Site icon IMLebanon

تَوقعوا رِياحاً سياسيَّةً عاصفة تُنذرُ بالإطاحَةِ بالمحقِّقِ العدلي وسُقوط العَدالَة الجِنائيَّة (2)

 

رئيسُ الجُمهوريَّةِ هو أعلى المَسؤولينَ مَرتبةَ في الدَّولة، وصرَّحَ علناً أنه عَلِمَ بوجودِ مادَّة النِّيترات، ونُسِبَ إليه عَدَمَ مُبادَراتِهِ لتَدارُكِ المَخاطِر، إلاَّ أن الدُّستورَ وبالتَّحديدِ المادَّة 60 منه تُعفيه من المَسؤوليَّة، إذ تنصُّ على التالي:«لا تِبعَةَ على رَئیسِ الجُمهوریَّةِ حالَ قِیامِهِ بوظیفَتِهِ إلَّا عِندَ خَرقِهِ الدُّستورِ أو في حالِ الخِیانَةِ العُظمى.

 

أما التِّبعَةُ فیما یَختصُّ بالجَرائمِ العادِیَّةِ فهي خاضِعَةٌ للقوانین العامَّة. ولا یمكن اتِّهامُهُ بسبَبِ هذه الجَرائم أو لِعلتي خَرقِ الدُّستور والخیانَةِ العُظمى إلَّا من قِبلِ مَجلسِ النُّوابِ بموجَبِ قرارٍ یُصدِرُهُ بغالبِیَّةِ ثُلثي مَجموعِ أعضائهِ، ویُحاكَمُ أمامَ المَجلِسِ الأعلى المَنصوصِ علیه في المادَّةِ الثمانین ویُعهدُ في وظیفة النیابَةِ العامَّةِ لدى المَجلسِ الأعلى إلى قاضٍ تُعیِّنُهُ المَحكمة العلیا المؤلفة من جَمیعِ غُرَفِها.»

 

ويتبين من نص هذه المادَّة أن تِبعةَ رئيسِ الجُمهورِيَّةِ تقومُ في ثلاثةِ حالاتٍ حَصريَّاً: الأولى في حالِ خَرقِهِ الدُّستور، والثانِيَةُ في حالَةِ الخِيانَةِ العُظمى والثالثةُ في حالِ ارتِكابِهِ جَريمَةً عادِيَّةً أي خارِجَ إطار المَهامِ المُناطَةِ به، ويُشترَطُ أن يَتِمَّ اتِّهامُهُ بقرارٍ يَصدُرُ عن المَجلسِ النِّيابي وبأكثريَّةِ ثُلثي أعضاء المَجلس. وبالتالي يُعتبرُ الرئيسُ بمنأى عن المُساءَلَةِ وإن ثبُتَ تَقصيرُهُ أو إخلالُهُ بالواجباتِ المُلقاةِ عليه كرئيس للدولة، ما لم تندرجُ ضِمن توصيفِ خَرقِ الدُّستورِ أو الخِيانَةِ العُظمى، وصَلاحِيَةُ مُلاحقتِهِ بهذه الجَرائمِ من اختِصاصِ المَجلسِ الأعلى المنوه عنه.

 

