لم يستغرق اللقاء بين المدّعي العام التمييزي غسان عويدات والقاضي غادة عون اكثر من 5 دقائق، قدّمت الاخيرة خلالها له دراسة قانونية معاكسة للقرار الذي اتخذه في حقها، فأجابها بهدوء، أنّه طالب فقط بتنفيذ القانون الذي يقول بوجوب توقف القاضي عن البت بالدعوى المقدّمة أمامه إلى حين البت بالدعوى الأساسية أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز. وانتهى اللقاء عند هذا الحدّ.
أفادت مصادر قضائية مطلعة، أنّ الدراسة التي قدّمتها عون تتضمن مغالطات وتبريرات غير قانونية، بخاصة ما تضمنته من انّ الهيئة العامة لمحكمة التمييز لم يتّم تشكيلها بعد، وأنّ الهدف هو تسيير العمل القضائي وليس توقفه، وبالتالي فإنّ الطلب منها التوقف مخالف للقانون، بحسب رأيها.
وفي المقابل، أوضحت مصادر النيابة العامة التمييزية لـ»الجمهورية»، انّ المادة 751 من اصول المحاكمات المدنية واضحة، وتنص على عدم جواز القيام بأي عمل من اعمال وظيفية يتعلق بالمدّعي لمجرد تقديم الاستحضار لمخاصمة الدولة، بغض النظر عن تشكيل الهيئة العامة او عدمه، فلا يعود لها التذرّع بهذا الامر للسبب المبيّن اعلاه. مع الاشارة إلى انّ عون غير مختصمة في الدعوى حتى الآن، بل الدولة اللبنانية، وبالتالي لا حاجة لإبلاغها.
واضافت المصادر: «نحن لم نوقف القاضية عون عن العمل ولا نمنعها من ملاحقة المصارف، إذا يجيز لها القانون الملاحقة فلتلاحق، والمصرف المرتكب فليتحمّل المسؤولية، بل انّ هدف النائب العام التمييزي هو تمكين الأفرقاء في الدعوى، الذين تقدّموا بمراجعة امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، بمسؤولية الدولة عن اعمال القضاة او في طلبات الردّ بحق عون للارتياب المشروع امام محكمة الاستئناف في بعبدا، ان يلاقوا الجواب. فلا يمكن للقاضي منع الهيئات العليا من ان تتخذ قرارات في حقها، وذلك بعدم تبلّغها اوراق الدعوى او تذرّعها بأنّها لا تتوقف عن النظر في الدعاوى إلى حين البت بدعوى «المسؤولية».
واكّدت المصادر، انّ الهيئة العامة موجودة في استمرار. أما بالنسبة الى اكتمال تعيين اعضائها او رؤساء التمييز، فإنّ الامر شأن آخر لا علاقة لعون به… وبالنسبة إلى دعوى «المسؤولية» فليس من واجباتها، اي عون، ان تتبلّغ، بل عليها ان تتوقف عن النظر في الدعاوى المتعلقة بالمدّعي، اي مقدّم المراجعة، وبالتالي فإنّ المدّعي العام التمييزي لم يوقفها عن الدعوى ولم يأخذ طرفاً مع أي جهة سواء معها او مع المصارف، بل على الهيئات العليا الاستئنافية والتمييزية ان تقرّر، وعون بتصرفها تمنع الهيئات العليا من البت.
هل تدخّلت السياسة؟
مصادر قضائية معنية ترى، انّه لا يمكن فصل المواقف القانونية عن المواقف السياسية، لأنّ الموقف السياسي يتذرّع بالموقف القانوني ويسائله: أين انت يا مدّعي عام التمييز من هذه التصرفات؟ ونتيجة الضغط عليه لممارسة واجباته اتخذ عويدات القرار بحق عون، والامر نفسه ينطبق على رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود، حين يُطالَب بتنفيذ واجباته امام قاضٍ يخالف القانون ويستمر في البت بملفاته ولا يلتزم بقرارات الهيئات العليا… وبالتالي تلفت المصادر القضائية نفسها، إلى أنّ الرئيسين عويدات وعبود اعتبرا انّ الضغط (وإن اعتُبر سياسياً) الذي مورس عليهما، هو للقيام بواجبهما القضائي والقانوني ليس اكثر…
وترى المصادر نفسها، انّ بيان رئيس الحكومة الشهير الذي طالب فيه وزير الداخلية بسام مولوي باتخاذ الاجراءات اللازمة، والذي استنفر مولوي فتسرّع وتدخّل بالشأن القضائي واتخاذ قرارات لا شأن له بها وهي ليست من ضمن صلاحياته، جعلت المراجع القضائية المعنية تتحرّك لتقول إنّها وحدها المخوّلة اتخاذ تلك الاجراءات. وبالتالي، يمكن القول انّ مبادرة ميقاتي وتسرّع مولوي شكّلا ثنائياً ضاغطاً حرّك النيابة العامة التمييزية، ومن هناك تصرفت لاتخاذ الاجراء السريع في حق عون.
هل تراجع بيطار؟
اما عن التسوية التي يتمّ التداول بها في شأن ملفي عون والقاضي طارق البيطار، فتكشف مصادر قضائية متابعة، أن ليس هناك من تسوية بين هذين الملفين، مشيرة إلى انّ بيطار وباعترافه قال، انّه لا يمكن له الاستمرار في اي ملف بعد ادعاء النيابة العامة التمييزية عليه، ويجب بعدها ان يتمّ تعيين قاضٍ لاستجوابه وهيئة اتهامية للنظر في الدعوى المقامة بحقه، أي إذا كان الادعاء عليه باغتصاب السلطة صحيحاً او غير صحيح. ويُرفق القرار إذا ما تمّ الظن به إلى المحاكمة فيُحاكم. أما إذا صدر القرار بمنع المحاكمة في حقه فلا يكون مغتصباً للسلطة او مرتكباً لأي جرم.
وتجدر الاشارة إلى انّ رئيس مجلس القضاء الاعلى هو من عليه تعيين قاضي التحقيق للنظر في دعوى الادعاء على بيطار، اما الهيئة الاتهامية فيعينها مجلس القضاء الاعلى على ان يكون القضاة أعلى رتبة من بيطار ويتمتعون بكفاية عالية.
وفي المقابل، تؤكّد مصادر قضائية مطلعة، أنّ ادعاء بيطار على عويدات هو ادعاء باطل من الأساس. فالادعاء لا يمكن السير به وفق الاصول القانونية لأنّه ادعاء باطل، ولأنّ جرائم القضاة تبقى من صلاحية النيابة العامة التمييزية ولا يمكن لبيطار اتخاذ أي اجراء، وهو أذا فعلها سيعرّض نفسه لمزيد من الدعاوى، وهذه المرة مخاصمته من جانب النيابة العامة التمييزية، اي انّ النيابة العامة التمييزية ستخاصم بيطار امام القضاء. فيما تكشف تلك المصادر انّ الحلول المطروحة حالياً ليست تراجع بيطار عن الدعوى في حق عويدات بل «رجوعه عن الخطأ في الادعاء».