تَتالت فصول قرار القاضي محمد مازح وتعاقبت، منهم مَنْ أيّده، ومنهم مَنْ إنتقده. منهم مَنْ أدانه ومنهم مَنْ برّره.
لكن الثابت قانونًا، أنّه قد صدر بناءً لإستدعاء مُقدّم من غير ذي صفة (خلافًا لنّص المادة التاسعة من قانون الأصول المدنية المعدّل). وصدر من قاضٍ لا يتمتّع بالصلاحية المكانية (خلافًا لأحكام المادتين/97/ و/102/ من قانون الأصول المدنية أيضًا). وصدر في صيغة تنظيمية، فيما يُفترض أن يصدر فصلاً بقضية محدّدة. إضافةً إلى كونه قد صدر وتناول جُرمًا وضررًا مُحتملاً، وليس واقعًا. كذلك جاء مُخالفًا لقاعدة الصلاحية النوعية، حيث البّت بنزاعات كهذه يعود في الأصل إلى محكمة المطبوعات حصرًا (عملاً بأحكام المادتين/81/ و/82/ من قانون الأصول المدنية).
إضافةً إلى كامل ما تقدّم.
فإنّ القرار المذكور قد جاء مخالفًا لـ»إتفاقية فيينّا» للعلاقات الديبلوماسية تاريخ 18/4/1961، ولا سيما منها المادتان/29/ و/31/. كذلك مخالفًا لنص المادة /22/ من قانون العقوبات اللبناني.
والأهّم من كل ذلك،
فإنّ القرار المذكور قد جاء مخالفًا لمبدأ الفصل بين السلطات (المنصوص عنه في الفقرة «هـ» من مقدّمة الدستور) حيث تعدّت السلطة القضائية على السلطة التنفيذية، علمًا أنّ «إتفاقية فيينا» تاريخ 18/4/1961 قد نصّت على أصول مُساءلة أفراد السِّلْك الديبلوماسي، عبر إستدعائهم إلى وزارة الخارجية، وليس عبر حُكم قضائي مَشكوك بِخلفيّاته.
وأيضًا،
من الثابت أنّ القرار المومأ إليه أعلاه، قد جاء مُخالفًا لأحكام الدستور اللبناني، خصوصاً لجهة حرّية الصحافة والرأي وحق النّشر، والتي هي في الأساس، حقوق مُقدّسة ومُكرّسة. (الفقرة «ج» من مقدّمة الدستور، والمادة /13/ منه).
إضافةً، إلى أنّه قد جاء مُخالفًا لأحكام قانون المرئي والمسموع الرقم 382/2018 تاريخ 12/6/2018، ولا سيما منه المادة /35/، التي تُحدّد التدابير المُمكِن إتّخاذها في حّق المؤسسات الإعلامية في حال المُخالفة.
وبعيدًا عن تقييم الحكم القضائي موضوع البحث، لَفَتَني ما تتعرّض له جانب معالي وزيرة العدل من إتّهامات رخيصة، وما زالت.
فَدَهَبَ البعض إلى تخوينها، والبعض الآخر إلى نَعْتِها بالعمالة، وبقيّة باقية إلى إتّهامها بِسَعْيها إلى الرّئاسة الأولى، …كذا…. فقط، لسبب إحالة القاضي محمد مازح الى التفتيش القضائي.
فَللقاصي والداني نقول، إنّه وَبِغضّ النظر عن موقفنا من الحكومة. فإنّ شخص معالي الوزيرة لا غُبار عليه، فهي قيمة علمية في حدّ ذاتها، لا تعرف الخيانة ولا العمالة، ولا تسعى لأي هدف قريب أم بعيد.
فجُلّ ما قامت به، هو القيام بواجبها، تجاه حُكم قضائي، تركت أمر الطعن فيه للطُرُق القانونية. وتجاه قاضٍ لجأ إلى الإعلام لتبرير قراره، فقرّرت إحالته إلى التفتيش القضائي، لِبيان ما إذا كان ما أقْدَمَ عليه القاضي المَعْني، قد أثّر على حُسْنِ سَيْرِ القضاء. كُلّ ذلك عملاً بصلاحيّاتها المنصوص عنها في المادة /97/ وما يليها من قانون القضاء العدلي 150/1983.
بالتالي، ما قامت به معالي الوزيرة، قد جاء في محّله القانوني الصحيح. خصوصًا وأنّها مولجة مهمة الإشراف على حُسْنِ سَيْرِ القضاء. والتفتيش القضائي مهمّته مراقبة حُسْنِ سَيْرِ القضاء وأعمال القُضاة (المادة /98/ من قانون القضاء العدلي 150 /1983).
مما يعني، أنّ ما تتعرّض له جانب معالي وزيرة العدل راهنًا، خصوصاً من مؤيّدي القرار القضائي المطعون فيه، يستدعي منّا جميعًا التكاتُف معها، والوقوف إلى جانبها، وعدم تركها رهينة وفريسة فريق يسعى إلى إرهابها لإخراجها.
فالدولة لَنْ تقوم إلاّ بإحترام القانون وتطبيقه، وألف تحيّة إلى جانب معاليها، فَلُبنان بحاجة إلى رجالات دولة والسّلام.