يظهر بوضوح أن التفاؤل بمؤتمر دولي للدول المانحة يتراجع، وكذلك مفاعيل زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى باريس والتي بدورها بدأت تتّسم بالبرودة، على اعتبار أن القنبلة القضائية بعد كفّ يد القاضي طارق بيطار، قد طغت على ما عداها، وحيث تتوقّع أوساط سياسية، أن تكون لها تداعياتها على الملف الحكومي، كما على صعيد البلد بشكل عام، إذ تنذر بتحويل الحكومة إلى إدارة الأزمات بسبب هذا الملف التفجيري الجديد الذي أضيف إلى جانب الملفات الخلافية الأخرى. وعليه، تقول الأوساط، أن تدوير الزوايا، والذي يبقى من اختصاص رئيس الحكومة سيسلك طريقه في هذه المرحلة الحالية، إضافة إلى العمل على تمرير الإنتخابات النيابية، وفق متطلّبات المجتمع الدولي، إذ يُنقل بأن هذه المسألة كانت ضمن المباحثات التي جرت في الإيليزيه بين الرئيس ميقاتي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي وعد رئيس الحكومة بأن يعمل على تأمين حصول انتخابات نيابية نزيهة.
من هذا المنطلق، فإن الزلزال القضائي حول جريمة مرفأ بيروت لن يكون عابراً أو مسألة عادية، بحسب الأوساط نفسها، بل ثمة أجواء تشي بتحوّله إلى تصعيد سياسي غير مسبوق، وربما حصول مفاجآت كبيرة في الأيام المقبلة لها صلة بكل ما يرتبط بهذا الملف البالغ الخطورة والحساسية في آن، وربطاً بذلك، لم تقتصر هذه الإنعكاسات على الصعيد القضائي، وإنما سيكون لها وقعها على مستوى الإنتخابات النيابية من التحالفات إلى تصفية الحسابات، وهو ما ستظهر معالمه في المرحلة القادمة، في ضوء ما سيحصل وما سيصدر من مواقف سياسية، خصوصاً بعدما أكد الرئيس ميقاتي أنه لن يغطي أحداً، ولكنه، ومن خلال الدائرة الضيقة لنادي رؤساء الحكومات السابقين، لا يمكنه الخروج عن ثوابت ومسلّمات موقف هذا النادي من استدعاء الرئيس السابق حسان دياب للتحقيق معه، بمعنى أن ميقاتي قد يقدم أيضاً، وفي ما يتعلّق بهذا الشأن، على تدوير الزوايا كي لا يصطدم مع رئيس الجمهورية.
وفي غضون ذلك، فإن صدى المفاجأة القضائية بالتحقيقات الجارية حول كارثة المرفأ، قد تخطّت الساحة الداخلية وإشكالياتها وخلافاتها، إلى عواصم معنية بالملف اللبناني أكان أميركياً أو أوروبياً وخصوصاً باريس، باعتبار أن الرئيس الفرنسي لا يترك مناسبة إلا ويشدّد على ضرورة وصول التحقيق بقضية المرفأ إلى النهاية ومعرفة المرتكبين والمسبّبين، ولذا، قد يكون هناك موقف فرنسي ودولي يحذّر من أي فرملة للتحقيق القضائي، ما سينعكس على الواقع الحكومي. سيما من خلال مؤتمر الدول المانحة أو سواها، مما يشكّل أزمات إضافية على صعيد الإنهيار الإقتصادي والمالي الذي يشهده البلد، وفي ظل الظروف الإستثنائية التي يمرّ بها الناس. ولذلك، فإن البلد، وفق الأوساط السياسية نفسها، مقبلٌ على أسابيع ساخنة سياسياً وقضائياً، في ظل ما ستولّده القنبلة القضائية الناتجة عن كفّ يد القاضي بيطار، وبمعنى آخر، فإن البلد على أبواب انقسام جديد ستكون له تداعياته على مجمل الإستحقاقات السياسية والإقتصادية والإنتخابية.
وأخيراً، فإن الساعات المقبلة ستحمل معها مواقف جديدة مرتبطة بهذا الملف، وستكون مدخلاً إضافياً للتصعيد، دون إغفال عودة الحراك إلى الشارع على خلفية تحقيقات جريمة تفجير مرفأ بيروت، وما سيتركه هذا التحرّك من صدامات، بحيث ثمة معلومات عن السعي للحشد والتصعيد في وجه المنظومة السياسية، ما يعني أن الأمور أضحت قابلة لكل التوقّعات والمفاجآت.