صعّد البيان الذي صدر السبت الماضي عن دار الفتوى المواجهة بينها وبين قاضي التحقيق العدلي في جريمة انفجار المرفأ طارق بيطار، وكرس نظرتها للتحقيق على انه “انتقام سياسي” مستندة في ذلك الى اتهام سني لم يعد خافياً للقاضي بيطار بالتحيّز لصالح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والوزير السابق سليم جريصاتي. الربط هنا لم يعد يحتمل من قبل شخصيات سنية تابعة للمجلس الشرعي ادنى شك بما يعزز ارتيابهم المشروع قانوناً.
بالنسبة لدار الفتوى لا يمكن الفصل اقله من حيث التوقيت بين البيان الذي صدر عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الذي انعقد مؤخراً برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، وبين حضور دورية من أمن الدولة الى منزل رئيس الحكومة السابق حسان دياب لتنفيذ مذكرة الاحضار الصادرة في حقه عشية جلسة الإستجواب المحددة اليوم. فالبيان بلهجته التصعيدية لم يقتصر على المطالبة برفع “كل الحصانات بدون استثناء من خلال إصدار قانون جديد في المجلس النيابي” بل تعداها الى التأكيد على “منع إدخال هذا الملف في الاستنساب والانتقام السياسي”، متحدثاً عن “ملاحقة انتقائية لرؤساء أو وزراء ونواب تصيب هذه المحاكمة بخلل جوهري لا يخلو من ” الاستهداف والانتقام” ليغمز بذلك من قناة رئيس الجمهورية وفريقه الذي يتابع خطوات بيطار بحسبهم، وكأنه يتحدث ضمناً عن ارتياب مشروع لدار الفتوى بمن وما تمثل تجاه قاضي التحقيق بيطار.
لعل رئيس الحكومة السابق يتحسر في قرارة نفسه لو ان التأييد السني الذي يحظى به ومظلة دار الفتوى كانت دعمته في مسيرته الحكومية، لكنه احسن الختام بأن التزم نصائح الرئيس سعد الحريري وسار على هدى مفتي الجمهورية في ايام حكومته الاخيرة ولم يخرج عن طوعها، فتصدت للتصويب عليه قضائياً. ولو ان المسألة هنا لا ترتبط بالشخص بقدر ما ترتبط بالموقع الذي يشغله وما يترتب على توقيفه من احتمال كر السبحة الى غيره من رؤساء الحكومات والشخصيات التي سبق وطلب الاستماع إليها. منذ وضع القاضي بيطار دياب في مرمى الاتهام اتخذ التحقيق حيزاً طائفياً بالغ الخطورة بعد القاء دار الفتوى الحرم على توقيف دياب او اي شخصية سنية، وليس معروفاً بعد كيف سيتمكن القاضي بيطار من التعاطي مع الملف فهل سيتجاهل الاتهامات له بتنفيذ “الانتقام السياسي” واكمال تحقيقاته كالمعتاد؟ وماذا سيكون وضع دياب القانوني في حال قرر العودة الى لبنان؟ خصوصاً وان دار الفتوى باتت وبتزكية عربية مصرية سعودية هي المرجعية الروحية والسياسية للطائفة وهي رفعت منذ مدة لواء الذود عن قضايا السنة لتضفي معنى أكبر وأعمق من مجرد رأي سياسي.
خلال الاجتماع في دار الفتوى وضع المفتي دريان الحضور في اجواء الاتصالات التي اجراها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورؤساء الحكومات السابقين وبعض الشخصيات الروحية والسياسية والمتعلقة بتطورات التحقيق في قضية المرفأ وضمناً بما حصل مع رئيس الحكومة السابق، وكان تأكيد واضح على اتباع الآليات الدستورية والقانونية من خلال المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المنصوص عليه في الدستور اللبناني، وطالب المجلس الشرعي بتطبيق القانون من خلال مؤسسة مجلس النواب بدل ان يكون لكل طرف تفسيره، في حين استغرب بعض اعضاء المجلس الشرعي توقيت إقدام عناصر امن الدولة على تنفيذ مذكرة المجلس العدلي بالذهاب الى منزل حسان دياب بعيد ساعات من صدور بيان المجلس الشرعي وكأن المقصود بالخطوة الرد على البيان وتعمد التشويش عليه. وتعاطت مصادر مطلعة على موقف دار الفتوى مع خطوة امن الدولة على انها رسالة مبطنة وتحدّ واضح. ثمة شعور يساور غالبية الشخصيات السنية اليوم بأن بيطار “الاقرب” الى عون وباسيل يمارس “الانتقام السياسي” بحق السنة على وجه التحديد بما يخفي وجود معركة مؤهلة للتصعيد خصوصاً وان دار الفتوى وفق مصادرها تؤكد عدم الاكتفاء بموقف المتفرج وان خطوات اخرى ستتخذ ربطاً بما سيقدم عليه القاضي بيطار في ما يتعلق بتوقيف دياب ليبني على الشيء مقتضاه خصوصاً وان المفتي كان تواصل مع دياب الموجود في اميركا وناقش معه حيثيات القضية.