IMLebanon

تَكْبير الحَجَرْ لَنْ يُصيب

 

تمكّن السّاسة، وبعد أن أحرجهم المُحقّق العدلي القاضي فادي صوّان، من إخراجه لعلّة الإرتياب المشروع. وتنفّست السلطة الصعداء مع تعيين القاضي طارق بيطار مُحقّقًا عدليًا بديلاً، معتقدةً أنها أبعدت القاضي العنيد، وإستبدلته بقاضٍ وديع، بإستطاعتها محاباته وكَسْب مودّته. لكنها فوجئت عندما كشّر عن أنيابه، وقرّر إنتزاع الحقيقة مهما كانت صعبة.

وجّه القاضي بيطار ما يلزم من الكتب إلى المجلس النيابي، لرفع الحصانة عن باقة من الوزراء السابقين، إضافةً إلى كتاب لوزير الداخلية لطلب الإذن لملاحقة مدير عام الأمن العام، وآخر إلى رئاسة الحكومة لطلب الإذن لملاحقة مدير عام أمن الدولة، وإلى نقابة محامي بيروت ونقابة محامي الشمال، وإلى النيابة العامة التمييزية للتحقيق ومُساءلة قُضاة.

 

وبالإطّلاع على هذه الكتب يتبيّن جليًّا أنّها تضمّنت شُبُهات بجرائم جنائية وجنحيّة ومخالفات، ولم يقتصر الأمر على إخلال بالواجبات المُترتّبة على عاتقهم.

 

بادَر رئيس المجلس النيابي إلى دعوة هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل إلى إجتماع مُشترك، لِوَضع تقرير وتوصية تُرفع للهيئة العامة، بمهلة أقصاها أسبوعين على أبعد تقدير، عملاً بأحكام المادة /92/ من النظام الداخلي لمجلس النواب تاريخ 18/10/1994 المعدّل.

 

شَعَرَ المعنيّون أن «حَبْلْ» المُساءلة قد إلتّف حول رِقابهم، فذهبوا إلى المُماطلة والتسويف، بطلب مُستندات ووثائق وأدّلة، خلافًا لما يفرضه النظام الداخلي.

 

رَفَضَ حضرة المحقّق العدلي محاولات السلطة، وأصّر على طلبه برفع الحصانة، وإمتنع عن تزويد المجلس النيابي بأي مستند إضافي، ووقع الطلاق بين المحقق والأكثرية النيابية.

 

إنقضت المِهل، وبات يقتضي على رئيس المجلس النيابي دعوة الهيئة العامة للإنعقاد، للبّت بطلبات رفع الحصانات، عملاً بأحكام المادة /93/ من النظام الداخلي لمجلس النوّاب.

 

لكن المفاجأة تمثّلت، بإنقلابٍ نفّذته كتل السلطة النيابية على المحقق العدلي، سلاحه عريضة نيابية لإتهام المعنيين بالمُلاحقة، لمحاكمتهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، عملاً بأحكام القانون رقم 13 /1990 تاريخ 18/8/1990، للإلتفاف على الملف القضائي، وخنقه في مهده، تهرُّبًا من الحقيقة، وتجهيلاً للفعلة.

 

وبالعودة إلى تاريخ رفع الحصانات في لبنان. ففي العام /1952/ رُفِعَت الحصانة عن النائب «رِفعت القزعون» لإِتّهامه بمقتل أحد الصحفيين، وفي العام /1994/ رُفِعَت الحصانة عن النائب «يحيي شمص» لإتّهامه بالإتجار بالمخدّرات (فيما الواقع، كان ملفّاً سياسيًا، فُبرك له لخلافه يومها مع مندوب سلطة الوصاية)، وفي العام /1999/ رُفِعَت الحصانة عن النائب «حبيب حكيم» لإتّهامه بملف محرقة برج حمّود.

 

والمُلفِت، أنّه وأثناء مُناقشة طلب رفع الحصانة عن النائب «حبيب حكيم» عام/ 1999/ صرّح النائب «عمار الموسوي» (نائب حزب الله) في مجلس النوّاب بما حرفيّته:

«…. انّ رفع الحصانة مسألة طبيعية دون أن يعني مُجرّد رفعها إدانة للزميل حبيب حكيم إنما هو تسهيل لعمل القضاء في قضية جزائية. وأيضًا هي تحصين لسمعة المجلس النيابي، بحيث أنّه لا يظهر بصورة أنّه يحمي مُرتكبين، بل هو حاضر دائمًا لأن يتعاون».

 

فما الذي تغيّر لنائب «حزب الله» بين الأمس واليوم؟

أَلَمْ يعُدْ اليوم رفع الحصانة مسألة طبيعية، دون أن يعني رفعها إدانة للمتّهمين، إنما رفعها يُسهّل عمل القضاء ويُحصّن سمعة المجلس النيابي، ولا يُظهر أنّ المجلس يحمي المُرتكبين، بل هو حاضر دائمًا لكي يتعاون؟؟؟

 

لماذا مع رفع الحصانة عن النوّاب «رِفعَت القزعون» و»يحيي شمص» و»حبيب حكيم» لم تُنظّم عريضة إتّهام، ولم يُطلب مستندات إضافية، ولم تتدخّل السلطة التشريعية بعمل السلطة القضائية؟

 

وتهدف الأكثرية النيابية ومن خلال هذه العريضة العَرْجاء، إلى سحب الملف من يد المُحقّق العدلي، لِرَميه في أحضان المجلس الأعلى لمُحاكمة الرؤساء والوزراء، غير المُفعّل أصلاً، إن لم نَقُل المشلول وِلادةً.