الأمرُ يختلفُ بالنِّسبةِ لرئيسِ مَجلسِ الوزراءِ والوزراء، إذ أجازَ الدستورُ لمَجلسِ النُّوابِ اتِّهامَ أي منهم لارتكابِ الخيانَةِ العُظمى أو الإخلالِ بالواجباتِ المُلقاةِ على عاتِقِهم، على أن يَتِمَّ اتِّهامُهُم بقرارٍ يَصدُرُ عن مَجلِسِ النًّوابِ بأكثرِيَّةِ الثُّلثين، أي ذات الأكثريَّةِ الموصوفَةِ المَطلوبَةِ لاتِّهامِ رَئيسِ الجُمهورِيَّةِ في حالَةِ خَرقِ الدُّستورِ أو الخِيانَةِ العُظمَى. وقد أناطَ الدُّستورُ مُلاحَقَتَهُم بالمَجلِسِ الأعلى لمُحاكَمَةِ الرُّؤساءِ والوزراءِ في حالتي الخِيانَةِ العُظمى والإخلالِ بالواجِباتِ المُناطَةِ بهم، وهذا ما وَرَدَ في المادة 70 من الدُّستورِ والتي تَنُصُّ على: « لمجلس النواب أن یتهم رئیس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخیانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المُترتِّبةِ علیهم ولا یجوز أن یصدر قرار الاتهام إلا بغالبیة الثلثین من مجموعِ أعضاءِ المَجلس. ویُحدَّدُ قانونٌ خاصٌّ شُروطَ مَسؤولیَّةِ رَئیسِ مَجلِسِ الوزراء والوزراءِ الحقوقیَّة.» ويُفهمُ من عِبارَة «لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء …» أن صلاحِيَةَ الاتِّهامِ مَحصورَةٌ بالمَجلِسِ النِّيابي، ويُشترَطُ أن يَتِمَّ بقَرارٍ يَصدُرُ بغالِبِيَّةِ ثُلثَي أعضاءِ المَجلِسِ كما هو الحالُ بالنِّسبَةِ لمُلاحَقَةِ رَئيسِ الجُمهورِيَّةِ حيث تَثبتُ مسؤوليَّتُهُ عن أفعالِه. أمَّا المَرجَعُ الصَّالِحُ للنَّظَرِ بمُحاكَمتِهِم لأيِّ جُرمٍ يَندرِجُ ضِمن توصيفِ الخِيانَةِ العُظمى أو الإخلالِ بالواجِباتِ فهو المَجلِسُ الأعلى، وهذا ما يُستدلُ عليه من نصِّ المادة 71 من الدُّستورِ، والتي تنصُّ على «يُحاكَمُ رئیسُ مجلس الوزراء أو الوزیر المتهم أمام المجلس الأعلى.» أمَّا في الجرائمِ العاديَّةِ فيُلاحقون وفق الأصولِ العاديَّةِ على خِلافِ ما هو الحالُ عليه بالنِّسبةِ لرئيسِ الجُمهوريَّة. ويستخلصُ من نصِّ المادتين 70 و71 المُشارِ إليهما أن رئيسَ مجلسِ الوزراء والوزراء يُلاحقون أمام المجلسِ الأعلى لمُحاكمَةِ الرُّؤساءِ والوزراءِ حَصراً في حالِ اتُّهِموا بقرارٍ من مَجلِسِ النُّوابِ يُتَّخذُ بغالِبِيَّةِ ثُلثَي أعضاءِ المَجلِسِ بالخِيانَةِ العُظمى أو الإخلالِ بالواجِباتِ المُلقاةِ عليهِم بحُكمِ المَنصِبِ الذي يَشغلونَهُ أي رئيس حكومة أو وزير.

 

وحيث أن ما هو منسوبٌ من مَسؤوليَّاتٍ على المَسؤولين والمُوَظَّفين في قضيَّةِ انفجارِ المرفأ يُرَدُّ إلى إخلالِهِم بالمَهامِ الوَظيفِيَّةِ المُناطَةِ بهم، لذا يَجوزُ اتِّهامُهُم من قِبَلِ مَجلِسِ النُّوابِ فقط، كما يُحاكمونَ حَصراً بهذا الجُرمِ أمامَ المَجلسِ الأعلى.

 

ثمَّة ضوابِطٌ تَحكُمُ مُلاحَقَةَ عَددٍ مِمَن تُثارُ شُبُهاتٌ حَولَ مَسؤوليَّتهم عن حادِثِ التَّفجيرِ لتَمتُّعِهِم بحَصانَةٍ أو أكثرَ أو لوجوبِ تَبني أُصولٍ وإجراءاتٍ خاصَّةٍ في مُلاحَقَتِهِم، منهم من يَتمَتَّعُ بحَصانَةٍ نِيابِيَّة، ومنهم من هو قاضٍ ومنهم من هو موظَّفٌ رَسمي أو مُحامٍ ومنهم من يَتمتَّعُ بأكثرِ من صِفَةٍ تُخوِّلُهُ التَّمتُّعَ بأكثرِ من حَصانَةٍ الخ،

 

