Site icon IMLebanon

كل أنواع الحروب باستثناء المقاومة

 

 

لبنان في ورطة إضافية تزيد من مخاطر أزماته. ولا أحد يتوقع أن تخرجه منها السلطة التي هي شريك فيها. ورطة يقوده إليها أذكياء يمارسون التذاكي وقوي يلجأ الى الإستقواء، ويقعون فيها أيضاً. وليس تورط الأذكياء بالتذاكي والقوي بالإستقواء في معركة ضد التحقيق العدلي في جريمة المرفأ الرهيبة، سوى فصل في تورط القوي وتوريط البلد في “حرب وقائية” أوسع ضمن صراع جيوسياسي أكبر من “حزب الله” ولبنان.

 

وإذا كان الإستقواء على المحقق العدلي النزيه والشجاع طارق البيطار بالتهديد العلني والإتهام بالتسييس والإستنسابية، فإن التذاكي بالقانون. دعاوى “إرتياب مشروع” و”كف يد” وإعلان إلتزام الدستور والقانون والخضوع للمحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. والكل يعرف أن المجلس الأعلى محكوم بعدم محاكمة أحد، لأن الطريق إليه مقطوع من أوله. إذ يحتاج مجرد الإتهام أمامه الى مهمة مستحيلة هي تصويت ثلثي النواب في البرلمان. لكن التذاكي له حدود في إطار القضاء. أما الإستقواء، فإنه يتجاوز كل الحدود.

 

أول الرقص حنجلة، كما يقال. وحنجلة “حزب الله” توحي أن الآتي بعد “قبع” المحقق الدولي هو القيام بأكثر من “حرب وقائية” على جبهات عدة. حرب على المجتمع المدني ومنظماته وجمعياته بدأت منذ “ثورة” 17 تشرين 2019، وإتهام المنظمات بأنها “جماعة السفارة الأميركية” و”التآمر” على المقاومة الإسلامية. حرب على كل المعارضين والخصوم الذين يراهنون على الإنتخابات النيابية للحصول على الأكثرية التي يصر “حزب الله” على الإحتفاظ بها، ويوحي أنه واثق من ذلك. وحرب لـ”إقتلاع بؤر النفوذ الأميركي المتمركز في المؤسسات والإدارة اللبنانية” والتي لدى الحزب “خريطة تفصيلية لها”.

 

وبكلام آخر، قيام “حزب الله” بنقلة نوعية في الصراع مع أميركا تقترب من موقف “الحشد الشعبي” في العراق من قصف الوجود الأميركي، وتؤشر الى إقتراب إيران من موسم الحصاد بعد موسم الزرع في المنطقة، والدهاء في إدارة الملف النووي. ولا يبدل في الأمر إن كان ما يحرك مواقف طهران هو الحسابات الواقعية أو شيء من “جنون العظمة”. وليس أمراً قليل الدلالات أن نصل بعد آخر حرب مع العدو الإسرائيلي قبل 15سنة الى كل أنواع الحروب، وبينها حرب سوريا وحرب اليمن، باستثناء المقاومة. حتى تحرير مزارع شبعا الذي كان مبرر الإحتفاظ بالسلاح بعد الإنسحاب الإسرائيلي تحت ضغط المقاومة، فإنه فقد أولويته في الخطاب قبل العمل.

 

والسؤال البسيط ليس عن حاجة لبنان الى أميركا والغرب والعرب، ولا إن كان “قلع” أميركا ونفوذها فيه ممكناً وقليل المخاطر أم لا، بل ماذا بعد كل هذه الحروب؟

 

أليس من يراد إقتلاعهم عملياً هم اللبنانيون الحرصاء على لبنان الذين يرفضون تغيير هويته؟ وأين “الإنتصارات الإلهية” من حال لبنان المزرية اليوم؟

 

لعل ما ينطبق علينا هو قول حنة أرندت في كتاب “القوة والعنف”: “الحكم يمارس العنف العاري حين يفقد القوة”.