Site icon IMLebanon

توركيمادا، خلخالي أو مهداوي! نماذج ترضي المرشد

 

«هل تعرفون من أنا؟ مواطن يسكن في دولة قمعستان، مواطن… يحلم في يوم من الأيام أن يصبح في مرتبة الحيوان، مواطن يخاف أن يجلس في المقهى، لكي لا تطلع الدولة من غياهب الفنجان». (نزار قباني)

«كل شيء للمعركة»، ليس فقط شعارًا وطنيًا لتحفيز المواطنين للعمل والجهد والتضحية في سبيل الوطن، بل هو رخصة مفتوحة للحاكم الثوري الوطني المناضل، لكي يضع كل المؤسسات في خدمة مشروعه. هذا يعني بالطبع أنّ الاقتصاد والتعليم والرياضة والصناعة والمستشفيات والغذاء والدواء… كلها تصبح رهن إشارة القائد من أجل المعركة. لكن من تداعيات هذا الشعار يأتي موضوع القضاء والمحاكم. هنا، بدل أن يسير قطار العدالة بالطرق الصعبة والقابلة للأخذ والردّ في تحقيق عادل وحقوق للمتهم، تأتي محاكم الثورة لتخدم فقط رؤيا القائد الذي يقود معركة التحرير ويحمل رايات النصر. فمن يقود الأفواج المؤلّفة من الشبان نحو الموت في ساحات الوغى، ويتجاهل سحق آخرين هم أضعاف أعداد المقاتلين، يُقتلون في البيت تحت وطأة القصف، أو على الطريق وهم يحملون الرايات البيض هربًا من الموت تحت الركام، أو قهرًا أمام عجزهم عن تأمين دواء لفلذات أكبادهم… لأنّهم مجرد خسائر جانبية في مسار «كل شيء للمعركة».

 

لن أستطرد في الحديث عن نتائج هذا الشعار على مختلف الأصعدة، فكل من طبّق هذا الشعار حصد، إلى جانب الموت والدمار، ترديًا مرعبًا في الصحة والتعليم والثقافة والاقتصاد وحقوق الإنسان. ومهما بالغ البعض في نسج الأشعار عن البطولات والانتصارات، وفي مدح عظمة القائد وحكمته وفطنته، يبقى الإنسان متروكًا لقدره الذي رماه في حضن شعار «كل شيء للمعركة» بلا قرار أو رغبة وموافقة مسبقة منه. ما أريد أن أركّز عليه هو كيف يمكن القضاء أن يكون في ظلّ «كل شيء للمعركة».

 

ما يركّز عليه نصرالله دائمًا، مع أتباعه الميامين في خطاباتهم وكتاباتهم، هو تعميم ثقافة المقاومة. يعني أنّ هذه الثقافة يجب أن تطغى على كل ما عداها من ثقافات. وهذا يعني أن يتحول القضاء قضاءً ثورياً ينفّذ رؤيا المقاومة. عدالة محكمة المقاومة ترتكز على الآتي: جريمة موصوفة تفيد المقاومة، أو تأتي عن طريق الخطأ أو المصادفة على طريق المقاومة، على القضاء أن يتفهمّها ويتعامل معها على أساس أنّها حصلت لخدمة أهداف المقاومة «التي تخوض أشرس معارك العزة والكرامة»، وذلك من أجل الضحايا الذين يسقطون بالخطأ أو بالمصادفة على طريق المقاومة. هذا الأمر يشمل حتى ما هو عن سابق إصرار وتصميم، حتى وإن كانت الضحية رئيس وزراء سابق مثلًا صودف، أو تهيأ للجاني، أنّه عقبة أمام المقاومة، أو حتى شعبًا بكامله كان بالمصادفة عقبة على طريق المقاومة، كما حدث في سوريا والعراق واليمن ولبنان!!!

 

ما لنا ولكل ذلك؟ فالقضية مرتبطة اليوم بالقاضي بيطار، أو أي قاضٍ آخر، أو حتى النظام القضائي بكامله، وهذا النظام الذي لم يعد يعجب قائد المقاومة، كما صرّح بعظمة لسانه منذ أيام. ما يريده، أو يفرضه، أو يأمر به السيد هو أن يكون القاضي ثوريًا، يتفهم حاجات المقاومة لتخزين المتفجرات التي قد تنفجر مصادفة، أو بفعل فاعل مرتبط بتداعيات المقاومة. يعني أن يتجاهل كل ما يربك المقاومة في مسار التحقيق، وأن يحرف الأنظار كلياً عن حقيقة الأمر، بهدف نبيل بالطبع، هو حماية ظهر المقاومة من القضاء المغرض الذي ينقب عن حقيقة مضرّة بالمقاومة.

