IMLebanon

الجبير.. ولاريجاني

ذهب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى العراق بحثاً عن إعادة ربط ما تقطّع من أوصال وخصوصاً على أيدي نوري المالكي بأدائه وخطابه وانخراطه التام في الأجندة الايرانية.. وقبله صدام حسين عشية وخلال وبعد احتلاله الكويت وإشهاره حالة العداء مع كل جيرانها من أهل الخليج العربي.

مفاجِئة كانت زيارة الجبير الى بغداد، خصوصاً انه لم تسبقها أي مؤشرات تمهيدية تقاربية، بل العكس هو الذي سُجل، وتحديداً غداة تعيين (الوزير) ثامر السبهان سفيراً للمملكة ثم انطلاق تلك الحملة المسفّة (الإيرانية!) ضدّه وصولاً الى تهديده مباشرةً!

بغض النظر عن التفاصيل والمعطيات التي أوجبت تلك الزيارة، المفاجئة، فهي تنطلق من مبدأ سياسي سعودي مستدام، يسري في الحالة العراقية، كما في كل حالة ذات صلة بالعلاقات مع الخارج القريب والبعيد. وذلك أساسه وجذره الانفتاح وليس الانغلاق. والإيجابية وليس السلبية. وإيثار الصالح العام على الخاص. وتغليب المشتركات على المقسّمات. والجوامع على الفواصل، والعموميات على الجزئيات، والروابط على القواطع.. والبحث في الإجمال، عن كلمة سواء تجمع ولا تفرّق. وعن كل ما من شأنه ترسيخ الاستقرار والأمن وليس تمزيقهما والتسبب بالمزيد من البلايا والرزايا والكوارث للمنطقة وشعوبها.

أسيء الظنّ كثيراً بهذه السياسة وخصوصاً من قبل الإيرانيين حتى افترضوا الاعتدال ضعفا والرحابة جبناً.. الى أن تبيّن أن العكس هو الصحيح. وأن الأداء القتالي الاستنفاري النزالي الذي تعتمده طهران خارجياً، هو، في الجانب غير التبليغي وغير المنضوي تحت سقف مشروع الدولة الاقليمية الكبرى والمحورية والقطبية.. بعكس إستراتيجية حمائية تفترض (مرة أخرى) أنّ صون الداخل يستوجب إشعال الخارج! وأنّ الحفاظ على النظام في طهران يتطلّب ضرب الأنظمة في الجوار!.. والأخطر من ذلك كلّه، هو الظنّ (السعيد!) بأنّ بثّ إشعاعات نظريّة «الوليّ الفقيه» يستدعي تسعير الخطاب المذهبي والمسّ بثوابت ويقينيّات الآخرين حتى لو كان هؤلاء أصل الإسلام وفصله، ومهبط الوحي، وموئل البيت العتيق..

ذهب الوزير الجبير الى بغداد وطوى صفحة وفتَحَ واحدة أخرى بديلة عنها. قال بالعروة الوثقى وصِلات الدين والدم والمصالح المشتركة.. ولم يخطئ السعي ولا المحاولة. غير أنّه في الجانب الآخر من معادلة الواقع النزالي القائم مع إيران، خرج رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ليقول بوضوح تام إنّ همّ بلاده متقدّم على هموم غيرها! وريادتها فوق الجميع! وفصّل ذلك بالحرف: «دعمنا الدائم للعراق وسوريا في مكافحة الإرهاب ضروري لحماية أمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية»! أي بمعنى آخر، المبدأ أهم من الوسيلة. وهو (المبدأ) «حماية أمن الجمهورية الإسلامية»، وهي (الوسيلة) مروحة لا حدّ لها، حتى لو كانت تخريب الدنيا وما فيها.ومن ظواهر ذلك التدخّل في اليمن. والهيمنة على الحكم في العراق. والإمعان في نكبة الشعب السوري. والمناورة تحت سقف السلاح في لبنان. ولعب دور الرافعة الإنقاذية في البحرين! والاستمرار في خطاب العداء وأدواته إزاء السعودية وغيرها من دول الخليج العربي وصولاً الى الاستثمار في الإرهاب وادّعاء محاربته!

في مكان ما، كان يمكن لأي مسؤول إيراني رفيع المستوى والمقام مثل لاريجاني، أن ينظر بإيجابية الى زيارة الوزير الجبير الى بغداد. ويعتبر أنها بادرة حُسن نيّة. وإشارة حميدة. والبناء على ذلك لتأكيد البديهة القائلة إن شروط الاستقرار تنتهي بالأمن ولا تبدأ فيه! قبله مبادئ وأسس معتمدة في معظم أنحاء المعمورة وعمادها أداء سلمي تصالحي إيجابي وليس العكس أبداً!!

.. لاريجاني اختار العكس وليته لم يفعل!