مجلس شورى الدولة، مؤسّسة قضائية محترمة جداً، نفتخر بوجودها في لبنان، خصوصاً وأنّ لبنان يتميّز عن بقيّة الدول العربية بالحريات، التي تبدأ بالحرية الإعلامية، ولا تنتهي بحرّية القضاء العادل والشفّاف.
لكن هذه المؤسّسة تتعرّض الآن، كما تعرضت من قبل لاهتزاز بعد تعيين محام فيها، دخل وخرج بالواسطة… هذا المحامي معروف بنقل «البندقية» من كتف الى كتف، فتراه يتنقل من زعيم الى زعيم، ضمن قاعدة «أنا مع الواقف».
وكي لا يذهب الصالح «بعزا» الطالح نريد أن نقول إنه عند تعيين القاضي الاستاذ طنوس مشلب رئيساً للمجلس الدستوري كان من أفضل وأنزه القضاة في تاريخ القضاء اللبناني.
طبعاً نحن هنا لا نريد ترك الأمور «فلتانة» بل ان علينا واجب المراقبة والمحاسبة.
بدأت القصة الفضيحة حين أصدر وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب قراراً قضى بإقالة الدكتورة ندى عويجان من مهامها بإدارة المركز التربوي للبحوث والإنماء. لكن مجلس شورى الدولة أصدر قراراً إعدادياً قضى بوقف تنفيذ القرارات الاربعة التي كان أصدرها الوزير.
أولاً: جاء القرار الصادر عن الغرفة الرابعة برئاسة القاضي يوسف نصر، نتيجة المراجعة التي قدمتها رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الـمُقالة، متهمة الوزير بالتزوير ومخالفة القوانين.
هذا وقد فوجئت الأوساط التربوية والقضائية المتابعة لقضية المركز التربوي بقرار مجلس شورى الدولة بإيقاف تنفيذ قرارات وزير التربية والتعليم العالي التي أعاد بموجبها الدكتورة ندى عويجان الى ملاكها في الجامعة اللبنانية بسبب عدم قانونية وجودها في هذا المنصب.
ويعيد المراقبون سبب اتخاذ مجلس الشورى قراره هذا الى تصريح الوزير ببدء تصحيح المسار المنحرف الذي ساد في المركز التربوي، والبدء أيضاً باتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة تجاه ما تكشّف من ارتكابات في الوزارة.
ثانياً: ان الغرفة المذكورة في مجلس الشورى، اتخذت قرارها الإعدادي المطلوب الرجوع عنه، وقرّرت وقف تنفيذ قرارات الوزير الاربعة المطعون فيها، بما فيها القرار الاساسي المطعون فيه رقم 2020/304 الذي قد تم استرداده وخرج بالتالي كلياً من الانتظام القانوني، وحيث انه بزوال موضوع المراجعة الأساسي لا يجوز الاستمرار بالسير بها بحجة وجود طلب إضافي هو الطعن بالقرارات اللاحقة لأنّ زوال الاصل يترتب عليه زوال الفرع لم تتسلم لوائح المستدعية التي تضمنت طلبها الاضافي بشأن القرارات اللاحقة، ولم يتسنَّ لها بالتالي الإجابة على ما ورد فيها من حجج ساقطة. إلاّ ان الغرفة أقدمت على وقف تنفيذ القرارات من دون سماع رأي الإدارة وهذا يشكل مخالفة للمادة 77 من نظام مجلس شورى الدولة.
استناداً الى هذه المعطيات يتبيّـن بوضوح أنّ القرار الإعدادي مشوب بعيوب قانونية جسيمة، ويجب الرجوع عنه من دون إبطاء. وقد كلف وزير التربية هيئة القضايا في وزارة العدل طلب الرجوع عنه.
إشارة الى انه تمّ تكليف الدكتور جورج نهرا بتسيير أمور المركز.
ثالثاً: قد يكون قرار مجلس شورى الدولة رداً على ما قام به الوزير من إيقاف للقاضي كارل العيراني، المنتدب الى وزارة التربية منذ خمس سنوات، وهو يعمل عند صونيا خوري مستشاراً… ما دفع بمجلس الشورى الى إيقاف القاضي سميح مداح الذي يعمل مستشاراً في وزارة التربية، ويعمل ايضاً في لجنة المعادلات لقاء مبالغ يتقاضاها.
