مَن يعرف ما هو مسار التحقيق الذي سلكه المحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ، طارق البيطار، ليبني عليه أحكامه المسبقة؟ لن يُعرفَ هذا المسار إلا بعد أن يُنهي القاضي البيطار تحقيقاته ويُصدِر قراره الظني، وقبل ذلك استباقٌ للتحقيق واستنتاجات قبل أوانها، و»قلبٌ لآية» منطق التحقيقات، بمعنى أنّه بدل أن يظنّ المحقق العدلي، في قراره الظني، بالمشتبه بهم، يعمد المشتبه بهم إلى الظنّ بقاضي التحقيق.
منذ تعيينه محققًا عدلياً، لاحقته الحملات من اليوم الأول، شُنَّت عليه حرب أنّه يسرِّب بعض جوانب التحقيق، وأنّه يُدلي بتصريحات صحافية، من دون أن يظهر اسمه. السؤال هنا: هل التسريب يعيب التحقيق؟ في وثائق القضايا التي أحيلت إلى المجلس العدلي، وحقق فيها محققون عدليون، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في ملف التحقيق في جريمة تفجير كنيسة سيدة النجاة، كانت محاضر التحقيق تُنشَر حرفياً في إحدى الصحف، في اليوم التالي لكل جلسة تحقيق، وكان تسريب المحاضر يتم بواسطة أحد الأجهزة الأمنية، يومها لم يعترِض أحدٌ على التسريب الذي كان ممنهجاً ومعروفة أهدافه وغاياته. ما قبِل به الأطراف السياسيون آنذاك، يرفضونه اليوم، على رغم أنّ ما يُنشَر ليس تسريب محاضر كما كان يحصل في السابق.
وبعدما لم تنجح خطة «إيجاد عيب» في أداء القاضي البيطار، انتقل المعرقِلون إلى «الخطة باء»، من خلال محاولات التشهير بسلوكه: من الحديث عن «من أين له هذا» ليُسدِّد دفعة واحدة القرض السكني، إلى غيرها من القضايا التي حاول المتضررون منه أن «يكوِّنوا ملفات» تضربه في صدقيته.
يقول مرجع قضائي: لماذا الإستعجال؟ ولماذ حرق المراحل؟ مَن انتظر سنتين ونصف السنة، منذ 4 آب 2020، تاريخ تفجير المرفأ، بإمكانه ان ينتظر شهراً إضافياً. إذ بعد شهرٍ على أبعد تقدير، سيُصدِر المحقق العدلي قراره الظني، بعد أن تكون مهل الإستماع إلى المدّعى عليهم الجدد، قد انتهت، والمعروف أنّ آخر موعد سيكون في الثاني والعشرين من شباط المقبل، واعتباراً من الثالث والعشرين من شباط، يكون القرار الظني قد أُنجِز، أو على طريق الإنجاز. إذا كان القرار الظني مفككاً وضعيفاً فبإمكان محامي الدفاع عن المدعى عليهم تفنيده والردّ عليه فقرة فقرة أمام المجلس العدلي. أمّا إذا كان متماسكاً، فإنّ المحقق العدلي يكون قد قام بعمله جيداً، وما على محامي الدفاع سوى تكثيف قرائنهم.
إلى أين ستصل المواجهة بين مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات والمحقق العدلي القاضي طارق البيطار؟
تقول مصادر قضائية إنّ نقطة ضعف مدّعي عام التمييز في الملف، أنّه سبق وتنحى بسبب صلة قرابة بينه وبين أحد المدعى عليهم النائب غازي زعيتر، فكيف عاد عن التنحي وعاد إلى الملف؟
إنه الصراع الأقسى في تاريخ القضاء اللبناني، حتى في زمن الوصاية السورية و»القضاء العضّومي»، لم يكن الأمر كذلك، فهل تكون «قنبلة بيطار القضائية» بمفعول انفجار المرفأ؟
ما هو مؤكد أنّ البيطار لن يتراجع، إلّا في حال واحدة، لا سمح الله…