّف إلى الشعوب، ولو لِماماً.
في إحدى زياراتي إلى ألمانيا، قبل التوحيد وبعده، ولعلّها كانت الزيارة الأولى، كنت أحتسي فنجان قهوة فى ذلك الملهى الشهير في برلين الذي فجّره عملاء المخابرات الليبية بأمر من معمر القذافي، ولفتني ما كان مُدَوَّناً على الفنجان بثلاث لغات (الألمانية والفرنسية والانكليزية) وترجمته: إذا أردت أن تُطفئ السيجارة في هذا الفنجان فأخبرنا كي نقدم لك القهوة في منفضة السجائر… وفي زيارة ثانية إلى ألمانيا، كنت أتسكٌع في أحد شوارع فرانكفورت، فلفتني متجر الفاكهة والخضار، فولجت داخلاً لشراء بعضها، فتمنّعت البائعة بكثير من اللطف والتهذيب، موضحة أنها تلتزم القانون الذي يُحظّر عليها المبيع بعد الساعة السادسة مساءً. فقلت لها: ولكن باب المتجر مفتوح… فاكتفت بهذه الكلمات: إنها الساعة السادسة وأربع دقائق والقانون يفرض عليّ التوقف عن المبيع، لا أن أُقفل الباب أو أن أتركه مفتوحاً…
وبرسم المحال التجارية عندنا، وخصوصاً الكثيرين منهم الذين كلّما تراجع سعر صرف الدولار، رفعوا أسعار السلَع.