مرة جديدة يثبت الكيان الإسرائيلي عجزه في الميدان المباشر بمواجهة المقاومة وجها لوجه، فيلجأ إلى التعويض عن إخفاقه بمحاولة إسكات الصوت والصورة اللذين يوثّقان جرائمه وعجزه العسكري في غزة ولبنان، من خلال التدمير وقتل المدنيين والطواقم الصحفية التي قدمت حتى الآن عشرات الشهداء والجرحى في إطار مواكبتها للتطورات الميدانية.
ما حصل من استهداف متعمّد، وعن سابق تصميم لأماكن إقامة مجموعة من الصحافيين في حاصبيا جنوب لبنان، والذي أدّى إلى استشهاد ثلاثة زملاء صحافيين هم: «مصور المنار وسام قاسم، ومصور الميادين غسان نجار، ومهندس البث في الميادين محمد رضا» بالإضافة إلى جرح عدد آخر؛ يعكس وبوضوح إفلاس العدو من أهدافه المزعومة بضرب نقاط عسكرية، ومواقع لحزب لله. فنراه مرة أخرى أمام مواجهة مع عدسات الكاميرات التي تلاحق جريمته وتوثّقها، كما وتلاحق فشله وعجزه ميدانيا وتوثّقهما، فيما يلجأ هو لكمِّ الأفواه بالقتل والنار وتعتيم الصورة بارتكابه الجريمة تلوى الأخرى بحق ممن يفترض أن القانون الدولي يفرض على كل المتحاربين، أياً كانت الجبهة التي يقاتلون فيها، حماية الجسم الإعلامي وعدم التعرّض له.
ربما هذا النوع من القوانين التي تحميها مواثيق الدول ينطبق على الملتزمين بها والحريصين على تطبيقها واحترامها. ولكننا أمام عدو، يضرب بعرض الحائط كل تلك القوانين والمواثيق. وميثاق الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان لا ينسحب عليه، خاصة وأنه يتمتع بحماية دولية لا سيما من الولايات المتحدة، التي ترفع شعار الديمقراطية وحرية الإنسان، وضرورة تطبيق القانون الدولي، للهم إلّا على ربيبتها إسرائيل التي سبق وان قام ممثلها في مجلس الأمن علنا بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة مستندا على الفيتو الأميركي.
نعم ما حصل ويحصل من استهداف للإعلام، يشير بشكل لا شك فيه أن كل المحرّمات سقطت أمام الاحتلال الاسرائيلي، وهي ممعنة بتدمير وقتل وتهجير الشعوب انسجاما مع مخططاتها التوسعية في المنطقة. فما أدّت إليه آلة الحرب الإسرائيلية على مدى عام وأكثر، من قتل للصحافيين، أكان في غزة أو في لبنان، لن يثني أصحاب الموقف الحر والإعلام المتجرّد والموضوعي من استكمال مسيرته وملاحقة الاحتلال بعدسته وصوته في كل موقعة يرتكب فيها الاحتلال جرائمه.
انطلاقا من أن حرية الصحافة تكفلها دساتير الدول وقوانين الأمم المتحدة نسأل:
– ما هي أهداف الاحتلال الإسرائيلي من ضرب الطواقم الصحفية التي تعمل على نقل الصورة من أرض الواقع؟
– هل بات صوت المراسل وعدسة المصور يشكّلان تحدّيا حقيقيا لكيان، لطالما تعاطى مع إعلامه بالتعتيم وكتم الحقائق عن جبهته الداخلية؟
– هل ما يحصل من استهداف للصحافيين على اختلاف تموضعاتهم المهنية يعكس حجم هزيمة مبطنة ستظهر معالمها مع قادم الأيام من خلال وقائع الميدان؟
وأيضا.. وأيضا، أين هو دور من يفترض أنهم مرجعية دولية لحماية العمل الصحفي، وخاصة في الحروب، مما يجري من تجاوز وقتل للقانون الدولي من قبل شريعة الغاب «الكيان الإسرائيلي».
في الختام أثبتت التجربة، على مدى العقود الماضية، أن مخرز الاحتلال وعبثية حروبه لم ولن تتغلب على عين الحقيقة مهما بلغت التضحيات، ومهما بلغ سيل الدم النازف من زملائنا الإعلاميين. نعم بإمكان الاحتلال أن يقتل ويدمّر ويعيث فسادا، إلّا أنه لم ولن يستطيع إسكات الصوت وكيْ الوعي وكمّ الأفواه التي فضحت، وستبقى تفضح، حقيقة جرائمه على مدار المشهد المترامي منذ ولادة هذا الكيان اللقيط وحتى زواله؛ بفعل إرادة الشعوب وصلابة المقاومين. إن ليل القتل قصير، وانبلاج النصر قاب قوسين، ومعه ترتسم صور زملائنا من عصام عبدلله الى فرح عمر وربيع معماري ووسام قاسم ومحمد رضا وغسان نجار، وباقة إعلاميي فلسطين المكللة بدماء القادة والشهداء.. وما النصر إلّا صبر ساعة.