من خلال التطور الدراماتيكي لردود الفعل والهجوم الذي تعرض له، بدا وكأن المحقق العدلي في قضية المرفأ القاضي فادي صوان أدخل نفسه والجسم القضائي، كما أدخل البلد عموماً، في مأزق قد لا تحمد عقباه. ادعى صوّان، على كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، ووزير المال السابق علي حسن خليل، ووزيري الأشغال السابقين يوسف فنيانوس وغازي زعيتر، في قضية انفجار مرفأ بيروت، وحدد ابتداء من بعد غد الاثنين موعداً لاستجوابهم، كمدعى عليهم في قضية انفجار مرفأ بيروت. وبني الإدعاء على جرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وايذاء مئات الأشخاص.
الكلّ كان مربكاً لا يجد تفسيراً لقرار قاض يفترض ان من شروط عمله، الى النزاهة، ان يكون صاحب حكمة في اتخاذ القرارات وان يقدر عواقبها حتى ولو كانت حدودها التزام القانون. فهل تقصد صوان ان يثبت جرأته في اتخاذ القرارات لا سيما بعد صدامه مع مجلس النواب أم انه تسرع في قراره؟ وهل قراره ناتج عن اجتهاد شخصي ام انه يندرج في سياق خطة قضائية؟
لا تملك اية جهة قضائية جواباً شافياً على خلفيات قرار صوان وما تصبو اليه. وكيف وقع اختياره على هؤلاء دون غيرهم وهو سبق وأعدّ لائحة من اربعة رؤساء حكومات و13 وزيراً؟ وهل آزر مجلس القضاء الاعلى صوان في قراره؟ يؤكد مصدر قضائي ان المجلس لم يتدخل وما صدر يلزم قاضي التحقيق. يقول المصدر: “قانونياً لا يحق لأية جهة التدخل لدى قاضي التحقيق للاستفسار عن قراره، حتى مجلس القضاء الاعلى ولو ان هذا القرار زج بالجسم الفضائي كله في موضوع تداخلت فيه الحسابات السياسية والطائفية”. اما وقد تصدى الجميع لقراره فما هي الخطوة التالية التي سيلجأ اليها صوان؟ رئيس الحكومة لن يسمح بالاستماع اليه مجدداً، والنواب الثلاثة لن يمثلوا امامه لان مجلس النواب والتزاماً بالمادة 70 من الدستور لن يمنح الاذن بخضوع نوابه للتحقيق، الا في حالات غير متوافرة في قرار ادعاء صوان. فيما كان مستغرباً الموقف الذي اعلنه نقيب المحامين ملحم خلف برفع الغطاء عن ثلاثة محامين مسجلين على جدول النقابة وهو الذي كان أخرج قبل ايام محامياً من مخفر التحقيق أوقف على خلفية خلاف مع شرطي. وقضائياً ايضاً لا بد من التنبه لنقطة غاية في الاهمية وهي ان قرار صوان سيلزم المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات التنحي عن الملف حكماً، لوجود صلة قرابة مع النائب غازي زعيتر الذي هو احد المدعى عليهم.
اما سياسياً “فكان ينقص قرار صوان، كي يزيد الشرخ السياسي وتتوسع رقعة الاصطفافات السياسية، أن تتوجه اصابع الاتهام السياسي صوب قصر بعبدا على انه يقف خلف صوان في قراره، لكن المؤكد ان ما حصل لم يكن بتوجيه من رئيس الجمهورية، وسياق قرار الادعاء منفصل عن ملفات الفساد التي تعلن تباعاً”.
في الوقائع، تعتبر مصادر سياسية أن “ادعاء صوان فجر ملف التحقيق بمرفأ بيروت وأجهز عليه بفعل سياسة الكيل بمكيالين، وخيب آمال الناس التي تنتظر نتائج التحقيق على أحر من الجمر. كيف ارتأى الادعاء دفعة واحدة على مجموعة من الخط السياسي ذاته من دون احتساب خطواته بدقة مع مراعاة حساسيات هذا البلد وحساباته المختلفة. وكيف لصوان ان يجزم ان خطوته هذه لم يكن المقصود فيها الرئيس نبيه بري أو انها جاءت كرد على تعاطي مجلس النواب مع رسالته حول التحقيق؟ هذه الرسالة التي احرجت الجسم القضائي قبل غيره ورد عليها المجلس بلفت نظر المحقق العدلي الى وجود اسماء وردت لا يشير الملف الى الاشتباه بها”. بينما كان سؤال الوزير خليل لصوان عن سر تحييده بعض الاجهزه الأمنية والمعنيين في الجسم القضائي والجيش عن محور الشكوك والاتهام بالتقصير؟
لكن أين “حزب الله” مما يجري؟ الحزب “بالع الموسى”، وجد انه امام ملف مسيّس ينال من حلفائه ومن رئيس حكومة لم يستطع تحصينه فكان ضحية طبقة سياسية اودت به الى الاستقالة. لم يعد يدرك كيف يتعاطى مع الاصطفافات والمتاريس المستجدة التي بدأت تأخذ منحى خطيراً أطاح بامكانية تشكيل حكومة وعمق الانهيار المالي. و”حزب الله” الذي رفع لواء مكافحة الفساد لن يتصدى لفضح الملفات لكنه بالمقابل لن يرضى بتسييس ملف المرفأ وهو صار على بينة من حصول ذلك.
أما سنياً، فقد جاءت الخطوة لتصب في خانة الاستهداف السني المشكو منه على مستوى الطائفة. فتصدى لها “المستقبل” بكل ما أوتي من قوة وحضور. هي رمية من غير رام استهدفت حسان دياب الذي كان مغضوباً عليه سنياً، فتحوله الى مستهدف، وهو كذلك على اي حال، وتكون سبباً لتفعيل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري زعامته السنية والظهور بموقع الوصي على الرئاسة الثالثة وحاميها مسعّراً حملته ورؤساء الحكومات السابقين في وجه عون.
كيف لصوان ان يخرج من مأزقه واي قرار ثان سيصدره سيكون بمثابة ترقيع للقرار الاول او بمثابة رفع شبهة الاستنسابية، وما هي الخطوة التالية التي يفترض ان يتخذها بعدما تم استثمار قراره سياسياً وطائفياً. وهل يمكن ان يتنحى احتجاجاً ويظهر خلل الطبقة السياسية؟