صَوّان سيَستنفد كل الوسائل القانونيّة بما فيها إصدار مُذكّرات توقيف
لقد صار مَعلومًا أنّ الإستدعاءات والإدعاءات في ملفّ تفجير مرفأ بيروت لن تمرّ بسلاسة، حيث تداخلت فيها الصراعات السياسيّة والحزبيّة والإعتبارات الطائفيّة والمذهبيّة، مَعطوفة على خلافات دُستوريّة وغيرها. والإتجاه الذي بات واضحًا ومَلموسًا، هو نحو رفض المُثول أمام قاضي التحقيق العدلي فادي صوّان الذي اضطرّ مرّة أخرى إلى تحديد مواعيد إستجواب جديدة للمسؤولين السياسيّين المُدعى عليهم. فما الذي سيحصل في الأيام المُقبلة؟
بحسب مصدر قضائي، إنّ القاضي صوّان لا يُفكّر حاليًا في التنحّي عن ملف إنفجار المرفأ، وهو مُصرّ – وعلى العكس من ذلك، على استنفاد كل الوسائل القانونيّة التي يملكها، حيث سيُواصل مُحاولاته لدفع التحقيق القائم إلى الأمام، وسيستخدم صلاحيّاته القضائيّة برمّتها، بما فيها إصدار مُذكّرات توقيف بالمُدعى عليهم، في حال استمرّوا بالتمنّع عن الحُضور إلى جلسة الإستجواب، بغضّ النظر عن مُحاولات التهرّب التي يعتمدونها حاليًا، بحجّة عدم وُصول التبليغ حينًا، وبحجّة التمسّك بحصانة موقع رئاسة الحُكومة، أو بالحصانات النيابيّة وفق المادة 40 من الدُستور، وغيرها من الذرائع، حينًا آخر. وقال المصدر القضائي إنّ القاضي صوّان يرفض هذه التبريرات، لأنه يلاحق المَطلوبين بجرائم جزائيّة، وهو سيتصرّف بباع طويل نوعًا ما.
وعن الجهة السياسيّة التي تؤمّن الدعم للقاضي العدلي، نفى المصدر القضائي وُجود أي جهات سياسيّة وراء الإدعاءات المُستجدّة، مُشيرًا إلى أنّها تأتي في السياق الطبيعي لتقدّم التحقيق، ومؤكّدًا أنّها ستُستكمل باستدعاءات وبادعاءات أخرى لاحقًا. وأضاف أنّ الدعم الذي يلقاه القاضي صوّان يتأتى من قُوّة القانون، ومن قبل أهالي ضحايا إنفجار المرفأ ومن المُتضرّرين جميعهم، وكذلك من التأييد الشعبي الواسع الواضح على صفحات التواصل الإجتماعي، والذي يدعو إلى كشف حقيقة ما حصل وإلى رفع الغطاء عن كلّ المسؤولين مهما علا شأنهم.
في المُقابل، رفضت أوساط سياسيّة ما وصفته بالإستنسابيّة وبالإنتقائيّة وبالكيديّة في التعاطي، مُدافعة عن قرار كلّ من وزير المال السابق النائب علي حسن خليل، ووزير الأشغال العامة والنقل السابق النائب غازي زعيتر، بعدم الحُضور إلى التحقيق أمس الأربعاء، علمًا أنّ القاضي صوّان حدّد لهما موعدُا جديدًا في الرابع من كانون الثاني المُقبل. وأبدت الأوساط تفهّمها لموقف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الرافض بدوره الخُضوع للتحقيق، ولموقف وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، الذي لا يملك أي حصانة نيابيّة، والذي قال إنه مُستعد للحُضور لكن وفق توقيته، أي أنه عمليًا فضّل التريّث وكسب الوقت، في انتظار ما ستؤول إليه الأمور في هذا الملف. يُذكر أنّ الوزراء الثلاثة المُدعى عليهم قدّموا عبر الوكلاء القانونيّين المُعيّنين من قبلهم، طلبات لنقل الدعوى من القاضي صوان إلى قاضٍ آخر بحجّة التشكيك في حياديّته، وهم أخذوا جرعة دعم إذا جاز التعبير من موقف رئيس مجلس النواب نبيه برّي في جلسة أمس.
