إنتقل المدّعى عليهم في قضية المرفأ، من السياسيين، أي كلّ من رئيس الحكومة السابق حسان دياب، والوزراء السابقون نهاد المشنوق، غازي زعيتر، علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، من الدفاع إلى الهجوم المضاد. إنتهت الهدنة الهشة التي كانت قائمة بينهم وبين المحقق العدلي طارق البيطار، تحت عنوان “الحصانة النيابية” التي كانت متوفرة للنواب خلال العقد الاستثنائي، وقفز الجميع إلى حلبة المواجهة المباشرة بعد تسطير القاضي البيطار مذكرة توقيف غيابية بحق فنيانوس، ودعوة إحضار جديدة بحق دياب، وتحديد مواعيد استجواب للنواب.
هكذا، وبعد ساعات على منح حكومة نجيب ميقاتي الثقة، سارع المحقق العدلي إلى تحديد مواعيد لاستجواب النواب – الوزراء السابقين، فيما المراسلات المتبادلة بين النيابة العامة التمييزية ومجلس النواب تظهر أنّ الأولى “تميل إلى اعتبار المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بحسب الدستور هو المرجع الصالح”، ردّاً على البيطار الذي بنى صلاحيته على قرار لمحكمة التمييز صادر في العام 2000 ميّز بينَ الجرائم الناتجة عن الوظيفة والجرائم المرتكبة من الوزراء.
هذا “الاستعجال” في خطوات المحقق العدلي الذي انتظر النواب على “كوع” عدم تمتّعهم بالحصانة، دفع بهؤلاء إلى الاستعداد لمرحلة المواجهة المباشرة حيث قرر كلّ من المشنوق وفنيانوس أن يكونا أول المسددين في مرمى المحقق العدلي، إذ تقدم وكيلا وزير الأشغال السابق بدعوى الارتياب المشروع وذلك استناداً إلى ما يراه فريق دفاعه مخالفات قانونية أبرزها للمادتين 70 و71 معطوفتين على المادة 42 من القانون 13، وفي تفسيره للدستور وهذه مهمة مجلس النواب، كما لمخالفته قانون أصول المحاكمات المدنية في مادته 570 التي تعتبر معجّلة التنفيذ رغم أنها غير معجّلة، وفي اعتباره قرار نقابة المحامين قراراً ادارياً وليس قراراً قانونياً مستبقاً قرار المحكمة بإبطال قرار منح الاذن، كذلك في مخالفته قانون المحاكمات الجزائية في المادة 73 التي تفرض عليه إنتظار جواب المحكمة بخصوص الدفوع، كما في مخالفته المواد 107 و147 و149 التي تنصّ على إبطال التبليغ لخلوّها من المندرجات القانونية.
بالتوازي، كان المشنوق يعلن بالسياسة، انطلاق المواجهة المباشرة مع المحقق العدلي، ليعلن بشكل واضح لا لبس فيه، ما كان يدور همساً في بعض الصالونات المغلقة، حول دور خفيّ لجهات سياسية تقف خلف القاضي البيطار. إذ ألمح وزير الداخلية السابق إلى أنّ المحقق العدلي يأتمر من المستشار الرئاسي سليم جريصاتي، مذكّراً بتهديد الأخير له قبل عامين، بأنّه “سيدفع الثمن غالياً”، بسبب تصدّيه لكلام النائب جبران باسيل من البقاع حين هاجم “السنيّة السياسية”، ليضفي بذلك “تهمة التسييس” على سلوك المحقق العدلي الذي يشكو المُدعى عليهم من سياسيين من استنسابية وانتقائية تعيبانه.
وقد ذهب المشنوق أبعد من الجانبين الدستوري والقانوني اللذين فنّدهما باطلالته من على منبر دار الإفتاء، إلى الملعب السياسي الأوسع، مستعيداً بعض ما نُقل عن المحقق العدلي عن “حتمية حصول التغيير”، متّهماً اياه بتنفيذ أجندة سياسية تجعل منه طرفاً أو “داعية تغيير” لا محققاً عدلياً، ملمّحاً إلى زيارات يقوم بها إلى بكركي للقاء سيدها. وهذا ما يرفع منسوب الاشتباك المباشر بعدما لمّح النائب البيروتي إلى دور جريصاتي، وقد ينتقل في المرة المقبلة إلى أبعد من وزير العدل السابق، ليصوّب ربما مباشرة على “الأصيل السياسي”.
