نهاية الأسبوع المُنصرم، أصدر المُحقق العدلي، مُذكّرة إحضار في حق رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب، عملاً بأحكام الفقرة الثانية من نصّ المادة /106/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية. مُكلّفًا القوى الأمنية إحضاره إلى دائرته قبل أربع وعشرين ساعة من تاريخ جلسة التحقيق، التي حدّدها في العشرين من شهر أيلول المقبل.
قامت الدنيا ولم تقعد، واصطفّ المزايدون على ضفاف الطوائف، عوض أن يحتكموا إلى دستور «الطائف».
فالدستور ليس وجهة نظر، وأحكامه ليست غبّ الطلب، فإما أن نحتكم إلى نصوصه، وإما أن لا نفعل، فالقراءة المجتزأة لمواده، والتفسير المشوّه لنصوصه، يُطيحان بالدستور وبجمهورية الطائف.
ويُطرح السؤال: هل ما قام به القاضي طارق البيطار، مِن إصدار مذكّرة إحضار بحقّ رئيس الحكومة، يقع في محلّه القانوني الصحيح، أم لا؟؟
عملاً بأحكام المادة /363/ من قانون الأصول الجزائية، يُطبّق المحقق العدلي الأصول نفسها المُتّبعة أمام قاضي التحقيق العادي.
وعملاً بأحكام المادة /362/ من القانون نفسه، للمحقق العدلي أن يُصدِر كل المُذكّرات التي يقتضيها التحقيق بلا طلب من النيابة العامة، وأنّ قراراته في هذا الخصوص لا تقبل أي طريقة من طُرُق المراجعة.
وبالعودة إلى الأصول المُتّبعة أمام قاضي التحقيق العادي، وتحديدًا إلى الفقرة الثانية من نص المادة /106/ من قانون الأصول الجزائية، يتبيّن جليّاً صلاحيّة هذا الأخير في إستصدار مذكّرة إحضار في حق المدّعى عليه، في حال تخلّفه عن الحضور إلى دائرته من دون عذر مشروع، رغم تبلُّغه أصولاً.
وبالتالي، إصدار المحقق العدلي مُذكّرة إحضار بحق رئيس الحكومة المستقيلة، يعني:
∗ أنّ المحقق العدلي مُصّر على إستماعه بصفة «مدّعى عليه».
∗ أنّ المحقق العدلي إعتبر أنّ رئيس الحكومة تخلّف عن الحضور أمامه، رغم إبلاغه أصولاً.
∗ أنّ المحقق العدلي مُصّر على صلاحيته، في إعتباره الأفعال والمنسوبة إلى رئيس الحكومة، تخرج عن سياق الإخلال بالوظيفة. إنما هي جرائم عادية، ومن إختصاص القضاء العادي.
بالنسبة إلى إصرار المحقق العدلي على إستماع حضرة رئيس الحكومة المستقيلة بصفة «مدّعى عليه»، رغم أنّ إسمه غير مُدْرَج في عداد لائحة النيابة العامة. هذا من حقّه القانوني، كون المادة /362/ من قانون الأصول الجزائية، وفي فقرتها الثانية تحديدًا، تنُصّ على أنّه، إن أظهر التحقيق وجود مُساهم في الجريمة، فيستجوبه المحقق العدلي بصفة مدّعى عليه، ولو لم يَرِد إسمه في عداد مَن إدّعت عليهم النيابة العامة.
بالتالي، لم يُخطِئ القاضي بيطار بهذا الخصوص، إنما أعمل نصوص القانون ومواده.
أما بالنسبة إلى إعتبار المحقق العدلي أنّ ما إستوجب إستصدار مذكّرة إحضار بحق رئيس الحكومة المستقيلة، هو تخلّفه عن الحضور إلى دائرته رغم إبلاغه أصولاً…كذا… أمرٌ يستحّق المُناقشة.
فالمادة /85/ من قانون الأصول الجزائية نصّت صراحةً، أنّه وفي حال إقتضت الدعوى سماع إفادة رئيس مجلس الوزراء، وَجُبَ إنتقال قاضي التحقيق مع كاتبه إلى مقرّه لإستماع إفادته (أي السرايا الحكومية).
بالتالي، ليس في إستطاعة المحقق العدلي إصدار مُذكّرة إحضار بحق رئيس الحكومة المستقيلة، بحجّة تخلُّفه عن الحضور أمامه…كذا…. لأنّ القانون يفرض إنتقال المحقق العدلي إلى السرايا الحكومية، لإستماع إفادة رئيس مجلس الوزراء، إحترامًا للمقامات والمواقع، وتقيُّدًا بنصوص القانون الواضحة والصريحة. ومن باب الإستطراد، كان يُفترض على المحقق العدلي أن يقصد مع كاتبه السرايا الحكومية، في التاريخ المُحدّد للجلسة، وفي حال عدم إستقباله تنظيم محضر بذلك، ومن ثم يُمكن له إصدار مُذكّرة إحضار. أما أن ينتظر المحقق العدلي رئيس الحكومة في مكتبه ليحضر أمامه. تُعتبر هفوةً من شأنها نَسْف مُذكّرة الإحضار برُمّتها لمخالفتها الأصول والأحكام القانونية الملزمة، لاسيما المادة /85/ من قانون الأصول الجزائية.