ورأت الأوساط السياسيّة نفسها أنّ الإدعاءات الأخيرة مَرفوضة في الشكل وفي المضمون، لأنّها تجاوزت في الشكل طلب المجلس النيابي تزويده بالمُستندات وبالوثائق التي دفعت قاضي التحقيق إلى الإدعاء على النوّاب، ولأنّها برأيها لم تُراعِ عمليّة التبليغ بشكل رسمي أيضًا. وتساءلت الأوساط على مُستوى المَضمون، عن أسباب حرف التحقيق عن هدفه. وسألت: «من هي الجهة التي طلبت شحنة نيترات الأمونيوم، وأين كانت الوجهة النهائيّة للسفينة المعنيّة، ولمصلحة من؟ وكذلك من هي الجهة التي أعطت التعليمات بحجز السفينة في مرفأ بيروت، ومن هي الجهة التي أمرت بتفريغ الحُمولة على أرض المرفأ؟». وقالت الاوساط، إنّ التحقيق وبدلاً من التلهّي بقُشور الإهمال والتقصير، مُطالب بالإجابة عن الأسئلة المُهمّة المَذكورة، وبعد ذلك يُمكن أن تبدأ الأسئلة الخاصة بالجهة أو الجهات التي تجاهلت الخطر الموجود، أو التي فشلت في التعامل معه وفي التخلّص منه! وأضافت أنّه حتى في هذا السياق، من المُستغرب البدء بإلإدعاء على من وصل حديثًا إلى الحُكم، بدلاً مِمّن قضى عدة سنوات في السُلطة يوم كانت نيترات الأمونيوم مرميّة في المرفأ، حيث يجب أن تبدأ المسؤولية بمن تلقّوا عشرات تقارير التحذير من الخطر المَوجود، من سياسيّين وأمنيّين ومن قُضاة كانوا على علم بالمسألة برمّتها أيضًا، وليس تحويل من تلقّى تقريرًا واحدًا قبيل فترة زمنيّة قصيرة جدًا من وُقوع الإنفجار إلى كبش محرقة!
وبين هذا الرأي وذاك، توقّعت أوساط نيابيّة أن يُواجه رئيس حُكومة تصريف الأعمال قرار القاضي صوان وضعه تحت أمر الواقع، لجهة تحديد الساعة التاسعة من صباح يوم غد الجمعة لاستجوابه في السراي. وقالت إنّ رؤساء الحكومات السابقين تمّام سلام، ونجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، إضافة إلى رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، سيوفّرون الحماية السياسيّة والمَعنويّة المُطلقة لرئيس الحكومة المُستقيل، بحجّة حماية الموقع الذي يُمثّله، لكن عمليًا لحماية أنفسهم أيضًا! وأضافت أنّه باستثناء سلام ربما، كل هذه القيادات السنّية الرفيعة المُستوى، يُمكن أن يتم استدعاؤه في ملفّات مُختلفة من قبل خُصومها السياسيّين، ما يَستوجب قطع الطريق على هذا المنحى من اليوم، بالتزامن مع الإستفادة من دعم مرجعيّات وشخصيّات سياسيّة ودينيّة سنّية عديدة.
وختمت الأوساط نفسها كلامها بتوقّع أن لا يتردّد المُدافعون عن المَطلوبين السياسيّين في ملف جريمة المرفأ، في رفع الصوت لاستدعاء رئيس الجمهوريّة، لأنّ مسؤوليّته «عن التقصير والإهمال» لا تختلف عن المسؤولية التي يُحاول البعض تلبيسها لرئيس الحكومة دياب، حتى لو أنّ هذا الأخير كان رئيسًا للسُلطة التنفيذيّة، وذلك باعتبار أنّ رئيس الجمهوريّة هو في النهاية المسؤول المَعنوي الأوّل، وهو قد عيّن مُباشرة عددًا من كبار المسؤولين السياسيّين والأمنيّين الكبار الذين تورّطوا بدورهم في هذا الملفّ، وكان على تواصل دائم ودوريّ معهم.