بالنِّسبَةِ للنُّوابِ فهُم يَتمتعونَ بحَصانَةٍ برلمانيَّةٍ تَحولُ دونَ مُلاحَقَتِهِم عن الأراءِ السِّياسِيَّةِ التي يُدلون بها، كما توجِبُ الإستِحصالَ على إذنٍ مُسبَقٍ قبلَ ملاحقتِهم عن أيَّةِ جَريمَةٍ يرتكِبونَها خِلالَ دَوراتِ انعِقادِ المَجلِسِ العادِيَّةِ والاستِثنائيَّةِ في كُلِّ ما له عَلاقَةٍ بأفعالٍ جُرمِيَّةٍ تَخرُجُ عن إطارِ التَّعبيرِعن مواقِفِهِم السِّياسِيَّة، أما بالنِّسبَةِ للقُضاةِ فهُم لا يَتمتَّعون بحَصانَةٍ، ولكن القانون يوجِبُ اتِّباعَ أُصولٍ مُعيَّنَةٍ لمُلاحَقتِهِم ومُحاكمَتِهِم تَضمنُ احتِرامَ خُصوصيَّاتِهِم وهيبتِهم، بحيثُ أنهم يُلاحقون أمام مَحكمَةٍ خاصَّةٍ تَتَشكَّلُ من إحدى غُرَفِ مَحكمَةِ التَّمييزِ أو من هيئتِها العامَّة حسب درجة القاضي والمركزِ الذي يشغله، أما الموظَّفون فيَقتَضي قبلَ تَحريك الدَّعوى ضُدَّهُم الاستِحصالَ على إذنٍ من الإدارَةِ المَعنِيَّةِ، أي  الوزير بالنِّسبَةِ للمُدراءِ العامين والمُديرُ العام بالنِّسبَةِ لباقي المُوظَّفين، مع استِثناءُ رؤساءِ الهَيئاتِ والمَجالسِ التَّابِعَةِ لرِئاسةِ مَجلِسِ الوزراء فيَقتَضي الاستِحصالَ على الإذنِ بمُلاحَقَتِهِم من رَئيسِ مَجلِسِ الوزراء. يبقى التَّطرُّقُ إلى الحَصانَةِ المِهنِيَّةِ وبالتَّحديد الخاصَّةِ بالمُحامين حيث يَتوجَّبُ الحُصولُ مُسبقاً على إذنٍ بالملاحقةِ من مَجلِسِ النِّقابَةِ في حالِ كان الجُرمُ يَتعلَّقُ بمُمارَسَةِ المِهنَة، وهنا نرى أن على خِلافِ ما هو مَنسوبٌ للموَظَّفين من إخلالٍ بواجِباتِ الوَظيفَةِ فإن المُحامين المَنوي مُلاحَقتَهُم فالسلوكياتُ التي يلاحقون من أجلها لا علاقَةَ لها بمُمارستهم للمِهنَة وبالتالي لا إشكاليَّةَ في منحِ الإذن بمُلاحقتِهم.

 

البعضُ يَتَساءلٌ عن الأسبابِ التي تدفَعُ بالمُحقِّقِ العدلي للاعتقادِ بصَلاحيَّتِه في استِجوابِ رَئيسِ الحُكومة السَّابقِ حَسَّان دياب وبعْضٍ من الوزراءِ السَّابقين رَغمَ وضوحِ نَصي المادَّتين 70 و71 من الدستور، واللتين تبيِّنانِ من دون لَبسٍ أن الصَّلاحِيَّةَ في مُحاكمتِهِم في الإخلالِ بالواجِباتِ الملقاةِ على عاتِقِهِم مَحصورَةٌ بالمَجلسِ الأعلى؛ وبعضٌ آخرَ يتساءلُ عن الغَرَضِ غَيرِ المُعلنِ وراءَ ذلك، أهو شَعبويَّةٍ أم تَنفيذا لأجنداتٍ سِياسِيَّة؟ ويضيفُ أنه وراءَ الأكمةِ ما وراءها، حيث يُخشى أن يُستغلَّ حدثُ انفِجارِ المَرفا لتَسجيلِ أسبقيّةٍ أو عُرفٍ بهذا الخُصوصِ تَمهيداً لتَحريكٍ ملفَّاتٍ أخرى وبِحَقِّ مَسؤولين آخَرينَ بغَرَضِ الانتِقامِ أو الابتِزازِ السِّياسيين.