 

عند حدوث الإنفجار العظيم، كما قبله من متفجرات وحروب واغتيالات، كان من الممكن أن يبقى الشك يحوم حول الاحتمالات، حتى وإن أشار المنطق إلى احتمال واحد بمن هو الجاني. لكن المنطق وحده لا يكفي لنسج التهم. وعندما يقحم أحدهم نفسه لمنع التحقيق من الوصول إلى نتائج محتملة، يصبح الشك المحتمل حقيقة راسخة. وهنا، لنفترض أنّ القاضي الموكل بالملف يسعى للاستهداف زورًا، فيمكن عندها للمتهم زورًا، وهو قادر ومتحكّم ولا يمكن أن يظلمه أحد، أن يضرب الحجج والمعطيات المزورة ويخرج مظفرًا وبطلًا مظلومًا وجب الاعتذار منه والتسليم له. لا أظن أنّ هذه الفكرة غائبة عن جهابذة المعرفة والفكر العملي، وليس بالضرورة النيّر، في المقاومة. الاستنتاج المنطقي هو أنّ حجج الإتهام دامغة بقضية المرفأ، ولا يمكن مواجهتها إلّا، إما كما اقترح أحد صحافيي المقاومة بوقف التحقيق وجعله بحكم الخطأ غير مقصود على طريق المقاومة، أو أن يتسلّم التحقيق قاضٍ يحقق على طريقة «كل شيء من أجل المقاومة».

 

في ما يأتي نبذات مختصرة عن أمثلة لقضاة يشبهون المقاومة:

 

الراهب توماس توركيمادا نظّم محاكم التفتيش الكنسية التي أُنشئت في قشتالة عام 1478، وأنشأ محاكم تفتيش في إشبيلية وجيّان وقرطبة وسرقسطة ومختلف مدن الأندلس. توركيمادا حكم بالحرق لأكثر من 17000 مسلم، تمّ الإعتراف فقط بـحرق 2000 من الضحايا اليهود.

 

بسبب عدائه الشديد لليهود الأندلسيين حرضّ الملكة إيزابيلا على حرق اليهود المنصّرين عنوة وطردهم وتعذيبهم، وذلك بهدف التقرّب إلى الله وإثبات إخلاصها للكاثوليكية. في عام 1492 بعد سقوط الأندلس، غادر أكثر من 40.000 من اليهود الأندلسيين بلادهم.

 

يعتبر توركيمادا أسطورة سوداء من محاكم التحقيق الإسبانية، أصبح إسمه صنوًا للقسوة والتعصّب بإسم الدين، وقد وصفه البعض، رغم ذلك، بمطرقة الهراطقة ونور إسبانيا وحامي بلاده.

 

محكمة المهداوي وإسمها الرسمي محكمة الشعب، أُسست عام 1958 بأمر من عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء في العراق. تمّ تعيين العقيد فاضل عباس المهداوي رئيسًا للمحكمة العسكرية العليا الخاصة. شُكّلت لمحاكمة الوزراء والمسؤولين في النظام الملكي. كان يتمّ نقل وقائع جلساتها على الهواء مباشرةً في الراديو والتلفزيون. استمرت المحكمة حتى سقوط نظام عبد الكريم قاسم في عام 1963، وشهدت هذه المحكمة محاكمة رجال العهد الملكي في العراق، ورجال ثورة الشوّاف في الموصل عام 1959، ومحاكمة الرئيس الأسبق عبد السلام عارف بتهمة محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، وكذلك محاكمة عدد كبير من البعثيين والقوميين الذين اتُهموا بمحاولة اغتيال قاسم عام 1959.

 

كانت تلك المحكمة منبرًا وواجهة إعلامية هزلية للحكومة واستخدمت إسلوب إهانة الموقوفين أثناء البث المباشر للجلسات عبر شاشات التلفزيون. وكان المهداوي ابن خالة الزعيم عبد الكريم قاسم وكان يدير الحكم في المحكمة لخدمة الرئيس.

 

آية الله خلخالي قد يكون الأقرب إلى قلب سيّد المقاومة. صرّح هو ما يلي:

 

«قمت بمحاكمة وإعدام 500 من المجرمين وعملاء نظام الشاه، كما أعدمت المئات من مسببي أحداث كردستان ومناطق كنبد وخوزستان وإعدام عدد من مهرّبي المخدرات، وإنني أمام هذا العدد الكبير من المعدومين اقف غير آسف ولا نادم وضميري مرتاح». أثارت إعداماته التى نفّذها منذ الأيام الأولى لإنتصار الثورة عام 1979 والسنوات التالية لها، كثيراً من الشجب. رغم مرور أكثر من 40 عاماً إلّا أنّها لا تزال محفورة في أذهان كثيرين داخل إيران وخارجها. يقول خلخالي إنّ كل أحكامه كانت بتفاهم مع الخميني، وكانت المحاكمات شبه فورية، وبالطبع من دون الحاجة لوجود محام، حسب قوله.

هذه لائحة مختصرة بقضاة محتملين للمقاومة.