حرب إيقاف القضاة بين المجذوب ومجلس الشورى قد يكون سبباً في إيقاف قرارات الوزير، بحجة أنّ القاضي المنتدب، ينتدب لفترة محددة لا لسنوات.
رابعاً: في مقارنة لما حدث مع الدكتورة عويجان وهي موظفة لم تكن في الملاك بل عيّنت من خارج الملاك مع مديرة الوكالة الوطنية للإعلام السابقة لور سليمان… فهي ايضاً كانت مكلفة من خارج الملاك، وقد عيّنت في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، وعندما أقالها وزير الإعلام يومذاك جمال الجرّاح لجأت الى مجلس الشورى، فردّ تظلّمها وقال بأنه لا تنطبق عليها شروط الموظفة لأنها من خارج الملاك، وكان مجلس الشورى في ذلك الوقت برئاسة القاضي يوسف نصر. فلماذا قرّر مجلس الشورى اليوم وبرئاسة القاضي يوسف نصر نفسه قبول تظلّم عويجان وهي مكلفة أيضاً من خارج الملاك؟
ذلك يعني أنّ هناك ناساً بسمنة وآخرين بزيت.
وهناك صيف وشتاء فوق سطح واحد.
فهل يمكن تصديق ما يصدر عن مجلس شورى الدولة؟
ويتساءل الكثيرون: لماذا التشكيك بالقضاء؟
الجواب نجده في كل ما يحصل من أعاجيب تصدر عن مجلس الشورى المذكور.
إنّ ما حدث وما يحدث اليوم يجعلنا نتذكر الماضي بحسرة، إذ رحم الله ايام زمان، ايام قضاة مجلس شورى الدولة الكبار الذين مروا على القضاء الإداري، وتركوا بصمة مميزة ونادرة في محورية اجتهادات مجلس الشورى بقرارات إدارية بطابع موضوعي لا شخصي..
وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر القضاة:
وفيق القصار
جواد عسيران
جوزيف شاوول
حسن الحاج
إسكندر فياض
غالب غانم
وغيرهم الكثير لا مجال لذكرهم اغنوا القضاء الإداري باجتهاداتهم…
لكن ما نعيشه اليوم يجعلنا نتساءل: هل نحن امام تقلبات الجو والطقس، علينا ان نعيش صيفا وشتاء على سطح واحد؟
إنه القاضي يوسف نصر… واجتهاد العصر، على مطلب وتمنيات القصر!
فتارة يرفض وقف التنفيذ في مراجعات واضحة بمستندات راجحة ومعطيات سانحة!
وطورا يوقف التنفيذ في مراجعات متأرجحة من دون مستندات، ويطالب بتزويده بالقرارات بمختلف المستويات.
فاذا صاحب السلطة اتصل، وقف التنفيذ حصل..
واذا صاحب المراجعة لا حول له ولا قوة، فلا وقف للتنفيذ ولو اتسعت الهوة!
فالقاضي نصر له مع الادارات الرسمية صولات وجولات فهو تارة موجود في القصر الحكومي وفي بعض الوزارات، وله من اللجان كل الخيارات!
ولا ننسى القاضي سميح المداح الموجود في وزارة التربية ردحاً من الزمن تجاوز السبعة عشر عاما… مستشار دائم، بخير عائم، ومردوده المالي (ع اللبناني والدولار ). وبتوقيع السيد مداح لا القاضي…كي تستوي الأحداث على مقاس البيك والباشا، ولو ادى الأمر الى اكلة «البوغاشة».
ولا ننسى القاضي الثاني، كارل العيراني، وخير الادارة وعطاءاتها…
إلى متى ننتظر، كي نرى القضاء الإداري يواجه تحديات الدولة، كي نتلمس العدالة من أوسع أبوابها ..
إلى أن نرى هذه المشهدية، عود على بدء،
ايها النصر.. اقض لما يتطلبه القصر.. فلن يدوم هذا العصر…