 

وسؤالٌ يَطرَحُ ذاتَهُ على ضَوءِ المُستجدَّاتِ الأخيرَةِ ألا وهو: ماذا لو بقي المُحقِّقُ العدليُّ مُصرَّاً على موقِفِه، والغالبُ فيه مخالفَتُهُ لنص دستوريٍّ واضحٍ، مولِياً نفسهُ صَلاحِيَةَ استِجوابِ رَئيسِ الحُكومَةِ والوزراء، وماذا لو أصدرَ مذكراتِ توقيفِ بحقِّهم وهل بالإمكان توقيفُهُم وسَوقِهم إليه عُنوة؟ وماذا لو رَفَضَت أجهِزَةُ إنفاذِ القانون تنفيذَ المُذكَّراتِ العَدليَّةِ الصَّادرةِ عن المُحقِّقِ العدلي خارجَ نِطاقِ صلاحيَّاتهِ القانونيَّة؟ وهل من حَقِّ أيٍّ منهم التَّنازُلَ عن حَصانَتِهِ والرُّضوخِ لقرارِ المُحقِّقِ العَدلي رَغمَ اقتِناعِه بعدَمِ مسؤوليَّتِه أو لعلمِهِ أن الصَّلاحِيَةَ مَعقودةٌ للمَجلِسِ الأعلى؟ ألا يُشكِّلُ ذلك تِكريساً لعُرفٍ يُقوِّضُ مَفاعِيلَ نَصٍّ دُستوري واضِحِ المغزى؟

 

وفي ظِلِّ شُعورِ فريقٍ سِياسِيٍّ أو أفرِقاءَ يُمثلون مُكوناتٍ أساسِيَّةٍ في البلد بأنَّهُم مُستهدفون باستِغلالِ التَّحقيقِ بقضيَّةِ انفِجارِ المَرفأ للنَّيلِ منهُم، هل يبقى من المَقبولِ أو المُتصوَّرِ أن يتشجَّعَ أيٌّ من المُستدعين للمثولِ أمامَ المُحقِّقِ العَدلي من الحُضورِ طَوعاً، لأن ذلك سيُعتبرُ ضَرباً من ضُروبِ الطَّعنِ بالظَّهرِ لباقي المُستَدعين ومن يُمثِّلُهُم، وفي هذا السِّياقِ يأتي عزوفُ النائبِ نهاد المشنوقِ عن الحُضورِ بعد أن أعلنَ عن رَغبته في الحُضور طَوعِيَّا.

 

 

لم يعد خافِياً أن السَّيرَ في ملفِّ انفِجارِ المَرفأ إلى خَواتيمِهِ الصَّحيحةِ تَعترِضُهُ الكثيرُ من المَطبَّاتِ في ظِلِّ هذا الانقِسامِ حولَ المَرجَعِ الصَّالِحِ للنَّظرِ بها، وعلى المَعنيينَ العَملَ على تذليلِ الكثيرِ من العَقبات، لأن تحقيقَ العَدالَةِ ومُحاسَبَةِ المَسؤولين عن هذه الجريمَةِ الفَظيعَةِ بكل المَقاييس، لا بُدَّ من أن يُبنى على مَعاييرَ مُتجرِّدَةٍ وإجراءاتٍ قانونيَّةِ ومشروعة، وبعيداً عن نَزَعاتِ الانتِقامِ وتَصفِيَةِ الحِساباتِ أو النِّكاياتِ والمُناكَفاتِ السِّياسِيَّةِ الهابِطَة، وكي لا تبقى العدالةُ بهذه القَضِيَّةِ مُعيَّبَةٌ أو قاصِرةٌ على مُحاسَبَةِ صِغارِ المُقصِّرين وتقديمِهم كَكِبشِ فِداءٍ لامتِصاصِ النَّقمَةِ الشَّعبِيَّةِ على الطُّغمَةِ الحاكِمَة.

