تسابق المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان غادة عون الوقت، فتتمادى في تجاوزاتها، وتصعّد إجراءاتها ضد المصارف… وكأنها ممعنة في ضرب القطاع المصرفي في لبنان… وآخر تجاوزاتها، ادعاؤها على مصرف سوسيتيه جنرال وصاحبه انطوان الصحناوي، مطالبة بمصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة سنداً للمادة (13) من قانون تبييض الأموال، وأحالت ملفات البنك الى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، كما أعطت إشارة الى عناصر من جهاز أمن الدولة بختم فرع بنك بيروت في المنصورية بالشمع الأحمر بحجة امتناعه عن تسليمها بعض المستندات (كما تدّعي).
لقد دخل القضاء المصرفي في لبنان في انهيار غير مسبوق، ترافق مع مواجهة مفتوحة الجبهات بسبب تصرفات غادة عون، بعدما ارتفعت أخيراً وتيرة القرارات القضائية التي طاولت كبار البنوك والمصرفيين، حتى انها وصلت الى حد تجميد الأصول ومنع السفر.
حقاً إنّ القاضية غادة عون صارت حالة فريدة يصعب أن تتكرّر في القضاء اللبناني، فهي لا تشبه أحداً من القضاة، حتى في تاريخ لبنان القديم والحديث.
وها أنذا أعدّد بعضاً من تجاوزاتها معتذراً عن إغفال العديد من التجاوزات الأخرى لكثرة عددها:
أولاً: وجّهت القاضية غادة عون مذكرة الى 7 مصارف لبنانية مطالبة إياها برفع السرية المصرفية عن حسابات كبار العاملين فيها من حاليين وسابقين، بذريعة ان الهندسات المالية التي حصلت سابقاً بين عدد من المصارف وحاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامة، لا تخلو -من وجهة نظرها- من تبييض الأموال.
ثانياً: ادعت القاضية غادة عون على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتهمة اختلاس أموال عامة والتزوير وتبييض أموال وتهريبها الى الخارج والتهرّب الضريبي والإثراء غير المشروع، وأحالت الحاكم الى قاضي التحقيق، وداهمت مصرف لبنان ودخلته عنوة بهدف اعتقاله، كما داهمت منزلاً عائداً له وادعت بأنها لم تجده.. كما ادعت على شقيق الحاكم رجا سلامة وأمرت بتوقيفه… كل هذا متناسية بأنّ سلامة حمى الليرة اللبنانية وحافظ على تثبيتها حتى جاء «عهد جهنم».
ثالثاً: لقد شنّت القاضية غادة عون حملة مقصودة ضد المصارف وضد حاكم مصرف لبنان تحت عنوان محاربة الفساد، وقد تبيّـن للجميع ان تلك الحملة كانت لغايات سياسية.. إذ حمّلت عون القطاع المصرفي وحده مسؤولية كل الخراب مع التغاضي عن دور الطبقة السياسية.
رابعاً: بماذا تفسّر القاضية غادة عون «صحبتها» مع المرشح السابق الفاشل في الانتخابات النيابية الأخيرة عمر حرفوش الذي استضاف القاضية «النزيهة» في صالة ميديسيس بمجلس الشيوخ الفرنسي، وما هو تفسير حرفوش في ذلك الوقت لقوله: «الى كل ملعون ينتقد استضافتي للريسة عون أقول: أنا شخصياً عوني»..؟
إنّ اجتماع القاضية عون بعمر حرفوش أثار العديد من التساؤلات. فحرفوش رجل أعمال ثري، تدور حوله العديد من التساؤلات.
كما كان لافتاً في ذلك الاجتماع وجود مؤسّس Sherpa وليام بوردون والذي ظهر جليّاً في صورة مع القاضية عون وعمر حرفوش. وبوردون هو الذي بادر الى فتح قضية في فرنسا ضد رياض سلامة..
أليْس الأمر مريباً؟
إنّ ظهور القاضية عون في تلك الندوة مثير للجدل. إذ وفقاً للمعايير الأخلاقية الأساسية التي ينبغي أن تحكم القضاة في لبنان، يجب امتناع القاضي عن الاستعراض الاعلامي والذهاب نحو المجاهرة بآراء معيّنة.
خامساً: الغارة على شركة مكتّف.
