IMLebanon

“مش غلط”

 

باغتهم القاضي طارق البيطار وأربكهم. انقلب على انقلابهم. عاد إلى العمل كمحقق عدلي في جريمة تفجير المرفأ قافزاً فوق أفخاخهم، ممتشقاً القانون وملوحاً بسيفه، وضارباً بعرض الحائط كل حصاناتهم.

 

قالوا إنّ نوبة جنون انتابته. وقالوا إنّه كافر، مهرطق في القانون. وقالوا إنّه بات يشكِّل خطراً على السلم الأهلي. وإنّ قراره بالعودة يضرب عمق القضاء ويطيح بالعدل وينسف أساس الملك. وبالطبع، قالوا إنّه تلقى أوامر أميركية وينفّذها، وإنّه استمد قوة جراء جرعة دعم تلقاها من القضاة الفرنسيين الذين زاروه قبل أسبوع.

 

وبالطبع، أيضاً وأيضاً، رفعوا شعار «يا غيرة الدين» على استقلالية القضاء الذي استُبيح بالتدخلات الخارجية الإمبريالية. ليس لتحقيق العدالة في جريمة سجلها التاريخ على أنها الأكبر في القرن الحالي، ولكن لتنفيذ مؤامرة على «حزب الله» و»المقاومة». وسيقولون أكثر. ويفعلون أكثر. سوف يوعزون إلى أزلامهم في السلك القضائي ممن يصنفونهم جهابذة القانون والتشريع، للجد والاجتهاد بدراسات وفتاوى مضادة يواجهون بها قرارات البيطار. أو بكل بساطة، سيستنبطون من أفكارهم الخلاقة خطة فعالة تضمن بقاء الثوب القضائي أبيض، واعتبار أنه «تعرّض للكثير من النقاط السود، ومنها ملف المرفأ»، لذا يجب إرساله إلى مصبغة موثوق بها لتزيل هذه النقاط.

 

بالتالي، ربما سيفعلون ما تعوَّدوا فعله عندما يفشلون في التوصل إلى «التفاهم» الذي يؤدي إلى فرض ما يريدون. ما يدفعهم إلى الاستعانة بوسيلة أنجع، وهي «قبع» من يجب «قبعه» حتى يزفّتوا الطريق حيث تعبر مشاريع أجندة محورهم. وتبقى التحقيقات بشأن «الحادثة» مقتصرة على ورقة واحدة لا تساوي حبرها، منسية في درج ما من أدراج القضاء.

 

فلا شيء مستغرباً في هذا البلد الغريب العجيب منذ صودرت سيادته، وبدأ العبث بدستوره وقوانينه ليصبح أكثر فأكثر ملائماً لمتطلبات أجندة المحور… وصولاً إلى تحوّل المجلس النيابي لعبة يخشخش بها الرافضون تطبيق الدستور وإبقاء جلساته مفتوحة حتى انتخاب رئيس للجمهورية. والقضاء، بدوره يجب أن يبقى لعبة، وممنوع مساءلة المنكبين على تزفيت الطريق لعبور مشاريع محورهم بسلاسة ومن دون تعقيد.

 

ولمَ الاستغراب، وتحديداً بعدما علت العين عن الحاجب، وأكثر بكثير مما يسمح به الحاكم بأمر المحور. وممنوع على الباحثين عن تطبيق القانون وإحقاق الحق في جريمة تفجير المرفأ شرب «حليب السباع» من كأس الشيطان الأكبر، حيث بات تأديبهم مسألة وقت وانتظار الظروف المناسبة.

 

بالتالي، «مش غلط» البدء بالتشكيك في مدى قانونية ما ارتكبه البيطار «المتآمر» الذي أقحم الملف أكثر فأكثر في دهاليز السياسة، و»مش غلط» العمل للحؤول دون تنفيذ قراراته، حتى لو شملت هذه القرارات إطلاق سراح أبرياء، وإبقاء موقوفين مشكوك بأمرهم، طالب الأميركيون بالبت في توقيفهم، بغية ذر الرماد في العيون، و»مش غلط» تحريك شوارع ضدّه مع افتعال فوضى أمنية مدروسة بالقدر اللازم لتبرير شل التحقيق مجدداً.

 

وكذلك، «مش غلط» استخدام وسائل الإلهاء الجانبية، كتلاعب مأسوي بسعر صرف الدولار، أو افتعال أزمات خانقة للرغيف وللوقود وللدواء أو ما شابه. وإذا لم تنفع هذه الوسائل، في الجعبة غيرها وأكثر إيلاماً منها. وتصبّ في شريان الاستقرار العام لتفجره. ولا تجربونا.

 

بالمقابل، «مش غلط» إذا جنّ البيطار وتحدى. حتى لو تجاوز شكليات القانون لينال من المرتكبين المحتمين بحصاناتهم. فهم سبقوه في الفضل. ليس بالشكليات فقط، ولكن في العمود الفقري لبنية القضاء، وسيستمرون، استناداً إلى السوابق المعهودة منذ مصادرة السيادة لمصلحة المحور. المسألة بالنسبة إليهم لا تتعلق بالقضاء وانما بالقدر. وعلينا كمؤمنين، أو ككفار، أن نرضى بهم قدراً غاشماً… وإلّا!