IMLebanon

بعد بروز قضاء «القبضايات»: إلى أين؟

 

 

هل نصدق ما رأته عيوننا وسمعته آذاننا حول عمليات النسف المنظم والمقصود لركائز النظام القضائي في لبنان، وهو ما تبقى لنا من مرجعية تأسيسية يحميها الدستور والقانون والنظام العام، فنسفت بما حصل بقايا من آمال حشدها اللبنانيون على طريق جلجلة الإنقاذ والخلاص، قبل مرحلة تقاس بالأيام المعدودة، ما زالت تحول بين بقائهم على قيد العيش الآمن في بلد بقيت له بضع خطوات ودفعات مشبوهة ليُلقى به إلى حضيض النهاية، وزوال الدولة بكل أسسها ومؤسساتها.

 

أنصدّق أن قاضية تحكم بين الناس بقواعد القانون وانطلاقا من أسسه السليمة المنزهة عن كل المؤثرات والمغريات والإنتماءات إلى أولي الحكم والأمر والغرضيات السياسية والحزبية والفئوية، هل حقيقة ما رأيناه وسمعناه من انقلابها على مرجعتيها القضائية ورفضها لأوامر رؤسائها وغوصها المتفلّت من أيةُ أسس وأية أنظمة وأية قوانين، لتنقلب إلى مجرد «قبضاي»، ورجال أمن مغلوبين على أمرهم بما كان لها من هيبة وسلطان، نفذوا أوامرها باقتحام مؤسسة تجارية بعد مشاركتها في خلع أبوابها، كائنا ما كانت الذرائع والتمويهات المشبوهة.

 

أنصدق أن معالي وزيرة العدل، تتجاهل وضعية القاضية «القبضاي» بكل افتعالاتها وارتكاباتها والخطب الحماسية التي ألقتها في جموع مواكبيها من افراد التيار العوني، فإذا بنا أمام وزيرة تمالئ المنقلبين على الوضعية القضائية بكل قواعدها القانونية وكل وجوبية التزامها بأسس وأصول وقواعد مهنتها وما يفرضه عليها الواجب الإداري والقانوني، مكتفين في هذا المجال، بهذه المآخذ في إطارها العام، ويبدو من تسلسل الأحداث أنه سيكون لأقوالنا صلة وملحق، ولما هو حاصل نتائج أقرب ما تكون إلى المسلسلات التلفزيونية المتحلّلة.

 

بهذا الخصوص، أخذنا علما بأقوال ومآخذ ومطالب شديدة الوقع والخطورة، منها ما هو متعلق بالجهات المسؤولة بعد أن علّق بعضها مسؤولياته وتنصل من آثارها وتبعاتها، وأغرق البلاد بمزيد من المتاهات والأفخاخ المؤدية قولا وفعلا إلى «جهنم»، وبعد أن وصل بعضهم الآخر في تعليقاته ومطالبه إلى أقصى حدود الإندفاع والتطرف المدروس في تحديد الوقائع والآثار بالغة الخطورة التي تتضمنها ومنها الإقتراحات الخطيرة التي أدلى بها نائب رئيس المجلس النيابي الأستاذ إيلي الفرزلي والتي ما زالت قيد التداول والمناقشة، وما أوضحه الناطق باسم رئيس مجلس النواب الوزير السابق علي حسن خليل، وما أدلى به رئيس حزب القوات اللبنانية النائب سمير جعجع، وما تحفظ به كثيرون من الناطقين بلسان أحزاب معارضة، وبعض منها مؤيد للحزب الممسك بخيوط الحكم والتحكم وبأوضاع البلاد والعباد والممتنع عن القيام بأي ضغط أو مجهود لتقديم الأوضاع وتصويبها. ما يهمنا التعليق عليه وقوله بصدد كل هذه التمثيليات المؤسفة والموجعة والمؤدية حتما إلى خراب سريع الوقع والوقوع في براثن النهاية والزوال، هو التحذير من بدايات إشتباكية شهدنا بعضا من عيناتها في محيط قصر العدل، ومع كل الأسف ما ظهر منها أن بعضها كان مؤيدا للقاضية «القبضاي» الرئيسة عون وبعضها الآخر قيل أنه كان مؤيدا للتدابير الزاجرة للقاضي عويدات. قد كانت جميعا أحداثا خطيرة تنذر بما هو آت، وما هو متوقع لمصير لبنان وأهله بعد أن طاوله حكم المتحكمين والطامحين بالوثوب إلى مواقع السلطة كائنا ما كانت الأثمان المخيفة المدفوعة من هذا الشعب المغلوب على أمره، بعد أن لم يعد لديه ما يدفعه إلاّ جيوبا فارغة وأفواها جائعة ومصيرا مجهولا يجرّ إليه كتلا من المواطنين والأبناء والأطفال والأحفاد وقد أضحى بعضهم عائلات بلا مأوى ولا دخل ولا أفق واضح لأي مستقبل لها في هذا البلد المنكوب الذي أفرغه مسؤولوه الأكارم من كل إمكانيات العيش الكريم، ولم يبق منه واضحا ومحددا وملموسا إلاّ تلك الدعوة المسؤولة للبنانيين القادمة إليهم من أعلى العلالي، إلى الهجرة البعيدة إلى أي من بلاد الله الواسعة، وذلك التحذير القديم – الجديد لهم من أننا في طريقنا إلى «جهنم»، وبئس المصير.

 

ونتوقف وقفة متأنية نتوجه فيها إلى «حكيم» هذه الأيام المجنونة، الرئيس نبيه بري، صاحب المبادرات الإصلاحية والتصالحية، المتبني لمشروع حكومة جديدة عمد إلى التمهيد لتأمين نصاب قانوني لتأليفها، عنينا حكومة «المهمة» التي نشأت من صلب اهتمام فرنسي كان الرئيس ماكرون عماده والداعي إليه والعامل النشيط لإطلاقه، فكانت له زيارات عملانية إلى لبنان، ومن الذين لبثوا متشبثين بحصيلتها التي نشأت بإجماع المسؤولين اللبنانيين خلال تواجد الرئيس ماكرون في لبنان، نسفته التقلبات والمصالح والأهواء.

 

فيا دولة الرئيس، البلد يغوص في غياهب الدمار والزوال، وأنت ركن ثابت وفاعل من أركانه وفعالياته، وقد أثبتت ذلك في أكثر من موقع وأكثر من مهمة. أهل هذا البلد الذين هزّتهم وأضعفتهم الأوضاع الشاذة والخطيرة، يرسلون الطرف والعقل والأمل إلى حيث شعاعاته تطفو إلى الوجود الفاعل والمؤمل، دورك الإيجابي الدائم مطلوب لهذه الأيام السوداء، ولا نملي على دولتك ما يجب القيام به لعملية الإنقاذ والخلاص التي أصبحت مهمة شبه مستحيلة، سواء على مستوى الوطن بأسره أم بما له علاقة بالدفع بالنصف الآخر من الثنائي الشيعي، إلى التحرك باتجاه إنقاذ الوطن. دولة الرئيس، أنت مطالب بإجماع والحاح بضبط الأمور وتحقيق الإنقاذ والخلاص للبلد ومؤسساته وليكن المجلس النيابي منطلقا لتصويب الحال والمآل، وانقاذ ما تبقى من ركائز البلاد.