في العاشر من الشهر الحالي، صدر قرار قضائي ألزم مستأجرا قديما دفع الزيادة على بدلات الإيجار، استنادا الى احكام قانون الإيجارات الجديد. القرار الذي تجاهل حق المُستأجر في الحصول على مُساعدات من الصندوق لدفع الزيادة على البدلات، وفق ما ينص عليه القانون نفسه، يخرج عن نطاق تبني القضاة لمبدأ نفاذ القانون في الدعاوى المُتعلّقة بالاسترداد للضرورة العائلية والهدم، ويفتتح مسارا جديدا في قضية الإيجارات
في 10/10/2016، أصدرت القاضية المُنفردة المدنية في بيروت الناظرة في قضايا الإيجارات، أميرة صبره، قرارا ألزمت فيه مستأجرا قديما دفع الزيادة على بدلات الإيجار استنادا الى أحكام قانون الإيجارات الجديد، “بغض النظر عن مدى استفادة المُدعى عليه (المُستأجر) من مُساهمة الصندوق (المخصص لمساعدة المُستأجرين غير القادرين على دفع الزيادة)، وبمعزل عن الجدل القانوني القائم حول مدى صلاحية هذه المحكمة لبت مثل هذا الطلب”، وفق ما ورد حرفيا في نص القرار.
تفاصيل القرار
نصّت المادة 7 من قانون الإيجارات الجديد على تعيين لجنة بموجب مرسوم (..)، يكون عملها النظر في تطبيق الأحكام المتعلقة بدفع الزيادات على بدلات الإيجار. ونصّت الفقرة (ب) من المادة 18 من القانون على أنه في حال لم يجر التوصل الى تحديد بدل المثل رضاء بالاتفاق بين المؤجر والمُستأجر (..) يقوم المالك بتعيين خبيرين محليين (..) يضعان تخمينا لبدل المثل المأجور ويتم إبلاغ المستأجر بتقرير التخمين. بعدها، وخلال شهرين من تبلّغه التقرير، إما يقبل المستأجر التقرير ويتبنى البدل المنصوص عليه وإما يعمد بدوره الى تعيين خبيرين آخرين. وإذا اختلف التقريران جاز لكل من المُستأجر والمؤجر أن يلجأ الى اللجنة من أجل بت النزاع. الجدير ذكره أن المجلس الدستوري كان قد أبطل في 6 آب عام 2014 المواد الثلاث المتعلّقة بلجنة بت نزاعات بدل المثل واعتبرها غير دستورية، وهي: المادة 7 و13 والفقرة ب-4 من المادة 18. الإنطلاق من هذا الشرح يُعد ضروريا لفهم القضية وتفاصيلها.
بداية، كلّف المالك خبيرين للكشف على المأجور وأبلغ التقرير إلى المستأجر. لم يردّ الأخير على تقرير المالك ضمن مهلة الشهرين، ما دفع بالمالك إلى التقدم بدعوى للمطالبة بالزيادات على السنة التمديدية الأولى بالاستناد إلى تقرير الخبيرين المُكلّفيين من قبله.
في معرض اللائحة الجوابية التي تقدّم بها المُستأجر، يُدلي الأخير أن مدخوله الشهري هو أقلّ من ثلاثة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور (..) ويطلب إعلان بطلان عمل لجنة الخبيرين المعينيين من قبل المالك والتثبّت من عدم وصول المدعى عليه (المستأجر) الى ثلاثة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور عملا بالمادة 3 من القانون (تنص المادة 3 على تقديم المساعدة للمستأجرين الذين لا يتجاوز دخلهم ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور عن طريق دفع الزيادات كليا او جزئيا حسب الحالة).
ردّت القاضية طلب إبطال تقرير الخبيرين وألزمت المُستأجر أن يدفع للجهة المدعية المبلغ الذي ينص عليه تقرير الخبيرين، كذلك ردّت طلب تعليق مهلة دفع الزيادة القانونية وتضمين المُستأجر الرسوم والنفقات القانونية.