لقد أكملت القاضية غادة عون تمرّدها، بعد إحالتها الى هيئة التفتيش القضائي ودعوة مجلس القضاء الأعلى للاستماع إليها… فقررت المضي قدماً في ملف سحب الدولار من السوق الى الخارج متهمة «شركة مكتف للصيرفة» بأنها هرّبت 9 مليارات دولار الى الخارج لمصلحة 5 مصارف محلية، وأنها لا تزال تعمل على تهريب الأموال.
لقد تحدّت القاضية عون قرار مجلس القضاء الأعلى فأقدمت بمؤازرة «أزلامها» على خلع البوابة المؤدية الى الباحة الخارجية وقامت بتكسير الأبواب مستعينة بحدادين ونجارين ودخلت الى المكتب الذي يحتوي على الملفات.. إشارة الى انها دخلت هذا المكتب من دون عناصر من الضابطة العدلية باستثناء مرافقيها الشخصيين وحملوا الحواسيب (الكومبيوترات) والمستندات الموضّبة في أكياس من النايلون ووضعوها في سيارة «الريسة».
وكانت نتيجة اقتحام شركة ميشال مكتف، وفاة صاحبها بأزمة قلبية خلال وجوده في فاريا، بعد إحالته الى المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامر ليشع.
إشارة الى ان مكتف هو صاحب أكبر شركة شحن أموال في لبنان، وشركته هي الوحيدة التي تملك ترخيصاً للتعامل مع الخزانة الاميركية.
سادساً: لقد تمت إحالة القاضية غادة عون على المجلس التأديبي من قِبَل هيئة التفتيش القضائي بتهمة 12 دعوى ضدها وبسبب تمرّدها على قرار رئيسها مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات.
سابعاً: سارع دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري وعقيلته السيدة رنده الى رفع دعوى عليها لدى مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات للملاحقة والتحقيق وإجراء المقتضى القانوني بعد نشرها لائحة بأسماء مسؤولين لبنانيين لديهم حسابات مجمّدة في سويسرا… لكنّ القاضية عون لم تمثل أمام القضاء ولم تحضر جلسة الاستماع إليها.
ثامناً: تقدّم المحامي نشأت الحسنية بوكالته عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الاستاذ وليد جنبلاط بدعوى مماثلة ضدها.
إنّ القطاع المصرفي في لبنان، الذي رفع الودائع في البنوك من 4 مليارات دولار عام 1993 الى 200 مليار دولار عام 2019، وهو رقم يعادل رقم الودائع في المملكة العربية السعودية، لا يستحق أن يُهاجم بهذه الشراسة والكراهية.
لقد كان لبنان -بقطاعه المصرفي- محل ثقة لجميع البلدان العربية والاجنبية بسبب السرية المصرفية التي ينفرد بها هو وسويسرا فقط، وبسبب الحرية الموجودة فيه.
وهنا تحضرني قصة طريفة: «عُميان رزقوا بطفل يبصر، فراحوا يلاعبونه بعينيه حتى صار مثلهم». وكأننا أطفأنا تألق القطاع المصرفي. وهنا «أشمّ» رائحة المؤامرة التي تشن على المصارف للقضاء عليها وإنشاء خمسة مصارف جديدة مكانها.
حقاً… لقد تحوّلت قضية القاضية غادة عون الى مأساة وملهاة في الوقت نفسه.
خلافات بالجملة… لأنها تكره الجميع ولا تتفق مع أحد. وهي توجه اصبع الاتهام الى كل من يخالفها في السياسة… وهذا يماثل اجابة عنترة «يا عنتر مين عنترك؟ اجاب: لأنني لم أجد من يردني».
وأخيراً أقول: إنّ غادة عون تجاوزت «المعقول والمقبول». فإذا أردنا معرفة عدد الدعاوى المسطّرة بحقها، لا نكاد ننتهي… واللافت انها لا تبالي بأي منها… فهي لا تمثل أمام القضاء، بل هي تعتبر نفسها أعلى من القانون..
من أجل ذلك كله أتساءل، وبكل محبّة:
إلى متى سيصبر مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات على تصرفات القاضية عون، وهو رئيسها… وإلى متى يَصْبر القاضي سهيل عبود على تصرفاتها بصفته الرئيس الأعلى للقضاء؟ وبخاصة ان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فرمل هجوم عون على المصارف، وقرار وزير الداخلية بعدم تنفيذ أوامرها لأنّ عون باتت تهدّد لبنان واقتصاده وماليته… وقد جاء ذلك بعد مناشدة القاضية غادة عون السلطات الدولية في البرلمان الاوروبي المساعدة في الدفاع عن القانون واشتكت تدخل ميقاتي في العدالة.