IMLebanon

قرار «الدستوري» يُسابق البازار: البيطار أولاً

 

 

الدور المعوَّل على المجلس الدستوري، كأي مجلس دستوري، فصله بين الباطل والصائب. المهمة الحالية المنوطة به لا تشبه اختصاصه، بل الفصل بين الأفرقاء اللبنانيين وتقليل خسائرهم، وتحوّله هو أداة في بازاراتهم. أن يشبههم وعلى صورتهم فحسب

 

بات يصعب فك الاشتباك، لا التشابك فحسب، بين النزاع على المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار واجتماع مجلس الوزراء ومصير الانتخابات النيابية الربيع المقبل. أخيراً أضيف إلى المشكلة المثلّثة الأضلاع ما كان ينقصها، وهو ضلع رابع يمثله الآن المجلس الدستوري. غدا جزءاً لا يتجزّأ من المشكلة والحل في آن، من خلال القرار المزمع أن يصدره قبل انقضاء مهلة الشهر لوضع يده على مراجعة الطعن في قانون الانتخاب المعدل، النافذ حكماً برقم 8/2021. يفترض صدور القرار قبل 21 كانون الأول، وهي المهلة القانونية. إلا أن ما يتجاوز القرار وحيثياته، هو تداعياته المتوقعة على مسار انتخابات 2022 ومصيرها. بذلك لا يساء الظن بالمجلس الدستوري إذ يُقارب الآن – كمحكمة دستورية مختصة – على أنه أقرب ما يكون في مهمته الحالية إلى شيخ صلح.

 

تباعاً أخفقت كل الإجراءات المقترحة لإطاحة البيطار وإخراجه من ملف التحقيق في مرفأ بيروت بإصرار متصلب من الثنائي الشيعي، ما خلا أخيراً ما بات مرتبطاً تلقائياً بالانتخابات النيابية العامة المقبلة، وبالمجلس الدستوري غير المعني في الأصل بكل هذا الدوران.

أخفقت الإجراءات القضائية في دعاوى الرد والنقل والمخاصمة، ناهيك بفشل محاولة إبدال المحقق العدلي بآخر بقرار يصدره وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى. على نحو تعيينه، يصير إلى خلعه بشرط ملزم هو موافقة مجلس القضاء الأعلى. الأمر الذي لا يجاريه رئيسه سهيل عبود.

من ثمّ أخفق الإجراء السياسي الناجم عن رفض رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي سحب ملف التحقيق من المجلس العدلي بقرار من مجلس الوزراء، بطريقة الإحالة عليه نفسها.

طرح على الأثر إجراء ثالث يقضي بوضع المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء يده على ادعاءات البيطار على رؤساء سابقين للحكومة ووزراء ونواب. يوجب ذلك، قبل الوصول إلى اتهام أي من هؤلاء بغالبية الثلثين، أن يصير إلى انعقاد مجلس النواب وتصويته على تأليف لجنة تحقيق عملاً بالمادة 22 من قانون المجلس الأعلى. يقتضي عندئذ اكتمال نصاب البرلمان بالنصف زائداً واحداً، والتصويت بالغالبية نفسها على تأليف لجنة التحقيق. وافق رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل على حضور الجلسة وتأمين نصاب انعقادها (المختلف عليه حديثاً)، لكنه رفض التصويت على تأليف لجنة التحقيق، ما يحول دون إقرارها. تدخّل حزب الله قبل ثلاثة أسابيع لثنيه عن رفضه، فلم يُوفّق. بذلك تعذّر أيضاً وضع المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء يده على الشق المتعلق بالسياسيين المدعى عليهم، في ظل استحالة إقصاء البيطار من منصبه.

إيصاد الأبواب تلك تباعاً أحال المجلس الدستوري آخرها. مع أن لا صلة قانونية تجمع مراجعة الطعن في قانون الانتخاب بمشكلة البيطار، إلا أن أكثر من رابط سياسي أتاح التشابك. في ذلك تكمن أهمية الخيارات المطروحة على المجلس الدستوري، وهو يضع قراره النهائي في المراجعة، بين أن يقرر إبطال القانون كلياً أو جزئياً. في كلا الخيارين، سيحاذر المجلس الدستوري الخوض في ما تدعوه إليه مراجعة الطعن، وهو تفسير الغالبية الحالية لمجلس النواب الواردة في المادة 57 من الدستور. ما يبدو معلوماً أنه لن يورّط نفسه في هذا الشق، المختلف عليه لأسباب سياسية أكثر منها دستورية وقانونية، بذريعة أن ليس له ممارسة صلاحية ليست اختصاصه، وهي من مهمة مجلس النواب. بذلك يتحاشى النزاع الدائر بين رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يوقّع قانون الانتخاب الرقم 8/2021 المعاد التصويت عليه في مجلس النواب وعدّه باطلاً معدوم الوجود فأضحى القانون نافذاً حكماً، وبين رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يعدّ التصويت عليه قانونياً ويتمسك باحتساب النواب الأحياء الذين يتألف منهم المجلس حالياً، لا النواب الذين يؤلفون المجلس قانونياً.