أما بالنسبة إلى إصرار المحقق العدلي على صلاحياته بالمُلاحقة والتحقيق، يعني انّ المحقق العدلي يعتبر أنّ الأفعال والمُساقة في حق رئيس الحكومة هي جرائم عادية وتدخل ضمن صلاحية القضاء العادي، وليس ضمن صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وبالعودة إلى مُجريات التحقيق، يتبيّن جليًّا أنّ سبب مُلاحقة رئيس الحكومة يعود إلى كَونه قد تبلّغ بوجود مواد مُتفجّرة في مرفأ بيروت، من قبل المديرية العامة لأمن الدولة، قبل نحو أسبوعين من تاريخ الإنفجار… ولم يتصرّف.
صحيح، من المفترض على رجل الدولة، أن يتدارك المخاطر، وأن يُحسن التصرُّف في مواجهة أخطار تُنذِر بكارثة، وأن يقوم بواجبه حمايةً للبلاد والعباد.
وصحيح أيضًا، أنّ المسؤولية تقع على عاتق كلّ مَنْ تلكّأ أم تخاذل أم إمتنع عن القيام بما يَلْزَم تدارُكًا للكارثة.
ولما كان من الثابت، أنّ المحقق العدلي إعتبر أنّ فِعْل التلكّؤ والتخاذُل والإمتناع هي جرائم عادية، وتدخُل ضمن إختصاص القضاء العادي، ولا تُشكِّل إخلالاً بالواجبات الوظيفية.
لكن السؤال المطروح، بِرَسْم القاضي بيطار:
ألَمْ يتبلّغ أيضًا رئيس الجمهورية من جهاز أمن الدولة قبل نحو الأسبوعين من تاريخ الكارثة، بوجود مواد مُتفجّرة في مرفأ بيروت… ولم يتصرّف؟؟؟
من الثابت، أنّه وسندًا لأحكام المادة /60/ من الدستور اللبناني لا تِبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته، إلاّ عند خَرقه الدستور أو في حال الخيانة العُظمى. لكن الفقرة الثانية من المادة نفسها، أجازت مُلاحقته بالجرائم العادية، ضمن أصولٍ خاصة، وأمام المجلس الأعلى لمُحاكمة الرؤساء والوزراء حصرًا. علماً أنّ الهيئة العامة لمحكمة التمييز قد وسعت مروحة الجرائم العادية بقرارها تاريخ ٢٧ تشرين الأول من عام ٢٠٠٠ وأيضًا محكمة التمييز الجزائية بقرارها تاريخ ٧ حزيران ٢٠٠٤.
حضرة القاضي،
ما دُمْتَ قد إعتبرت أنّ عِلْم رئيس الحكومة بوجود مواد مُتفجّرة في مرفأ بيروت، قبل نحو الأسبوعين من الكارثة، وعدم تصرُّفه، يُعتبر جُرمًا عاديًا، يُعاقب عليه قانون العقوبات اللبناني، ومن إختصاص القضاء العادي….كذا…. ألا تَعتبِر أنّ عِلْم رئيس الجمهورية بوجود مواد متفجّرة في مرفأ بيروت، قبل نحو الأسبوعين من الكارثة، وعدم تصرُّفه، يُعتبر أيضًا جُرمًا عاديًا، يُعاقب عليه قانون العقوبات اللبناني؟؟؟
ثمّة مَن يقول، إنّ رئيس الجمهورية لا يملك الصلاحيات. علمًا أنّ هذا الدفاع لا يستقيم، كونه كان في إمكان رئيس الدولة وَفَوْرَ عِلمه، دعوة مجلس الوزراء الى الإنعقاد في شكل طارئ بالإتّفاق مع رئيس الحكومة (الفقرة/12/ من المادة /53/ من الدستور) كذلك، عرض الأمر على مجلس الوزراء مِن خارج جدول الأعمال في أوّل جلسة يعقدها (الفقرة/11/ من المادة/53/ من الدستور) وأيضًا، دعوة المجلس الأعلى للدفاع للإنعقاد (عملاً بأحكام المرسوم 102/1983 قانون الدفاع الوطني) لإتّخاذ ما يَلزَم من تدابير وإجراءات.
حضرة القاضي،
ما دُمت قد إعتبرت أنّ عدم التصرُّف رغم العِلم يُشكّل جُرمًا.
وما دُمت قد إعتبرت أنّ هذا الجُرم هو جُرم عادي وليس وظيفيًا.
وما دامت الفقرة الثانية من أحكام المادة /60/ من الدستور، تُجيز مُلاحقة رئيس الجمهورية بالجرائم العادية.
فما عليك، إلاّ التوجّه إلى قصر بعبدا للإستماع إلى إفادة رئيس الدولة (المادة /85/ أ.م.ج.) وإذا تكوّنت لديك قناعة بأنّه مسؤول، فما عليك إلاّ توجيه كتاب إلى المجلس النيابي بواسطة النيابة العامة التمييزية ووزارة العدل، لإعلامه بما لديك، وللطلب إليه إتّخاذ ما يَلزَم من إجراءات، توصُّلاً للحقيقة وترتيبًا للمسؤوليات.
أمّا أن تقتصر الملاحقة على رئيس الحكومة حصرًا، دون سواه، فذلك يُعتبر إنتقائية وليس شمولية. فالعدالة لا يُمكن أن تتحقق إلاّ بشمولية، لا بإزدواجية. ولا خيمة فوق رأس أحد.
سيّدي القاضي، كُنّ واثقًا أنّك لست وحيدًا، ولن تكون كذلك. قُمّ بما يُمليه عليك ضميرك وعِلمك. ونصيحتي لك: إلى الرئاسة الأولى دُرّ.