جعارة: أي إنصاف يكون بتطبيق فقط سلسلة العقوبات
على المُستأجر؟
في معرض تعليل القرار، تقول القاضية: “بغض النظر عن مدى استفادة المدعى عليه من مُساهمة الصندوق، وبمعزل عن الجدل القانوني القائم حول مدى صلاحية هذه المحكمة لبت مثل هذا الطلب، فإنه في ظل حصر الجهة المدعية مطالبها فقط بالزيادة القانونية اللاحقة بالسنة التمديدية الأولى دون باقي السنوات (..)، يكون الطلب المُقدّم من قبل المدعى عليه للاستفادة من مساهمة الصندوق وتعليق دفع الزيادة مردودا لعدم القانونية”. وتُضيف: “إن رد طلبه لهذه الناحية، لا يحرمه الإستفادة من هذه المُساهمة عن السنوات اللاحقة، في حال توافر شروطها، وذلك بموجب طلب يُقدّمه على حدة (..)”.
ألزمت القاضية إذا المُستأجر دفع زيادة البدلات وتركت مسألة المُساعدة المستحقة للمستأجر لدفع هذه الزيادات مُعلقا. هذا الأمر بات يتكرّر في نماذج التطبيق “المُجتزأ” للقانون، إذ يجري تطبيق المواد المتعلقة بـ “إنصاف” المالك وتجاهل السياق المتكامل لمساعدة المُستأجرين الذي نصّ عليه القانون.
تستند القاضية في حكمها الى المادة الرابعة من قانون أصول المحاكمات المدنية (لا يجوز للقاضي الاستنكاف عن إحقاق الحق بحجة غموض النص). تقول عضو تجمّع المحامين للطعن وتعديل قانون الإيجارات المحامية مايا جعارة إنه لا يمكن للقضاء وعملا بمبدأ فصل السلطات أن يرجع الى المبادئ العامة وإحلال القاضي المنفرد مكان اللجنة المُبطلة، إذ إن الرجوع الى المبادئ العامة يكون في حالة غموض النص او انتفائه، “وليس في حالة بطلان النص من قبل المجلس الدستوري، ففي حالة الإبطال الكلي او الجزئي وعملا بمبدأ فصل السلطات يُعاد القانون الى مجلس النواب صاحب الصلاحية بتعديله”. وتُضيف جعارة أن المادة الرابعة تقضي باعتماد القاضي المبادئ العامة والعرف والإنصاف، “أي انصاف يكون بتطبيق فقط سلسلة العقوبات على المُستأجر في حين أن المواد التي تُنصفه جزئيا لا تُطبّق؟”.
يعلّق محامٍ مُطلّع على القرار بالقول: “لا نزال نعيش الإشكالية القانونية الناشئة عن تقاعس مجلس النواب معن الإستجابة الى قرار المجلس الدستوري، الذي يُلزم المجلس تعديل ما أبطله مجلس الدستوري”. ويُضيف: “وبسبب هذا التقاعس، فإن إشكالية الإجتهادات المُتفاوتة ستبقى قائمة”. اللافت هو ما يُشير اليه المحامي وهو أن هذه القرارات تأتي في سياق يجعل من مسألة تطبيق القانون واقعا بحكم الأعراف وبقوة الواقع القائم.
وللتذكير فإن الهيئة العامة لمحكمة التمييز كانت قد أصدرت في 9/5/2016 قراراً يقضي بوقف تنفيذ القرار الصادر عن محكمة الاستئناف المدنية في بيروت في شهر تموز من عام 2015، الذي اعتبر حينها قانون الإيجارات الجديد نافذاً. حينها، رأى المُستأجرون أن قرار الهيئة العامة من شأنه أن “يُفرمل” بعض القرارات القضائية، التي عدّت قانون الإيجارات نافذا، ليأتي قرار القاضية صبره ويدحض آمال المُستأجرين القدامى.
أمام هذا الواقع، وفي ظل “عودة” الجلسات التشريعية، يجد المُستأجرون أنفسهم أمام خيار العودة الى الشارع.
المُستأجرون يعتصمون اليوم
دعت لجان المُستأجرين في المناطق وتجمّع المحامين للطعن وتعديل قانون الإيجارات الجديد، اليوم، الى وقفة احتجاجية أمام الباب الرئيسي لقصر العدل في بيروت، قرب بيت المحامي، عند الساعة العاشرة والنصف صباحا، وذلك اعتراضا على “بعض الأحكام الإستنسابية والمتناقضة بعد الإبطال الصادر عن المجلس الدستوري”، وللمطالبة بحماية المواطنين في بيوتهم ومنع تهجيرهم