 

لا أحد في الأفرقاء يريدتصويت الانتشار لـ 128 نائباً ولا التصويت للنواب الستة

 

 

غير أن التنصل من تفسير المادة 57 لا يجنّب المجلس الدستوري استمرار الإشكالية الدائمة: إبطال القانون جزئياً أو كلياً. في ما لا صلة للمجلس الدستوري به أو معني بأي أثر له، أن الأفرقاء جميعاً فقدوا حماستهم لاقتراع الانتشار للمقاعد الوطنية الـ128، ولديهم في المقابل أكثر من حجة لعدم الذهاب إلى الاقتراع القاري لنواب الانتشار الستة، منها ما يتصل بمراسيمه التطبيقية. بل يفضّلون عدم الذهاب إلى الانتخابات النيابية برمتها.

من دون بت مصير البيطار سيمسي الإبطال الجزئي لقانون الانتخاب مشكلة قد يصعب تداركها في المرحلة التالية. ذلك أن من شأن الإبطال الجزئي إرغام مجلس الوزراء على الالتئام من أجل تصويب قانون الانتخاب، تبعاً لقرار المجلس الدستوري. في غياب حلّ للعقبة الكأداء التي هي مصير المحقق العدلي، المرتبطة حكماً عندئذ بقرار المجلس الدستوري، لا جلسة لمجلس الوزراء.

لذا يجري تداول أفكار حلول تفك الاشتباك القائم بين المحقق العدلي وكل من تجميد اجتماعات الحكومة وإجراء الانتخابات النيابية، بأن يصير إلى بازار سياسي مفاده إقران الإبطال الكلي للقانون، في مقابل موافقة باسيل على التصويت في مجلس النواب – وليس الحضور فحسب – على تأليف لجنة التحقيق المنصوص عليها في المادة 22 من قانون المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. عندئذ تجتزأ صلاحيات البيطار من دون خلعه من منصبه، فتحال محاكمة السياسيين إلى المجلس الأعلى، ويُستجاب شرط الثنائي الشيعي في هذا الجانب، ما يتيح على الأثر معاودة مجلس الوزراء الانعقاد. أما الخطوة التالية، فالذهاب إلى انتخابات نيابية تجرى وفق القانون الرقم 44 المقرّ عام 2017، وتالياً انتخاب النواب الستة القاريين.

من دون بازار سياسي مسبق، فإن الإبطال الكلي أو الجزئي لقانون الانتخاب لن يُفسَّر سوى أنه استهداف مباشر لرئيس البرلمان، المتمسك بالصيغة التي أقرها مجلس النواب مرتين على التوالي. تالياً لا إبطال كلياً أو جزئياً بلا موافقته، ولا مكان لتصوّر أي من هذين الخيارين في معزل عن ربط كل منهما بمصير المحقق العدلي.

على نحو كهذا لا يخسر أي من الأفرقاء السياسيين المعنيين: الذين يريدون إطاحة البيطار ينزعون مخالبه، والذين يريدون إبطال قانون الانتخاب المطعون فيه الرقم 8/2021. يفضي ذلك أيضاً إلى تجنيب المجلس الدستوري انقسامه، على جاري العادة منذ المرة الأولى عام 2013، فلا يُفرض على أعضائه التغيّب، ولا يُحمل على الاختلاف على القرار فلا يصدر، ما يجعل القانون نافذاً.

توزيع الأرباح والخسائر هذا مرتبط ببازار سياسي، من دونه المشكلة أكثر تعقيداً. كما يملك برّي ووليد جنبلاط تغييب العضوين الشيعيين والعضو الدرزي تبعاً لما حصل عام 2013، دونما إغفال انضمام العضوين السنيين هذه المرة، لرئيس الجمهورية أن يفعل شأناً مماثلاً بتغييب أعضاء مسيحيين، يفقدون قرار المجلس الدستوري الأصوات القانونية السبعة الملزمة للتصويت عليه.