IMLebanon

عن دولـة الحصانات والكارتيلات والتعميم 158

 

 

في بلدٍ لا تُنتج منظومتهُ إلا الموت.. تصبحُ الثورة فعلَ حياة

 

ماذا تعني ردّة فعل أطراف المنظومة على استِدعاءَات المحقّق العدليّ طارق بيطار للمثول أمام القضاء في جريمة تفجير مرفأ بيروت، متعلّلين بالحصانات والاستثناءَات؟ وماذا يعني أن يخرج غُرابُ شؤمٍ ليطلب «قرائن وأدلة ومستندات وأوراق.. مراعاة للأصول القانونيّة»، وماذا يعني تحسّسهم للبطحة التي على رؤسهم غير تأكيد «كاد المريب»؟

 

ماذا يعني أن تَستفزّ سلطة العار والفجور؛ شعباً كاملاً أصيب في جريمة المرفأ، فترسم خطوطاً حمراً، وحصانات واهية، مستهزءةً بمشاعر عائلات الضحايا والجرحى والمصابين والمتضررين؟ وماذا يعني استباق نتائج التحقيقات بتسويق دعاوى التوظيف السياسي، غير إهانة القضاء وتجاوز العدالة حمايةً متورطين ومقصّرين ومهملين ومتلاعبين بمصير الوطن؟

 

ماذا يعني أن يتمّ الاعتداء على أهالي الضحايا، أمهات وزوجات وشقيقات وآباء وإخوة وأبناء، ضرباً وإهانة وتجريحاً «على الهواء مباشرة» لرفضهم قتل أعزّائهم مرة ثانية؟

 

قتلوا الشعب، بعدما سرقوه وأهانوه.. وجعلوا من لبنان بلداً معزولاً، ملوثاً، منبوذاً، منهوباً، خراباً، ومحل تندّر العالم كلّه

 

ماذا يعني أن تعرّي السفيرة الفرنسية في بيروت، آن غريو، حسان دياب، كممثل فاقع التبعية للمنظومة التي تختطف لبنان، كل أكاذيب وغطرسة ولؤم وترّهات وفذلكات وموبقات واقترافات تحالف المافيا – ميليشيا.. «كنتم تستطيعون.. ولم تفعلوا، وكفى اتهاماً للمجتمع الدولي بحصار لبنان».. ولو لم يُقطع البث المباشر لسمع اللبنانيون ما يشفي صدورهم والأفئدة؟

 

ماذا يعني أن يودّع القائم بالأعمال البريطاني لبنان بالقول إن هناك عفناً في عمق هذا البلد، وقد تغيّر دوره ورسالته وحضوره في الوجدان العالمي والعربي وبات كياناً مريضاً، عليلاً، وعبئاً على الجميع؟

 

ماذا يعني أن يتجاوز رئيس الدولة الدستور، ويمنح نفسه سلطة تنصيب المجلس الأعلى مكان السلطة التنفيذية وكل السلطات والوزارات والأجهزة والمجالس، يقرر في كل شيء من دون محاسبة أو رقابة؟

 

ماذا يعني أن بلداً يُقتل كل يوم مائة مرّة كرمى لعيون صهر فاشل، مُعاقب دولياً بتهم الفساد والنهب؟ وماذا يعني أن يوضع السلم والاستقرار ومصير الوطن في كفّة، وطموحات هذا الشخص في كفة أخرى… ولا يخرج من يطالب بالمحاكمة بتهم الخيانة العظمى؟

 

ماذا يعني أن تعلن «اليونيسف» أن 30 في المئة من أطفال لبنان ينامون جائعين، ونحو 77 بالمئة من الأسر لا تملك ما يكفي من مال لشراء الغذاء، وتضطر 60 بالمئة من الأسر لشراء الطعام بالاستدانة، في وقت يقرّ ممثلو الشعب في البرلمان رشوة إنتخابية على شكل «طبخة بحص» عبارة عن بطاقة من دون رصيد؟

