Site icon IMLebanon

رحلة الأهوال

 

من جل الديب الى جسر الفيات مسافة تقطعها السيارة بنحو ربع ساعة وفي حال إزدحام السير تستغرق نصف ساعة على الأكثر. أمس إقتضى عبور هذا الطريق أربع ساعات ونصف الساعة، هذا كلام حقيقي ليس فيه أي مبالغة!

 

اجتياز بضعة كيلومترات لزم أربع ساعات ونصف الساعة! أي إن السيارات لم تكن تتقدّم مرات عديدة سوى بالسنتيمترات إذا تقدمت. وإلاّ كان على عشرات آلاف الناس أن تتحمل ما لا يحتمل.

 

لماذا؟

 

ربّما لأنّ المواطنين، في القطاع الشرقي من العاصمة بيروت، أرادوا أن يستعدوا لعيد الميلاد المجيد. فأقبلوا على الأسواق. وذلك كان ذنبهم الوحيد! وكان للتقادير إن كنت واحداً من هؤلاء الذين «علقوا « في هذا الفخّ.

 

واللافت أننا طوال «رحلة الأهوال» هذه لم نلحظ رجل شرطة واحداً. وعندما بلغنا، بعد المشقّة، جسر الفيات، لم يكن أمامنا سوى دقائق محدودة للوصول الى مكاتب «الشرق» في شارع رشيد كرامي (فردان).

 

فعلاً، إنها حال تتكرر بين وقت وآخر، والناس تعاني الأمرين في كل مرّة. وهي ضريبة كبيرة لا يدركها إلاّ من يعانيها!

 

فهل ثمة حل؟! وهل من أمل في إيجاد حلّ ما ؟!

 

 

نبادر الى القول إنّ لبنان، والعاصمة بيروت تحديداً، ليسا وحدهما بين دول وعواصم العالم، ما يعاني أزمة سير. ولكن هناك وسائط نقل بديلة لمن لا يريد أن يستقل السيارة. فالنقل العام متوافر لدى الآخرين، وبالذات قطارات الانفاق. أما عندنا فالوضع كما نعرف جميعاً!

 

لعلي ذكرت، في عجالة سابقة، أنّ أحد السياسيين البارزين عُين وزيراً للداخلية. وعلى عادته طلب استشارتي في ما يجب أن يطل به على الناس ويشكل «صدمة إيجابية». ومن دون طويل تفكير قلت له: ان تطل على اللبنانيين عموماً والبيارتة وسائر سكان العاصمة خصوصاً بخطة لتسهيل السير.

 

استغرب الرجل جوابي، واعتبرني أهزّر! وقال لي: ولكنني أريد «قضية كبرى»… وليس التلهي بأزمة السير. فذكرتُ له بضع ما يسميه قضايا كبرى، وختمت كلامي قائلاً: ولكن أزمة السير هي أكبر من هذه «القضايا الكبرى» كلها.

 

وبعد أسابيع على توليه مهامه قال لي: معك حق! فأزمة السير هي أكبر لأنها معاناة يومية للناس.

 

حدث هذا يوم لم يكن عدد السيارات بالحجم المضخّم اليوم. ويوم لم يكن نحو مئة ألف سيارة سورية (على الأقل) قد ضُخّت في شرايين الطرقات في لبنان، ويومها أيضاً كانت قدرة اللبنانيين على التحمل والصبر أشدّ بكثير مما هي عليه اليوم.

 

أخيراً هل نذكّر ما قاله لي، ذات يوم، صحافي أوروبي: تكفي نظرة الى طرقات أي عاصمة لتعرف ما إذا كان في البلد دولة! وأضاف: لا أقصد أزمة السير الموجودة في معظم بلدان العالم، إنما أقصد كيفية التعامل مع الأزمة!