 

وكي لا تُطيحَ الميولُ الشَّعبويَّةُ بدُستوريَّةِ القَوانين كما بالعدالَةِ الجِنائيَّةِ في قَضِيَّةِ المَرفأ، وبالتالي بحقوقِ ذوي الضَّحايا وباقي المُتضرِّرينَ منها علماً أن لبنان بأسرِهِ سَقَطَ ضَحِيَّةَ هذا الانفِجار. وعليه ينبغي اتِّباعُ إجراءاتِ مُلاحَقَةٍ لمُحاسَبَةِ المَسؤولين كُلِّ المَسؤولين عن هذه الجَريمَة، عِلماً أن المَسؤوليَّاتِ تَتَوزَّعُ ما بين سُلوكِيَّاتِ نابِعَةٍ عن نوايا جُرمِيَّةٍ آثِمَةٍ عَمديَّةِ الطَّابعِ في ما خَصَّ من سَعوا إلى تأمينِ شُحنَةِ النِّيتراتِ وشَحنِها إلى لُبنان وإدخالِها لأراضيهِ بطُرُقٍ مُلتويَة، وما بين تَقصيرٍ فاضِحِ يندرِجُ ضِمنَ توصيفِ الإهمالِ وقِلَّةِ الاحتِرازِ اللَّذينِ يَندرجانِ ضِمنَ توصيفِ القَصدِ الاحتِمالي لعِلمِ بعضِ المَسؤولينَ بخُطورَةِ الشُّحنَةِ واحتِمالِ تفجُّرِها والمَخاطِرِ التي قد تَتَرَتَّبُ عن ذلك، ورغم ذلك قبلوا بالمُخاطَرَةِ وعَدَمِ تَصرفِهِم بمَسؤوليَّةٍ حِيالَها لتَدارُكِ مَخاطِرِها.

 

لم تكلِّفُ أي كتلةٍ طلبَ دَعوةِ المجلسِ النيابي لاتِّهامِ أيٍّ من الرُّؤساءِ والوزراءِ، وَحدَها كُتلَةُ تيارِ المُستقبل تقدَّمت بمَشروعِ قانونٍ يقضي برَفعِ الحَصاناتِ كل أنواعِ الحَصاناتِ عن المُتورِّطين بهذه القضيَّةِ أو المُقصِّرين، ولكنَّها لم تلق تَجاوباً من بعض الكُتلِ التي تَغيَّبَت عن حُضورِ الجَلسَةِ التي خُصِّصَت لمُناقَشَةِ اقتِراحِ القانونِ المُنوَّهِ عنه. ونجن نرى أن هذا الاقتراح غير كافٍ إذ يبقي الصَّلاحيَّةَ في ملاحقةِ الرؤساءِ والوزراءِ أمام الجلسِ الأعلى، وملاحقةِ القُضاةِ أمام مَحكمَةٍ خاصَّة بهم، وربَّما العسكريون أمام المَحكمةِ العَسكريَّةِ، هذا بالإضافةِ إلى المجلسِ العدلي، وهذا يفقدُ الملاحقةَ وحدةَ المعايير.

 

من هنا نرى وجوبَ تدارُكِ الوَضعِ قبلَ فواتِ الأوانِ ووصولِ الأُمورِ إلى حيثُ لا رَجعَة، أو تكريسِ أسبقيَّةٍ أو عُرفٍ يُخالِفُ نَصَّاً دستوريَّاً واضِحاً ستكونُ له نتائجَ وانعَكاساتٍ خَطيرَةٍ على المدى البعيد، والتَّسبُّبِ بصَدعٍ سياسيٍّ ليسَ بالسَّهلِ إصلاحُه، ولهذا نرى أن المَجلِسَ النِّيابيَّ مَدعوٌ للتَّدخُّلِ عاجِلاً والخُروجِ بحَلٍّ يَضمَنُ احتِرامَ الدُّستورِ وبالوَقتِ عَينِهِ وصولَ التَّحقيقِ بانفِجارِ المَرفا إلى النتائجَ المرجوَّةِ، ومُحاسَبَةِ كُلِّ الضَّالِعينَ في الجَريمَةِ والمَسؤولينَ عن الإنفِجارِ والتَّعويضِ على المُتضرِّرينَ وذوي الضَّحايا.

 

ونرى أن الحَلَّ يكونُ بإقرارِ قانونٍ دُستوريٍّ يَستثني هذه الجَريمَةَ والجرائمِ المُتلازمةِ معها من مَفاعِيل أحكامِ المَواد 60 و70 و71 ، ويَحصُرُ الفَصلَ فيها بالمَجلِسِ العَدلي، مع رفعِ كُلِّ الحَصاناتِ والأذوناتِ بما يُسهِّلُ استِجوابَ جَميعِ المُشتَبَهِ بهم، ومُحاكَمَتِهِم من دونِ أيَّةِ مُعوِّقاتٍ إجرائيَّة.