 

ماذا يعني أن تتحوّل مشاهد طوابير الذلّ والإهانة على محطات الوقود والمخابز ومراكز التموين والمصارف والصيدليات وغيرها إلى مشهد عادي، ويُجبر الشعب على التأقلم مع سَاديّة جَلاديه؟

 

ماذا يعني أن تباع السلع على أنواعها بأضعاف أضعاف سعرها الحقيقي، وتتبارى القطاعات بالتفنن بأساليب النهب والقنص والاستغلال ولا من يَسأل؟

 

ماذا يعني انهيار أنظمة الخدمات العامة، من صحية واتصالات وطاقة وماء وطرق وتعليم وأمن لمصلحة مافيات وكارتيلات أمام أنظار السلطة وأنظار العالم؟

 

ماذا يعني أن قطاعاً كالكهرباء، صرفت عليه عشرات المليارات بإشراف شلّة فاسدين، ذهبت في ثقب النهب الأسود وتركت البلد في عتمة كظلام قلوبهم؟ أو كجرمهم في بناء سدود مثقوبة، شوهت الطبيعة ونهبت القروض كرمى لجشع فاسد كبير؟

 

ماذا يعني أن يقول الخبراء إن 11 مليون ليتر محروقات يجري ضخّها في الأسواق يومياً، فيما السوق اللبنانية تحتاج إلى 7 فقط؟ ويؤكدون، فوقها، أن استمرار الدعم من جهة، وجرائم التهريب من جهة ثانية لن تنتج إلا مزيداً من الطوابير والإذلال.. ثم يخرج أحمق ليقول إن التهريب فعل مقدس!

 

ماذا يعني أن تدار أسواق المال وأسعار الصرف من قبل «شبح»، ولا تستطيع لا الوزارات أو المصرف المركزي أو الأجهزة وقفه أو السيطرة عليه؟

 

ماذا يعني أن يتولى حاكم مصرف لبنان، منفرداً، إصدار تعميم (مليء بالألغام والأحجيات والمطبات) يخالف نص الدستور وكل القوانين، بحجة الإفراج عن جزء بسيط من أموال خاصة منهوبة، ثم وتخرس كل الألسنة من رؤساء ووزراء ونواب وسلطات وأجهزة عن التعليق أو الإنكار؟ أصلاً هل من عاقل واحد في لبنان يصدّق فرقة رياض سلامة – جمعية المصارف تريد خيراً به، أو له من خلال ردّ جزء من الأموال المحجوزة احتيالاً وتعسفاً؟!

 

ماذا يعني أن يشاهد وزراء المالية والاقتصاد والصحة والطاقة وبقية الفرقة ما يجري ويخرسوا، ملتزمين صمت القبور، أو بمعنى أدق صمت التماسيح؟

 

ماذا يعني أن يلعب أطراف المنظومة، وقد أيقنوا أن صلاحيتهم انتهت، ورقتهم الأخيرة في محاورة الخارج: نحنُ (بما يشمل الخروج الآمن) أو ضربُ الاستقرار وتسليمكم لبنان غابةً، دون دولة وشبه وطن؟

 

ماذا يعني أن يواصل الشعب سكوته على الإهانة والإذلال والنهب والسرقة والتهميش والإفقار والتعذيب والقتل والتنكيل لمصلحة عصابة من أثرياء الحرب وأولادهم وعصاباتهم الذين بنوا امبراطوريات، وجعلوا من لبنان بلداً معزولاً، ملوثاً، منبوذاً، منهوباً، خراباً، ومحل تندّر العالم كلّه؟

 

كل ذلك يعني، باختصار، بعدما قيل الكثير الكثير توصيفاً للمشكلة واقتراحاتٍ للحلول؛ أن بلداً لا تنتج منظومته المتسلّطة إلا الموت والخراب.. تصبحُ فيه الثورة والتمرّد والخروج فعلَ حياة… ونقطة على السطر.