تردّدتُ كثيرًا قبل أن تلحّفْتُ قلمي، وقرّرتُ أن أتوجّه بهذه الرسالة إلى قاضٍ صديق، عرفته منذ أكثر من نيّف وثلاثة عقود من الزمن، قاضيًا شريفًا نزيهًا، مقدامًا جريئًا، يُنْصِرُ الحق ويُجافي الباطل، تاريخه مُشرِّفٌ، يجرؤ حيث لا يجرؤ الآخرون.
غَمَرَتْني الغبطة حين سُمّي مُحقّقًا عدليّاً في جريمة العصر، وأدرَكْتُ أنّ الحقيقة ستظهر، ودماء الأبرياء لن تذهب هدرًا، إنّه القاضي فادي صوّان، قاضي العدالة والحق والحقيقة.
تيقّنْتُ أنّ معركته لن تكون سهلة، في وجه منظومة حاكمة، تتحكّم بالبلاد والعباد، همّها السُلطة، ولو على حساب البشر والحجر.
سيّدي الرئيس،
أمّا بعد،
تقدّمْتَ بالتحقيقات، حتى لامَسْتَ الخطوط الحمر.
مَنْ كان يتصوّر أنّ وزيرًا يُدّعى عليه، ويُجلب بصفة «مُدّعى عليه» إلى قوس العدالة؟.
قامت القيامة، وكشّرت السُلطة عن أنيابها، وقاضتك بالإرتياب المشروع، ليس لِسَبَبْ إلاّ لأنّك تجرّأت على مُلامسة المحظور، وتمرّدت عليها، وذهبت بعيدًا في مهماتك.
سيّدي الرئيس،
لا تخشى أبدًا، ولا تتراجع قيد أُنْمُلة، ما دام الشعب معك، وصلوات الأمّهات تُساندك، ومجلس القضاء الأعلى يؤازرك، ونقابة المحامين درعًا لك.
إنّها الفرصة اليتيمة لتحقيق العدالة، رحمةً لأرواح الشهداء، ورأفةً بعائلاتهم وذويهم.
أيّها الصديق،
سيُحاولون المستحيل لإستبدالِكَ، لإزاحتِك، لِتَنْحيَتِكَ، لكن لا تخشى شيئًا، ما دام الناس معك، والشعب خلفك، وفي يدك الحقيقة والعدالة.
وبكلّ محبّة أناشدك:
ـ لا تَرضى أبدًا أن يدفع الثمن باقة قليلة من الضُّباط، إن كانوا أبرياء، أم مسؤولياتهم محدودة.
ـ لا تقبل بتاتًا أن يُسدِّد الفاتورة سائق أُجرة، كل ذنبه أنّه يعمل لإعالة عائلته.
ـ لا تسمَحْ مُطْلقًا أن يدفع الثمن قادة أجهزة، إن كان المطلوب أن يكونوا «كبش محرقة» عوض وزراء ورؤساء وغيرهم.
ـ لا تجعل تحقيقاتك تقتصر على معرفة سبب مراجعة هذا الضابط لهذا القاضي، أو سبب التأخُّر في فتح محضر أم خلافه، لأنّ لكل هذه الأسئلة أجوبة.
إنّما أُناشِدُكَ أن تذهب في تحقيقاتك بعيدًا، إلى مَنْ أدْخَلَ هذه المواد المُتفجِّرة إلى مرفأ بيروت، ولمصلحة مَنْ أُدْخِلَتْ، ومَنْ سدّد ثمنها، ومَنْ أخرَجَ الجزء الأكبر منها، ولأي غَرَضْ، ومَنْ خزّنها، وتخفّى عنها لِسنين وأعوام.
الشهداء في عليائهم ينظرون إليك، أُمّهاتهم يتشفّعن لك ويُرافقنك بصلواتهّن، المُشرّدون من منازلهم يشدّون على يدك، فلا تخزلهم.
سيّدي الرئيس،
لبنان في حاجة إلى أمثالك، فلا تَدَعْ هذه الطغمة الحاكمة تُرهبك.
فلا خلاص للوطن، إلاّ بِقُضاةٍ شُرَفاء، وأنت في طليعتهم، والتاريخ سيحكم.
وفي المُناسبة، أسألك سيّدي الرئيس، لماذا توقّفت عن إجراءات التحقيق بِمُجرّد أنّك تبلّغت طلب الرّد؟ رغم أنّ الفقرة الأخيرة من نصّ المادة /340/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تُجيز لك الإستمرار في مَهماتك، ما لم يصدُر قرار مُخالف عن جانب محكمة التمييز.
فهل صدر قرار بذلك من دون إعلان؟
سيّدي الرئيس،
في الختام، أُذكّرك بِقَوْلٍ للكاتب المصري «جلال عامر» (1952-2012)
«غياب الأمن يصنع الفوضى، وغياب العدل يصنع الثورة».
فلا تَدَعْ مَنْ راهنوا عليك يَخْسَرون الرِّهان. لأنّه وعند غياب العدل، ستوقد الثورة، وعندها سيأخذ الشعب المُبادرة لتحقيق العدالة، رحمةً لأرواح شهدائه، وإستعادةً لحقوقه المهدورة والمُغتَصَبة، وسينفجر البُركان. حمى الله لبنان.