لا أحد يصدِّق أن هناك «ثأراً شخصياً» بين وليم نون شقيق إحدى ضحايا انفجار المرفأ والقاضي زاهر حماده، المحامي العام الاستئنافي في بيروت. إنّها معركة بين بعض القضاء وبين ثنائي «أمل»- «حزب الله»، وفي كل مرة تتخذ شكلاً من الأشكال، مرةً على شاكلة حادثة الطيونة، ومرةً من خلال زيارة رئيس وحدة التنسيق والاتصال في «حزب الله» الحاج وفيق صفا للعدلية، ومرّة في مخاصمةٍ عبر النائبين من حركة «أمل» غازي زعيتر وعلي حسن خليل، ومرّة عبر الضغط على وزير المال يوسف خليل لعدم وضع توقيعه على مرسوم تشكيلات محكمة التمييز… وأخيراً وليس آخراً من خلال إقحام القضاء عبر القاضي زاهر حمادة، المحسوب على «الثنائي»، وهو المحقق العدلي في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. إحدى جلسات التحقيق مع هنيبعل معمر القذافي (2016)، شهدت صولات وجولات، ومنها أنّ القاضي حمادة توجَّه إلى هنيبعل القذافي بالقول: «والدك مجرم وقاتل».
النزاع بين بعض القضاء وثنائي «أمل»- «حزب الله»، استخدم فيه الثنائي معظم أدوات الدولة، الوزارية، عبر وزير المال، والنيابية، عبر النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل، والقضائية عبر القاضي زاهر حمادة، وفحوى هذا التدخل: لا شيء يمشي في البلد من دون موافقة ومباركة الثنائي.
في كل مرة يُعتَمَد هذا الأسلوب، ينحدر البلد إلى مزيدٍ من التحلل، وينهار ركن أو قطاع من قطاعاته. في»القطوع» الأخير في المواجهة بين وليم نون والقاضي زاهر حمادة، لم تسقط العدلية بـ»الديناميت» الذي لوَّح وليم نون باستخدامه، بل سقطت بالتخبّط القضائي الذي ظهر فيه أن الثنائي قادر على إسقاط أي موقع لحظةَ يشاء.
حتى مجلس القضاء الأعلى لم يسلم من الاستهداف، إلى درجة منعه من إصدار بيان، يبدو أنّه لم يكن يرضي الثنائي. تبدأ القصة بتواصل عبر الهاتف، وليس باجتماع، لمجلس القضاء الأعلى، تمَّ التداول في «مسودة بيان»، عبر «الواتس آب» بين أعضاء المجلس، لم يتم التوافق عليها، واقترح رئيس المجلس القاضي سهيل عبود إضافة فقرة حول «المطالبة بوقف جميع التدخلات في القضاء، وإنفاذ جميع القرارات القضائية»، هذه الإضافة المقترحة، لم ترُق لبعض أعضاء المجلس، لأنهم رأوا فيها استهدافاً للنائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، فكان تسريب للمسودة إلى وسائل الإعلام، قطعاً للطريق على أي تعديل أو إضافةٍ على البيان، ما اضطر القاضي عبود إلى إصدار بيان أكد فيه أنّ ما تم توزيعه ليس بياناً حصل على توافق.
هذا الواقع عَكَس تركيبة مجلس القضاء الأعلى التي تعكس واقع «التشرذم» في البلد، وكذلك التقاء المصالح أحياناً، فالقاضي حبيب مزهر محسوب على حركة «أمل»، والقاضيان داني شبلي وميراي حداد محسوبان على «التيار الوطني الحر»، والقاضي الياس ريشا سمَّاه وزير العدل هنري خوري، والقاضي عفيف الحكيم محسوب على وليد جنبلاط، والقاضي غسان عويدات محسوب (سابقًا) على الرئيس سعد الحريري.
الأسباب الموجِبة التي حدَت بالقاضي سهيل عبود الى تضمين البيان «وقف جميع التدخلات في القضاء وإنفاذ جميع القرارات القضائية»، أنّه شخصياً تعرَّض لضغوطات حين حاول النائب في «التيار الوطني الحر»، شربل مارون، اقتحام منزله، ويومها لم يحرّك مجلس القضاء الأعلى ساكناً، في المقابل تحرّك في قضية القاضي زاهر حمادة.
لكن ما هي»المصيبة»التي جمعت حركة «أمل» و»التيار الوطني الحر» في بيان مجلس القضاء الأعلى؟
«الحركة» و»التيار» يريدان «قبع» القاضي طارق البيطار، أو على الأقل تعيين قاضٍ رديف له، ينفِّذ إخلاءات السبيل، وقُرّ الرأي على اسم القاضية سمرندا نصار، لم يحضر القاضي عبود الجلسة لأنّه غير موافق على تعيين نصار، كما لم يحضر القاضي عفيف الحكيم، فطار تعيين سمرندا نصار، عندها ردَّ أعضاء مجلس القضاء على القاضي عبود، فلم يأخذوا بطلبه إضافة فقرة إلى البيان، وتم تسريب البيان «مبتورا».
إنه صراع سياسي- قضائي، إنفجر في العدلية وأصابها بشظاياه، وليس ديناميت وليم نون، غير الموجود إلّا في مخيلات البعض، وشظايا هذا الصراع، هو الذي كاد أن يفجِّر العدلية.