 

ويكفي أن نُذكّر بواقعة:

بتاريخ 9/3/1999 أصدر حضرة قاضي التحقيق «سعيد ميرزا» قراره الظنّي بحّق الوزير السابق «شاهيه برسونيان» وإعتبر أن مُلاحقته من إختصاص القضاء العادي (ملف الرواسب النفطية) صُدّق القرار أمام الهيئة الإتّهامية بتاريخ 12/3/1999 وتمييزًا بتاريخ 24/3/1999، وأُحيل الوزير السابق إلى المُحاكمة أمام محكمة الجنايات موقوفًا.

 

تنبّهت محكمة الجنايات بعد ما يُقارب العام على توقيف الوزير السابق !!!! أنّ المُلاحقة هي من إختصاص المجلس الأعلى لمُحاكمة الرؤساء والوزراء. وأصدرت وبتاريخ 16/12/2002 قرارها بِعَدَم الصلاحية.

 

وبتاريخ 16/12/2003 شكّل مجلس النوّاب لجنة تحقيق برلمانية (كالتي يسعى إليها نوّابنا الحاليون).

 

وبتاريخ 16/8/2005 (أي بعد ما يُقارِب العامين على تشكيلها) خلصت اللجنة إلى إعتبار أن لا شبهة على الوزير. وعُقدت جلسة عامة تكريسًا للنتيجة.

 

وبالتالي،

إن كان ملف بِحَجم ملف الرواسب النفطية قد إستغرق عمل اللجنة لإنجاز التحقيق فيه، عامين من الزمن، فكيف بملف إنفجار المرفأ؟ سيستغرق الأمر عقودًا من الزمن إذا خلصت النتائج إلى شيء.

 

وبالأمس القريب، وبمؤتمر صحفي خاطف، عَاجَلنا أحد رؤساء الكتل النيابية، بطرح تمثّل بضرورة الذّهاب إلى تعليق الحصانات المنصوص عنها في الدستور، وطلبات الأذونات الواردة في القوانين والأنظمة المرعية الإجراء….كذا…. .

 

فَمِن ناحية أولى، تعليق الحصانات والمنصوص عنها دستورًا، تتطلّب تعديلاً دستوريًا، منصوص على آلياته في المادة /77/ من الدستور، إن كان لجهة توقيت التقدّم به (بِدَورة عادية) وإن كان لِعدد مُقدّميه، ونصاب ثُلثيّ مجلس النوّاب لإقراره، ومن ثم وجود حكومة، وموافقة ثُلثيّ أعضائها، وإلاّ وبحال الرّفض، ضرورة تأمين أكثرية ثلاثة أرباع مجلس النوّاب….كذا…. .

 

مما يُفيد، أنّ طرح تعديل دستوري لا يمكن ان يُعرض بهذه الخفّة وعدم المسؤولية.

 

ومن جهة أُخرى، تعليق طلبات الأذونات لا يمكن أن يتّم من خلال المنابر والخطابات، بل من خلال إقتراحات قوانين مدروسة وهادفة.

 

وبالتالي،

خريطة الطريق والواجب إعتمادها لتعليق الحصانات وتعطيل الأذونات، لا يُمكن أن تبدأ، إلاّ بالإصرار على رئيس مجلس النوّاب لعقد جلسة نيابية عامة فَوْرًا، للبّت بطلبات رفع الحصانة عن الوزراء المعنيين إيجابًا أم سلبًا. قبل أي عمل آخر، لاسيما، وأنّ المهلة الممنوحة للهيئة المشتركة والمؤلّفة من هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل والمحدّدة بأسبوعين قد إنقضت. أي البّت والفصل بطلبات رفع الحصانة قبل التطرُّق إلى عريضة الإتّهام والتي حُيّكت بغرض الإلتفاف على التحقيق.

 

وبعد البّت بطلبات رفع الحصانة، الذّهاب بإتّجاه معالجة طلبات الأذونات لرؤساء الأجهزة الأمنية وسواهم من المعنيين.

 

مع الإشارة، إلى أنّ نوّاب تكتُّل الجمهورية القويّة يتعاملون مع ملف رفع الحصانات، بكل جدّية وصُدقيّة ومسؤولية. فيما سواهم يتعامل معه بكل غوغائية وشعبوية وخفّة.

 

مُذكّرين بالقَوْل الشعبي «الحَجَرْ الكبير لا يُصيب» فليس إطلاق الشعارات الكبيرة والرنّانة يحقق الهدف، إنما العمل المسؤول هو مَن يحقق ذلك.

 

إلاّ إذا كان الهدف أصلاً «تكبير الحَجَرْ حتى لا يُصيب بتاتًا».