IMLebanon

نخالف رأي القاضي حاتم ماضي حول صلاحية محكمة التمييز الجزائية

 

اثارت قضية تنحية المحقق العدلي جريمة تفجير مرفأ بيروت، ونقل الدعوى الى محقق عدلي اخر، سجالاً في الأوساط السياسية كما القانونية، بين قائلٍ بصلاحية محكمة التمييز عبر احدى غرفها الجزائية بوضع يدها على طلب نقل الدعوى لعلة الارتياب المشروع، وقائلٍ بإن لا صلاحية لها بانعقاد اختصاصها للنظر في الطلب، باعتبار ان المجلس العدلي هو محكمة استثنائية وهو المرجع الصالح للبت بطلب نقل الدعوى من تحت يد المحقق العدلي اذا ما توفر سبب من تلك التي نصت عليها المادة ٣٤٠ من قانون أ.م.ج. وفي مقابلة لمدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي، مع «قناة الجديد» يوم الاحد ٢١ شباط، ذهب الى الرأي الذي يقول بعدم صلاحية محكمة التمييز للبت بطلب نقل الدعوى من تحت يد المحقق العدلي صوان الى محقق اخر.

ان الرأي القائل بعدم اختصاص محكمة التمييز الجزائية النظر بطلب رفع يد المحقق العدلي ليس في محله القانوني للأسباب التالية:

السبب الأول، ان المجلس العدلي هو محكمة استثنائية لكنها ليست دائمة  ولا يوجد قانون خاص به ينظم إجراءات الملاحقة ومن ضمنها التحقيق واجراءات المحاكمة لديها. وعندما لا يكون هناك قانون خاص ينظم عمل مؤسسة قضائية او غيرها، تصبح احكام القانون العام هي الواجبة التطبيق. ولذلك فإن المجلس العدلي يطبق على اعماله بالنسبة للقضايا المحالة اليه القواعد التي حددها قانون أ.م.ج، وفي حال افتقار هذا القانون للنصوص التي يقتضي الرجوع اليها في توفير الأرضية القانونية للنظر بقضية ما، يتم الرجوع الى احكام قانون أصول المحاكمات المدنية باعتباره القانون الأعم.

السبب الثاني، ان المادة ٢٩٥ من قانون أ.م.ج عندما حددت صلاحيات محكمة التمييز، حددتها على اطلاقيتها، ومنها طلبات نقل الدعوى، ولو كان المشترع يريد ان يحجب الصلاحية عنها بالنسبة للنظر بطلبات متعلقة بدعاوى محالة الى المجلس العدلي لكن أشار الى ذلك صراحة. والفقه القانوني يأخذ بقاعدة الاباحة هي الأصل والحجب هو الاستثناء، وهنا لا مجال للاجتهاد لان نص المادة ٢٩٥ واضح جداً ولا اجتهاد في موضع النص.

السبب الثالث، ان المجلس العدلي يضع يده على ملف الدعوى عندما تحال اليه مضبطة الاتهام العدلي من قبل النيابة العامة التمييزية، وهي اذا ما وجدت ثغرات في إجراءات التحقيق فإن بالصلاحية المعطاة له تخوله تغطية كل الثغرات، وبامكانه وبناء على طلب النيابة العامة التمييزية ان يعيد التحقيق بكامل هيئته او بتكليف احد أعضائه. ولذلك فإن المجلس العدلي ليس مرجعاً استئنافياً للطعن بقرارات المحقق العدلي، وهو لا يضع يده على الملف الا بعد احالته اليه. وكل ما يسبق الإحالة اليه من إجراءات التحقيق والملاحقة تبقى خاضعة لرقابة محكمة التمييز بكل ما يتعلق بما هو منصوص عليه في المادة ٢٩٥.

لكل هذه الأسباب الثلاثة، فإن اختصاص الطعن بقرار المحقق العدلي اذا ما توفر احد الأسباب المنصوص عليها في المادة ٣٤٠ أ.م.ج يكون منعقداً لمحكمة التمييز بإحدى غرفها الجزائية. وعليه فإننا نخالف رأي حضرة الرئيس حاتم ماضي بعدم صلاحية محكمة التمييز للنظر بطلب نقل الدعوى لعلة الارتياب المشروع.

وبطبيعة الحال، ان قرارات محكمة التمييز تقبل المراجعة امام الهيئة العامة. ولها ان تصدق القرار او تفسخه. ونقابة المحامين في بيروت اوحت وكأنها ستقدم مراجعة طعن بقرار الغرفة، وننصحها بعدم متابعة سعيها. لان المدعي العام التمييزي السابق الذي حفز من هو ذو صفة وله مصلحة على التقدم بمراجعة طعن امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز لعلة عدم الصلاحية، مستنداً الى قرار سابق صادر عن الهيئة بفسخ قرار المحكمة بشأن قرار صادر عن محقق العدلي، ربما سها عن باله ان الهيئة العامة لمحكمة التمييز فسخت يوم ذاك قرار الغرفة الجزائية في محكمة التمييز، ليس لعدم صلاحية الغرفة للنظر في الطلب المقدم اليها، بل بسبب تجاوز صلاحيتها وتصديها لمسألة تندرج في اختصاص المحقق العدلى. علماً ان مخالفة القاضي العريضي لم تكن حول اختصاص المحكمة كنقطة شكلية بل كانت مبنية حول تقديرها للارتياب المشروع.

خلاصة ان محكمة التمييز بغرفتها الجزائية هي صاحبة اختصاص للنظر بطلب نقل الدعوى  وبالتالي فان القرار بنقل الدعوى من تحت يد محقق عدلي الى محقق اخر لسبب لها حق التقدير بقانونيته، هو قرار واقع في محله القانوني ومع احترامنا لكل رأي مخالف.