وقد اختار المشنوق دار الإفتاء بعد تنبيه المجلس الشرعي الرافض للاستنسابية والانتقائية، ليستعرض سبعة أسباب لارتيابه المشروع من أداء القاضي البيطار، ويدشّن مرحلة جديدة من “الكباش” القاسي الذي يفرز المشهد الداخلي على نحو عمودي، لتكون الخطة التالية، سلسلة دعاوى ردّ سيتقدم بها النواب ورئيس الحكومة السابق خلال الساعات المقبلة للطعن بصلاحية المحقق العدلي في النظر في ملاحقتهم، لكونها من اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وهذا ما يعني أنّ هناك مسارين قانونيين سيسلكهما السياسيون من المدّعى عليهم: دعوى الارتياب التي تقدم بها وكيلا فنيانوس، ودعاوى الرد التي سيتقدم بها الآخرون، على اعتبار أنّ ثمة اجراءات اضافية اتخذها المحقق العدلي بحق فنيانوس (مذكرة التوقيف الغيابية) تشوبها مخالفات قانونية جمّة تسمح له بالتقدم بدعوى الارتياب.
أسئلة المشنوق
وقد توّجه المنشوق بالأسئلة التالية:
– “لماذا يستقبل أهالي الضحايا بلا شروط ولمرات عديدة؟ وبهذا المعنى من واجبه أن يستقبل المُدّعى عليه ولو بصفة شاهد، فلماذا لم يستقبلني؟
– هو ادّعى في نصّ الدعوى بوجود احتمال شبهة التسبّب بجريمة وإحراق وقتل، لذلك يقول بانتفاء صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. فإذا كان الأمر كذلك، لماذا لا يسري هذا الاعتبار على القضاة الذين حوّلهم إلى محكمة خاصة بهم؟
– هناك نصّ دستوري وهناك نصّ قانوني. وبطبيعة الحال الدستور يتقدّم، وهو يقول بمحاكمة الرؤساء والوزراء أمام المجلس الأعلى.
– لماذا لم يتقدّم من وزير الداخلية الجديد بطلب جديد لاستدعاء مدير عام الأمن العام، ولماذا لم يطلب من مجلس الدفاع الأعلى، بطلب جديد، لإعادة النظر بقرار استدعاء المدير العام لأمن الدولة اللواء أنطوان صليبا؟
– فليستقِل من القضاء ولينزل إلى الشارع ليطالب بالتغيير. ليعبّر عن رأيه في الشارع وليس من موقعه كقاضٍ يقبض راتبه من الدولة اللبنانية التي لا يوافق عليها.
– ردّت النيابة العامة التمييزية برسالة على مجلس النواب، أوضحت أنّها أبلغت المحقّق العدلي السابق، بأنّ صلاحية محاكمة الوزراء السابقين هي من اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وأعلنت بوضوح أنّها “أكثر إيجابية وتميل” الى اعتماد المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مع المحقق العدلي الجديد الذي لا يطلعها على الكثير من الإجراءات. وهذه مخالفة قانونية.
– نحن تحت عمامة هذه الدار التي هي عمامة وطنية لكلّ اللبنانيين وقد صدر بيان المجلس الشرعي الرافض للاستنسابية والانتقائية، ودعا إلى الرجوع للدستور الذي يقول بمحاكمة الرؤساء والوزراء أمام محكمة خاصة بهم. لذلك أنا أعتمد رأي النيابة العامة التمييزية ورأي المجلس الشرعي الأعلى وبيانه. وأي كلام آخر لا يعنيني ولا يلزمني ولا يهمّني”.
وأنهى المشنوق كلامه بالقول “إذا كان جهاز أمن الدولة يريد إحضار الرئيس حسان دياب، وضيّع العنوان، فعنوان الرئيس دياب هو “دار الإفتاء – الزيدانية – بيروت”، فليأتوا للتبليغ والإحضار من هنا”.