الجميع رفع سقف المواجهة حتى بات الخروج من المأزق مستحيلاً بعدما ضاق هامش الحل وغاب القادرون على تقديمه. كان السؤال المحوري امس ما الذي سيخرج به اجتماع مجلس القضاء الاعلى عقب اجتماعه اليوم بخصوص ملف التحقيقات في جريمة المرفأ، وهل سيتخذ قراره ام سيرجئه الى ما بعد الاستماع الى المحقق العدلي طارق البيطار. لكن اي موعد لم يحدده المجلس للاجتماع الى البيطار فضلاً عن ان الاجتماع اذا حصل فلن يخرج عن اطار الاستماع الى المحقق العدلي حول الملف، بحكم ان مجلس القضاء هو الساهر على حسن سير القضاء ويريد ان يطلع على حقيقة ما تشهده التحقيقات وعمل المحقق. في هذا الوقت كان المقربون ينقلون عن البيطار اصراره على استكمال العمل على التحقيق من دون الشعور بحرج مما شهدته الايام الاخيرة من وقائع دامية في الطيونة. وبحسب الناقلين انه يعمل بمعزل عما حصل ولا يعتبر نفسه معنياً به ولا نية لديه للتنحي على خلفيته.
أزمة حقيقية وجدت الحكومة كما بقية الاطراف السياسية نفسها أمامها بعدما انعدمت إمكانية الحل القضائية رغم رأي قانوني يؤكد وجود ارتياب مشروع وقانوني مما يحصل، خصوصاً حين ترد محكمة التمييز، المتعارف عليها في العدلية على انها مقبرة قرارات، طلبات رد البيطار عن متابعة الملف في غضون ساعات قليلة في سابقة لم تشهدها العدلية من قبل.
وكما هي الحال القضائية كذلك سُدت كل منافذ الحل السياسي لملف التحقيق بعدما بات محسوماً ان لا جلسات حكومية ما لم تحل عقدة ملف التحقيقات في المرفأ، في حين كانت المفارقة بعدم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب جرياً على العادة، ما يؤكد وجود شيء ما غير طبيعي يحيط بالتحقيقات الجارية. كان بالإمكان تدارك التدهور الدراماتيكي قضائياً وسياسياً بتلقف مجلس النواب للأزمة وقطع الطريق دستورياً على البيطار، بوضع الاسس لمجلس محاكمة الرؤساء والوزراء والنواب قيد التنفيذ، لكن برأي من نصحوا بمثل هذا الاجراء منذ عهد المحقق العدلي السابق، فان الكلام لم يعد مفيداً فما حصل قد حصل وباتت البلاد امام مأزق عميق وسط انعدام الحلول وأرجحية التسييس الذي بلغه ملف التحقيقات ورفع السقف عالياً. وسط هذا الجو الموبوء سياسياً والذي ينذر بتفجير أمني لم يعد بعيداً، تقف الحكومة ورئيسها عاجزة عن اجتراح الحلول وقد باءت كل محاولات الرئيس نجيب ميقاتي ووزير العدل هنري خوري وآخرين بالفشل الذريع. ويؤكد ميقاتي حرص حكومته على عدم التدخل بالقضاء لكنه يستقبل رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وان اجتمعوا تحت عنوان بحث ملابسات جريمة الطيونة. ثمة من يطلب من الرئاسة الثالثة ان تكون اكثر فعالية في البحث عن حلول لكن ميقاتي بحسب المقربين بات مقيداً بحسابات كثيرة خارجية وداخلية، ولا يريد إغضاب الاميركيين ولا الفرنسيين. كان يفضل لو أمّن له “حزب الله” او الثنائي الشيعي وضعية ملائمة لعمل حكومته ووضعوه في حقيقة ما شهدته الايام الاخيرة حرصاً على اتمام الحكومة للاستحقاق الانتخابي. وثمة قائل ان ميقاتي مرتاح رغم سوداوية الصورة بعد ان أمن رئاسته للحكومة وان حكومته وان اهتزت لكنها لن تقع، لأن قرار وقوعها لم يتخذ ولأن البحث عن بديل مهمة مستحيلة ولذا مطلوب ان تستمر وان على شكل هيكل بلا قوة دفع. كان الجميع متفقاً منذ تشكيلها على استحالة قيامها بمعجزات لمعالجة الوضع القائم وان كل المطلوب منها تحضير الارضية لمفاوضات مع صندوق النقد وايجاد حلول لمشكلة الكهرباء والانصراف الى الاجراءات اللازمة لاتمام العملية الانتخابية.
اقتراحات عدة طرحت امس لعقدة البيطار ولم يكتب لها النجاح بينما كان الاهتمام موجهاً نحو ما سيتحدث به امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، حول ملف التحقيقات ومصير البيطار وقبلها والأهم ملف حادثة الطيونة الدامية . كل الاجواء كانت توحي بمزيد من التأزيم. وقعت الواقعة وانعدمت الحلول الا من جهة مجلس القضاء الاعلى واجتماعه المقرر اليوم لعله يخرج بحل ينقذ البلاد من ايام سوداء تنتظرها، بعدما رفع الكل سقف مواقفهم وباتوا أحوج لمن ينزلهم عن الشجرة التي صعدوا اليها، بينما يقف المواطن في ظلها ويده على قلبه خشية ان تتحول الاحداث الدامية الى روتين يومي مع وجود من يلهث لتحقيقها. عقدة العقد القضائية التي كبلت البلد وحكومته لا يجد لها مصدر سياسي حلاً الا بالركون الى الآلية اللبنانية المتعارف عليها، والتفاهم على حل لمعضلة البيطار كي لا يتسبب ملف تحقيق في الانزلاق نحو حرب، محذراً من ان جريمة الطيونة لم تكن مزحة.